الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ومن ) اضطر وهو معصوم بأن لم يجد حلالا أو لم يتمكن منه إلا بعد نحو زنا به كما يأتي و ( خاف على نفسه موتا أو مرضا مخوفا ) أو غير مخوف أو نحوهما من كل مبيح للتيمم ( ووجد محرما ) غير مسكر كميتة ولو مغلظة ودم ( لزمه ) أي غير العاصي بسفره ونحوه والمشرف على الموت بأن وصل لحالة تقضي العادة أن صاحبها لا يعيش وإن أكل ( أكله ) أو شربه لقوله تعالى { فمن اضطر } الآية مع قوله { ولا تقتلوا أنفسكم } وكذا خوف العجز عن نحو المشي أو التخلف عن الرفقة إن حصل به ضرر لا نحو وحشة كما هو ظاهر وكذا إذا أجهده الجوع وعيل صبره ويكفي غلبة ظن حصول ذلك بل لو جوز التلف والسلامة على السواء حل له تناول المحرم كما حكاه الإمام عن صريح كلامهم

                                                                                                                              ولو امتنع مالك طعام من بذله لمضطرة إلا بعد وطئها زنا لم يجز لها تمكينه بناء على الأصح أن الإكراه بالقتل لا يبيح الزنا واللواط ولكونه مظنة في الجملة لاختلاط الأنساب شدد فيه أكثر بخلاف نظائره وظاهر أن الاضطرار لغير القوت والماء كسترة خشي بتركها ما مر يأتي فيه جميع أحكام المضطر السابقة والآتية

                                                                                                                              ( وقيل يجوز ) كما يجوز الاستسلام للمسلم وفرق الأول بأن هذا فيه إيثار طلبها للشهادة بخلاف ذاك ولو وجد ميتة يحل مذبوحها وأخرى لا يحل أي كآدمي غير محترم فيما يظهر تخير أو مغلظة وغيرها قاله في المجموع واعتراض الإسنوي له مردود أما المسكر [ ص: 391 ] فلا يجوز تناوله لجوع ولا عطش كما مر أما العاصي بسفره ونحوه فلا يجوز له تناول المحرم حتى يتوب قالالبلقيني وكذا مرتد وحربي حتى يسلما وتارك صلاة وقاطع طريق حتى يتوبا ا هـ . ويظهر فيمن لا تسقط توبته قتله كزان محصن أنه يأكل لأنه لا يؤمر بقتل نفسه وأما المشرف على الموت فلا يجوز له تناوله أيضا لأنه لا ينفعه ولو وجد لقمة حلالا لزمه تقديمها على الحرام

                                                                                                                              ( فإن توقع ) أي ظن كما هو ظاهر ( حلالا ) يجده ( قريبا ) أي على قرب بأن لم يخش محذورا قبل وصوله ( لم يجز غير سد ) بالمهملة وهو المشهور أو المعجمة ( الرمق ) وهو بقية الروح على المشهور والقوة على مقابله ( وإلا ) يتوقعه ( ففي قول يشبع ) لإطلاق الآية أي يكسر ثورة الجوع بحيث لا يسمى جائعا لا أن لا يجد للطعام مساغا أما ما زاد على ذلك فحرام قطعا ولو شبع ثم قدر على الحل لزمه ككل من تناوله محرما ولو مكرها التقيؤ إن أطاقه بأن لم يحصل له منه مشقة لا تحتمل عادة

                                                                                                                              ( والأظهر سد الرمق فقط ) لأنه بعده غير مضطر نعم إن توقف قطعه لبادية مهلكة على الشبع وجب وبحث البلقيني أنه متى خشى الهلاك لو ترك الشبع لزمه وهو معلوم من قوله ( إلا أن [ ص: 392 ] يخاف تلفا ) أي محذور تيمم ( إن اقتصر ) على سد الرمق فيلزمه أن يشبع أي يكسر ثورة الجوع قطعا لبقاء الروح ويجب التزود إن لم يرج وصول حلال وإلا جاز بل قال القفال لا يمنع من حمل ميتة لم تلوثه ولو لغير ضرورة

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله من كل مبيح للتيمم ) شامل لنحو بطء البرء وفي لزوم الأكل لخوفه نظر ظاهر بل قد ينظر في اللزوم لخوف نحو الشين الفاحش في عضو ظاهر أيضا .

