الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويسن ) بعد ذكر الاعتدال وهو إلى من شيء بعد خلافا لمن قال الأولى أن لا يزيد على ربنا لك الحمد ولمن قال الأولى أن يأتي بذلك الذكر كله ( القنوت في اعتدال ثانية الصبح ) للخبر الصحيح عن أنس { ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا } ونقل البيهقي العمل بمقتضاه عن الخلفاء الأربعة وصح من أكثر الطرق أنه صلى الله عليه وسلم فعله للنازلة بعد الركوع فقسنا عليه هذا ، وجاء بسند حسن أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كانوا يفعلونه بعد الركوع فلو قنت شافعي قبله لم يجزه ويسجد للسهو فإن قلت قياس كلام أئمتنا الجمع بين الروايات المتعارضة هنا بحمل ما قبل على أصل السنة وما بعد على كمالها .

                                                                                                                              وكذا يقال في نظائر لذلك لا سيما في هذا الباب قلنا إنما خرجوا عن ذلك لأنهم رأوا مرجحا للثانية وقادحا في الأولى هو أن أبا هريرة صرح ببعد وأنس تعارض عنه حديث راوييه محمد وعاصم في القبل والبعد فتساقطا وبقي حديث أبي هريرة الناص على البعدية بلا معارض فأخذوا به ( وهو { اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره ) أي وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت أي معهم } لأندرج في سلكهم أو التقدير واجعلني مندرجا فيمن هديت ، وكذا في الآتيين بعده [ ص: 65 ] فهو أبلغ مما لو حذف { وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت } رواه جمع هكذا بسند صحيح في قنوت الوتر كما في المجموع وقال البيهقي صح أن تعليم هذا الدعاء وقع لقنوت صلاة الصبح ولقنوت الوتر وسيأتي في رواية زيادة فاء في إنك وواو في إنه وزاد العلماء فيه بعد واليت ولا يعز من عاديت وإنكاره مردود بوروده في رواية البيهقي وبقوله تعالى { فإن الله عدو للكافرين } وبعد تعاليت فلك الحمد على ما قضيت أستغفرك وأتوب إليك ولا بأس بهذه الزيادة بل قال جمع إنها مستحبة لورودها في رواية البيهقي ويسن للمنفرد وإمام من مر أن يضم لذلك قنوت عمر الآتي في الوتر وتقديم هذا عليه لأنه الوارد عنه صلى الله عليه وسلم ومن ثم لو أراد أحدهما فقط اقتصر على هذا ولا تتعين كلماته فيجزئ عنها آية تضمنت دعاء أو شبهه كآخر البقرة بخلاف نحو سورة تبت ولا بد من قصده بها لكراهة القراءة في غير القيام فاحتيج لقصد ذلك حتى يخرج عنها .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله بعد ذكر الاعتدال وهو إلى من شيء بعد إلخ ) ذكر مثله في شرح الإرشاد أيضا فقال بعد الذكر الراتب على الأوجه وهو إلى من شيء بعد ا هـ . وقال الدميري ما نصه وقال في الإقليد الذكر الوارد في الاعتدال لا يقال مع القنوت ثم قال الدميري والصواب الجمع بينهما نص عليه البغوي ونقله عن النص وفي العدة نحوه ا هـ . وعبارة الأستاذ البكري في كنزه ويسن بعد ذكر الاعتدال ولو أتى به بكماله القنوت ا هـ . وظاهر عبارة الشارح أن استحباب الإتيان بذكر الاعتدال إلى من شيء بعد لا فرق فيه بين المنفرد والإمام ولو إمام غير محصورين أو غير راضين ويصرح به صنيعه في شرح العباب فإنه عقب قول العباب فرع يسن القنوت بعد التحميد بتمامه بقوله ما نصه يحتمل أن يريد سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد لا غير وإن رضي محصورون وهو ما قاله جمع واعتمده ابن الرفعة والأذرعي وغيرهما وسبقهم إلى ذلك الفزاري وزاد أن عمل الأئمة بخلافه لجهلهم بفقه الصلاة إلى أن قال وقال آخرون السنة أن يكون بعد الذكر الراتب وهو إلى من شيء بعد وصوبه الإسنوي إلخ ا هـ . ( قوله فتساقطا ) قد يقال إنما يتساقطان إذا لم يمكن الجمع بما ذكره وهو ممكن ومعه [ ص: 65 ] لا يتأتى القدح في الأولى بغير المفضولية ( قوله ولا يعز ) سئل السيوطي هل هو بكسر العين أو فتحها أو ضمها فأجاب بقوله هو بكسر العين مع فتح الياء بلا خلاف بين العلماء من أهل الحديث واللغة والتصريف قال وألفت في ذلك مؤلفا قال وقلت في آخره نظما إلى أن قال