                                                                                                                              ( قوله : غير العاصي بسفره ) قال في شرح الروض وكالعاصي بسفره مراق الدم كالمرتد ، والحربي فلا يأكلان من ذلك حتى يسلما قاله البلقيني قال وكذا مراق الدم من المسلمين ومتمكن من إسقاط القتل بالتوبة كتارك الصلاة ومن قتل في قطع الطريق ا هـ . ( قوله : بخلاف ذاك ) صريح في عدم الشهادة هنا [ ص: 391 ] قوله : وأما العاصي بسفره ونحوه ) قال في شرح الروض قال الأذرعي ويشبه أن يكون العاصي بإقامته كالمسافر إذا كان الأكل عونا له على الإقامة وقولهم تباح الميتة للمقيم العاصي بإقامته محمول على غير هذه الصورة ا هـ . ويحتمل أن الشارح أراد ذلك بقوله ونحوه ( قوله قال البلقيني وكذا مرتد وحربي إلى آخر الكلام ) عطف ذلك على قوله العاصي بسفره ونحوه يقتضي أن المراد بقوله ونحوه ما عدا جميع هذه المذكورات فلينظر ما هو ( قوله : وحربي ) قضيته إخراج الذمي فهل قياسه أن يكون عقد الذمة للحربي كإسلامه فيقال في حقه حتى يسلم أو يعقد له ذمة ( قوله أيضا قال البلقيني وكذا مرتد إلخ ) عبارة شرح الروض عن البلقيني قال وكذا مراق الدم من المسلمين وهو متمكن من إسقاط القتل بالتوبة كتارك الصلاة ومن قتل في قطع الطريق ا هـ . وقوله : وهو متمكن من إسقاط القتل بالتوبة قد يخرج الزاني المحصن ( قوله : لأنه لا يؤمر بقتل نفسه ) قضية هذه العلة أن المراد بقوله أنه يأكل أنه يجوز أن يأكل .

                                                                                                                              ( قوله : لزمه تقديمها على الحرام ) يحتمل أن يراد بتقديمها ما يشمل مقارنتها كأن يضع قطعة من الحرام على اللقمة ويتناولهما معا .

                                                                                                                              ( قوله : بأن لم يخش محذورا قبل وصوله ) لعل المراد لم يخش محذورا قبل وصوله بعد سد الرمق أما لو لم يخش محذورا كذلك بدون سد الرمق فينبغي امتناع ما يسد الرمق أيضا لعدم الحاجة إليه بل لا يتصور سد رمق حينئذ ( قوله : الرمق وهو بقية الروح إلخ ) قال في شرح الروض كما قاله جماعة وقال بعضهم إنه [ ص: 392 ] القوة وبذلك ظهر لك أن الشد المذكور بالشين المعجمة لا بالمهملة وقال الأذرعي وغيره الذي يحفظه أنه بالمهملة وهو كذلك في الكتب ، والمعنى عليه صحيح ؛ لأن المراد سد الخلل الحاصل في ذلك بسبب الجوع ا هـ . ( قوله : أي محذور تيمم ) هذا يفيد وجوب الشبع على من خاف نحو شين فاحش في عضو ظاهر وطول مدة المرض وكلام شرح الروض يفيد ذلك أيضا فيطالع وفيه نظر راجعه



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : ومن اضطر ) أي كان مضطرا ( قوله : وهو معصوم ) إلى قوله وظاهر في النهاية إلا قوله أو لم يتمكن إلى المتن وقوله أو شربه ( قوله : نحو زنا به إلخ ) أي كاللواطة به أخذا مما يأتي ( قوله : أو نحوهما ) أي المرض المخوف وغير المخوف .

                                                                                                                              ( قوله : من كل مبيح للتيمم ) كزيادة المرض وطول مدته قال الزركشي وينبغي أن يكون خوف حصول الشين الفاحش في عضو ظاهر كخوف طول المرض كما في التيمم مغني وروض مع شرحه .