                                                                                                                              عز المضاعف يأتي في مضارعه تثليث عين بفرق جاء مشهورا فما كغل وصد الدل مع عظم
                                                                                                                              كذا كرمت علينا جاء مكسورا وما كعز علينا الحال أي صعبت
                                                                                                                              فافتح مضارعه إن كنت نحريرا وهذه الخمسة الأفعال لازمة
                                                                                                                              واضمم مضارع فعل ليس مقصورا عززت زيدا بمعنى قد غلبت كذا
                                                                                                                              أعنته فكلا ذا جاء مأثورا وقل إذا كنت في ذكر القنوت ولا
                                                                                                                              يعز يا رب من عاديت مكسورا

                                                                                                                              إلخ ا هـ . ( قوله ولا تتعين كلماته ) قال في العباب وتحصل سنة القنوت بكل دعاء قال في شرحه ولو بغير مأثور لكان أولى .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله بعد ذكر ) إلى قوله ولمن قال في النهاية والمغني ثم قالا ويمكن حمل الأول على المنفرد وإمام المحصورين والثاني على خلافه ا هـ . قال الرشيدي ومختار الشارح م ر وهو الأول وهو طلب الراتب من كل أحد كما هو نص عبارته م ر ولا يقدح في اختياره قوله م ر عقبه ويمكن إلخ كما هو ظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بعد ذكر الاعتدال ) أي الراتب كما ذكره البغوي ونقله من النص وفي العدة نحوه خلافا لما في الإقليد نهاية ومغني والإسنوي ( قوله وهو إلى من شيء بعد ) ذكر مثله في شرح الإرشاد أيضا فقال بعد الذكر الراتب على الأوجه وهو إلى من شيء بعد ا هـ . وظاهر عبارة الشارح أن استحباب الإتيان بذكر الاعتدال إلى من شيء بعد لا فرق فيه بين المنفرد والإمام ولو إمام غير محصورين أو غير راضين ويصرح به صنيعه في شرح العباب أي وصنيع المغني سم .

                                                                                                                              واعتمده الحلبي وتقدم عن الرشيدي أنه مختار النهاية ( قوله فقسنا عليه هذا ) أي على قنوت النازلة قنوت الفجر عبارة النهاية ولا يجزئ القنوت قبل الركوع وإن صح أنه صلى الله عليه وسلم قنت قبله أيضا لأن رواة القنوت بعده أكثر وأحفظ فهو أولى وعليه درج الخلفاء الراشدون في أشهر الروايات عنهم وأكثرها وشمل كلامه الأداء والقضاء ا هـ . ( قوله لم يجزئه ) أي فيقنت بعده ويسجد للسهو إن نوى بالأول القنوت ، وكذا لو قنت في الأولى بنيته أو ابتدأه فيها فقال اللهم اهدني ثم تذكر عباب ا هـ سم على المنهج وسيأتي ما يفيده عند قول المصنف في سجود السهو ولو نوى ركنا قوليا ع ش عبارة شيخنا ولو فعله في غير اعتدال الركعة الثانية بنيته سجد للسهو ومن ذلك ما لو فعله مع إمامه المالكي قبل الركوع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ويسجد للسهو ) يظهر أن هذا السجود لعدم الإتيان به في محله لا للإتيان به في غير محله حتى لو أعاده في محله فلا سجود بصري وتقدم عن العباب خلافه .

                                                                                                                              ( قوله بحمل ما قبل على أصل السنة إلخ ) لا يتعين الحمل المذكور بل يحتمل الجمع باختلاف الأحوال مع عدم التفرقة وبه يعلم أن كون ما أفاده قادحا في حديث أنس محل تأمل لجواز روايته لكل راو إحدى الحالتين كانتا تقع منه صلى الله عليه وسلم إشعارا بأن كلا منهما كاف في تحصيل سنة القنوت بصري بحذف ( قوله فتساقطا ) قد يقال إنما يتساقطان إذا لم يكن الجمع بما ذكره وهو ممكن ومعه لا يتأتى القدح في الأولى بغير المفضولية سم ( قوله وأنس تعارض إلخ ) كذا في أصله بخطه فهو من عطف الجمل بصري .