                                                                                                                              ( قوله كميته ) إلى المتن في المغني إلا قوله أو شربه وقوله إن حصل إلى ويكفي وقوله بناء إلى وظاهر ( قوله : ولو مغلظة ) وميتة الكلب والخنزير في مرتبة أخذا من إطلاقه ا هـ ع ش ( قوله : أي غير العاصي إلخ ) حال من ضمير لزمه الراجع للموصول خلافا لما يوهمه صنيعه من ، أنه تفسير له فكان الأولى إسقاط أي ( قوله ونحوه ) أي نحو السفر كإقامته كما يأتي عن الأسنى والمغني عن الأذرعي ( قوله : وكذا خوف العجز إلخ ) هذا داخل في قوله أو نحوهما إلخ فالتصريح به لدفع توهم أو رد مخالف ( قوله عن نحو المشي ) كالركوب ا هـ مغني ( قوله : أو التخلف ) عطف على العجز ( قوله : وعيل ) أي فقد ا هـ ع ش ( قوله : ويكفي غلبة ظن إلخ ) قضية إطلاقه ، أنه لا يشترط في حصول الظن الاعتماد على قول طبيب بل يكفي مجرد ظنه بأمارة يدركها وقياس ما في التيمم اشتراط الظن مستندا لخبر عدل رواه أو معرفته بالطب ا هـ ع ش ( قوله : حصول ذلك ) أي الموت وما عطف عليه ( قوله : على السواء ) أفهم ، أنه إذا جوز التلف مع كون الغالب السلامة لم يجز تناوله ا هـ ع ش ( قوله : لم يجز لها تمكينه ) وخالف إباحة الميتة في ، أن المضطر فيها إلى نفس المحرم وتندفع به الضرورة وهنا الاضطرار ليس إلى المحرم وإنما جعل المحرم وسيلة إليه وقد لا يندفع به الضرورة إذ قد يصر على المنع بعد وطئها ا هـ مغني ( قوله : ولكونه إلخ ) أي الزنا ا هـ ع ش والأولى أي إلى ما ذكر من الزنا واللواط ( قوله : شدد فيه أكثر ) أي من اللواط قاله ع ش وهو مخالف لقول الشارح كالنهاية بناء على الأصح إلخ ولقوله السابق إلا بعد نحو زنا به إلخ فليراجع ( قوله كما يجوز ) إلى قوله ويظهر في المغني إلا قوله أي إلى أو مغلظة وقوله أما المكسر إلى وأما العاصي وقوله ونحوه والى المتن في النهاية إلا قوله ويظهر إلى وأما المشرف ( قوله : للمسلم ) أي الصائل ا هـ مغني ( قوله : بخلاف ذاك ) صريح في عدم الشهادة هنا ا هـ سم ( قوله : أي كآدمي إلخ ) عبارة المغني كشاة وحمار ا هـ [ ص: 391 ] قوله : فلا يجوز تناوله لجوع ولا عطش ) ومحل ذلك إذا لم ينته به الأمر إلى الهلاك وإلا فيتعين شربه كما يتعين على المضطر أكل الميتة ومحل منع التداوي به إذا كان خالصا بخلاف المعجون به كالترياق لاستهلاكه فيه وخرج بما قال شربه لا ساغه لقمة فيحل ا هـ أسنى ( قوله : كما مر ) أي في الأشربة ( قوله : وأما العاصي بسفره ونحوه ) عبارة المغني ويستثنى من ذلك العاصي بسفره فلا يباح له الأكل حتى يتوب قال الأذرعي ويشبه أن يكون العاصي بإقامته كالمسافر إذا كان الأكل عونا له على الإقامة وقولهم يباح الميتة للمقيم العاصي بإقامته محمول على غير هذه الصورة ا هـ .

                                                                                                                              وفي سم بعد ذكر مقالة الأذرعي عن الأسنى ما نصه ويحتمل ، أن الشارح أراد ذلك بقوله ونحوه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقاطع طريق ) أي قاتل في قطع الطريق مغني ونهاية ( قوله : ؛ لأنه لا يؤمر إلخ ) قضية هذه العلة ، أن المراد بقوله ، إنه يأكل ، أنه يجوز أن يأكل ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله : لزمه تقديمها على الحرام ) أي وإن لم تسد رمقه ثم يتعاطى من الحرام ما تندفع به الضرورة ا هـ ع ش وقال سم يحتمل أن يراد بتقديمها ما يشمل مقارنتهما كأن يضع قطعة من الحرام على اللقمة ويتناولهما ا هـ ويدفع ذلك الاحتمال قول المغني ويبدأ وجوبا بلقمة حلال ظفر بها فلا يجوز له أن يأكل مما ذكر حتى يأكلها لتحقق الضرورة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : على قرب ) إلى قول المتن ولو وجد في النهاية إلا قوله وبحث إلى المتن وقوله وقياسه إلى وإذا وقوله أي إن كان إلى وقيد وقوله ورقيقهم ( قول المتن لم يجز ) أي قطعا غير سد الرمق أي لاندفاع الضرورة به وقد يجد بعده الحلال مغني وأسنى ( قوله : وهو بقية الروح ) ولعل التعبير ببقية الروح ، أنه نزل ما أصابه من الجوع منزلة ذهاب بعض روحه التي بها حياته فعبر عن حاله الذي وصل إليه ببقية الروح مجازا وإلا فالروح لا تتجزأ ا هـ ع ش ( قوله : على المشهور إلخ ) عبارة الأسنى والمغني قال الإسنوي ومن تبعه والرمق بقية الروح كما قال جماعة وقال بعضهم ، إنه القوة وبذلك ظهر لك ، أن السد المذكور بالشين المعجمة لا بالمهملة وقال الأذرعي وغيره الذي نحفظه ، أنه بالمهملة وهو كذلك في الكتب أي والمغني عليه صحيح ؛ لأن المراد سد الخلل الحاصل في ذلك بسبب الجوع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله يتوقعه ) أي الحلال قريبا ا هـ مغني ( قوله : لإطلاق الآية ) إلى قوله ويجب في المغني إلا قوله نعم إلى المتن ( قوله : على ذلك ) أي ما يكسر سورة الجوع بحيث لا يسمى جائعا .

                                                                                                                              ( قوله : ولو شبع إلخ ) عبارة النهاية ولو شبع في حال امتناعه ثم قدر إلخ قال ع ش قوله : في حال امتناعه إلخ قضيته ، أنه حيث لم يمتنع عليه تناوله أو امتنع لكن لم يقدر بعد التناول على الحل لا يجب عليه التقيؤ في كل منهما وينافي ذلك ما تقدم له في أول الأشربة من قوله ويلزمه ككل آكل أو شارب حرام تقيؤه إن أطاقه كما في المجموع وغيره ولا نظر إلى عذره وإن لزمه التناول ؛ لأن استدامته في الباطن انتفاع به وهو محرم وإن حل ابتداؤه لزوال سببه [ ص: 392 ] فاندفع استبعاد الأذرعي لذلك ويمكن أن يجاب بحمل ما مر من الوجوب على ما لو استقر في جوفه زمنا تصل معه خاصته إلى البدن بحيث لا يبقى في بقائه في جوفه نفع ، وما هنا على خلافه ا هـ أقول عبارة المغني سالمة عن الإشكال الأول وهي وإذا وجد الحلال بعد تناول الميتة ونحوها لزمه القيء إذا لم يضره كما ، هو قضية نص الإمام فإنه قال وإن أكره رجل حتى شرب خمرا أو أكل محرما فعليه أن يتقيأه إذا قدر عليه ا هـ وهي كما ترى شاملة للشبع وما دونه ولحال الامتناع وغيرها .

                                                                                                                              ( قوله : أي محذور ) الموافق لكلامه السابق في شرح أو مرضا مخوفا ولكلام النهاية والمغني في الموضعين أو بدل أي ( قوله : أي محذور تيمم ) هذا يفيد وجوب الشبع على من خاف نحو شين فاحش في عضو ظاهر وطول مدة المرض وكلام شرح الروض يفيد ذلك أيضا فليطالع وفيه نظر راجعه ا هـ سم أقول ويفيده أيضا كلام المنهج والنهاية والمغني




                                                                                                                              الخدمات العلمية