                                                                                                                              ( قوله أو التقدير واجعلني [ ص: 65 ] إلخ ) لا حاجة إلى تقديره بل تكفي ملاحظة تضمين معنى الاندراج بصري ( قوله فهو أبلغ إلخ ) أي فهذا الدعاء مع ذكر الجار والمجرور أبلغ منه لو حذف عنه ذلك وقال الكردي أن تقدير الاندراج في الكلام أبلغ من حذفه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقال البيهقي صح إلخ ) عبارة شرح المنهج والمغني للاتباع رواه الحاكم إلا ربنا في قنوت الصبح وصححه ورواه البيهقي فيه وفي قنوت الوتر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وسيأتي إلخ ) أي في قنوت الوتر شرح بافضل ويأتي في الشرح ما يفيده ( قوله في رواية زيادة فاء في إنك إلخ ) أي وفي أخرى حذفها فلا يسجد لتركها شيخنا وهو الظاهر وقال ع ش في منهواته ويسجد للسهو إذا ترك فاء فإنك وواو وإنه لأنه ثبتت في بعض الروايات والزيادة من الثقة مقبولة ا هـ ووافقه البجيرمي فقال ولا يتعين ذلك للقنوت بل كل ما تضمن ثناء ودعاء حصل به القنوت كآخر سورة البقرة إن قصده بها لكن إن شرع في قنوت النبي الذي في الشرح أي المقرون بالفاء والواو أو في قنوت عمر تعين لأداء السنة فلو تركه كغيره أو ترك كلمة أو أبدل حرفا بحرف سجد للسهو كأن يأتي بمع بدل في في قوله اهدنا مع من هديت أو ترك الفاء في فإنك والواو من وإنه ا هـ . ويمكن الجمع بحمل هذا على ما إذا قصد رواية الثبوت والأول على عدمه ( قوله وزاد العلماء ) إلى قوله ويتعين في النهاية والمغني ( قوله ولا يعز ) بكسر العين مع فتح الياء سم و ع ش .

                                                                                                                              ( قوله مردود ) أي نقلا ومعنى ( قوله فيجزئ إلخ ) عبارته في شرح بافضل ويحصل أصل السنة بآية فيها دعاء إن قصده وبدعاء محض ولو غير مأثور إن كان بأخروي وحده أو مع دنيوي ا هـ . وفي سم بعد ذكر مثله عن إيعاب الشارح ما نصه وقد وافق الأذرعي شيخنا الشهاب الرملي حيث أفتى بأنه لا بد في بدل القنوت أن يكون دعاء وثناء وقضية إطلاقه اعتبار ذلك أيضا في الآية ا هـ ووافقه أيضا ولده في النهاية كما يأتي واعتمده البجيرمي كما مر ، وكذا شيخنا عبارته قوله بآية تتضمن دعاء أي وثناء والآية ليست بقيد بل كل ما تضمن دعاء وثناء . واللهم اغفر لي يا غفور وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يكفي في القنوت فلو قال الشارح أي الغزي فلو قنت بما يتضمن دعاء وثناء وقصد القنوت حصلت سنة القنوت لكان أعم وأنسب ا هـ ( قوله أو شبهه ) عبارة النهاية أو نحوه ا هـ . قال الرشيدي قوله أو نحوه مثله في الروضة وغيرها وانظر ما المراد بنحو الدعاء فإن كان الثناء فكان المناسب العطف بالواو دون أو لما سيأتي أنه لا بد من الجمع بين الدعاء والثناء على أنه قد يمنع كون الثناء نحو الدعاء فليراجع ا هـ .

                                                                                                                              وقد يقال المراد بذلك نحو اللهم أنا عبد مذنب وأنت رب غفور مما يستلزم الدعاء وليس صريحا فيه ( قوله فاحتيج لقصد ذلك ) فإن لم يقصده بذلك لم يجزئه مغني زاد النهاية ويشترط في بدله أن يكون دعاء وثناء كما قاله البرهان البيجوري وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى ا هـ . قال الكردي بعد ذكره م ر فهو مخالف في ذلك للشارح وعبارته في الإيعاب يكفي الدعاء فقط لكن بأمور الآخرة أو وأمور الدنيا انتهت ا هـ




                                                                                                                              الخدمات العلمية