الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              أو حلف ليعطينه دينه يوم كذا ثم أحاله به أو عوضه عنه حنث ؛ لأن الحوالة ليست استيفاء ولا إعطاء حقيقة وإن أشبهته ، نعم إن نوى أنه لا يفارقه وذمته مشغولة بحقه لم يحنث كما لو نوى بالإعطاء أو الإيفاء براءة ذمته من حقه ، ويقبل في ذلك ظاهرا وباطنا على المعتمد ، ولو تعوض أو ضمنه له ضامن ثم فارق لظنه أن التعويض أو الضمان كاف حنث لما مر في الطلاق أن جهله بالحكم لا يعذر به ( أو أفلس ففارقه ليوسر حنث ) لوجود المفارقة منه وإن لزمته كما لو قال لا أصلي الفرض فصلاه فإنه يحنث نعم لو ألزمه الحاكم بمفارقته [ ص: 57 ] لم يحنث كالمكره

                                                                                                                              وإنما أثر العذر في نحو لا أسكن فمكث لنحو مرض ؛ لأن الحنث فيها باستدامة الفعل لا بإنشائه وهي أضعف فتأثرت به بخلاف ما هنا ، والحاصل أن من خص يمينه بفعل المعصية أو أتى بما يعمها قاصدا دخولها أو قامت قرينة عليه حنث بها وإلا فلا كما مر في مبحث الإكراه في الطلاق وأن من ذلك ما لو حلف لا يفارقه ظانا يساره فبان إعساره فلا يحنث بمفارقته ، لكن ظاهر المتن ينافي هذه إلا أن يجاب بأن قرينة المشاحة والخصومة الحاملة على إطلاق اليمين ظاهرة في إرادته حالة اليسر والعسر ومن ظن يساره حالة الحلف لا قرينة على شمول كلامه للمعصية وإن سبقت خصومة ؛ لأن الظن أقوى فلم يحنث بالمفارقة الواجبة ، وأما قول الزركشي فمن ابتلع خيطا ليلا ثم أصبح صائما ولم يجد من ينزعه منه كرها أو غفلة ولا حاكم يجبره على نزعه حتى لا يفطر لو قيل لا يفطر بنزعه هو له لم يبعد تنزيلا ؛ لإيجاب الشرع منزلة الإكراه كما لو حلف ليطأن زوجته فوجدها حائضا فمردود لتعاطيه المفطر باختياره فالقياس أنه ينزعه ويفطر كمريض خشي على نفسه الهلاك إن لم يفطر فيلزمه تعاطي المفطر ويفطر به وليس هذان كما نحن فيه ؛ لأن مدار الأيمان على الألفاظ ، والوضع الشرعي أو العرفي له فيها مدخل بالتخصيص تارة والتعميم أخرى فلذا فرقوا فيها بين المعصية وغيرها على التفصيل الذي ذكرناه ، والحاصل أن الإكراه الشرعي كالحسي هنا لا ثم فتأمله .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              . ( قوله : ويقبل في ذلك ظاهرا وباطنا ) ظاهره ولو في الحلف بالطلاق وقوله : حنث فيه نظر ، ثم رأيت بعض من [ ص: 57 ] شرح بعده اقتصر على بحث عدم الحنث ؛ لأنه جاهل وينبغي أن يجري ذلك فيما سيأتي في الصفحة في قوله : وكان بعضهم إلخ ( قوله : والحاصل أن من خص يمينه بفعل المعصية ) كملازمته هنا مع الإعسار . ( قوله : أو قامت قرينة إلخ ) كالخصام هنا ، وقضية الاستدلال بالقرينة عدم الحنث باطنا إذا لم يرد ما ذكر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أو حلف ليعطينه ) أو ليوفينه كما يفيده قوله الآتي أو الإيذاء ( قوله : نعم إن نوى إلخ ) راجع لمسألة الإبراء وما بعدها إلى أو حلف ليعطينه إلخ وقوله كما لو نوى إلخ راجع إلى هذه أي : مسألة الإعطاء ( قوله : ويقبل في ذلك ظاهرا إلخ ) ظاهره ولو في الحلف بالطلاق . ا هـ . سم ( قوله ولو تعوض إلخ ) أي : أو أبرأه أو أحاله كما هو ظاهر . ا هـ . رشيدي ( قوله : أن التعويض ) الأولى التعوض ( قوله حنث كما مر ) خلافا للنهاية عبارته اتجه عدم حنثه ؛ لأنه جاهل . ا هـ . أي : بكون ذلك غير مانع من الحنث وينشأ منه أن المفارقة الآن غير محلوف على عدمها فهو جاهل بالمحلوف عليه لا بالحكم ويؤخذ من عدم الحنث بما ذكر للجهل عدم فيما لو حلف بالطلاق لا يفعل كذا فقال له غيره إلا إن شاء الله وظن صحة المشيئة لجهله أيضا بالمحلوف عليه . ا هـ . ع ش عبارة سم قوله : حنث فيه نظر ثم رأيت بعض من شرح بعده اقتصر على بحث عدم الحنث ؛ لأنه جاهل وينبغي أن يجري ذلك في قوله وكان بعضهم إلخ الآتي في شرح : وفي غيره القولان . ا هـ . ( قول المتن أو أفلس ) أي : ظهر أن غريمه مفلس وقوله ليوسر وفي المحرر إلى أن يوسر . ا هـ . مغني ( قوله لوجود المفارقة ) إلى قوله وإنما أثر في النهاية والمغني ( قوله : لوجود المفارقة إلخ ) ظاهره وإن كان حال الحلف يظن أن له مالا يوفي منه دينه وتبين خلافه وأنه لا فرق بين طرو الفلس بعد حلفه وتبين أنه كذلك قبله وفي حج ما يفيد ذلك وأطال فليراجع . ا هـ .

                                                                                                                              ع ش وقوله وفي حج إلخ فيه نظر ظاهر كما يظهر بتأمل كلام الشارح بل قوله الآتي وإن من ذلك ما لو حلف إلخ صريح في خلاف قوله ظاهره وإن كان إلخ ( قوله : كما لو قال لا أصلي الفرض إلخ ) لا يخفى - - [ ص: 57 ] الفرق بأنه في هذه آثم بالحلف إلا أن تكون مسألتنا كذلك بأن تصور بأنه عالم بإعساره عند الحلف فليراجع . ا هـ . رشيدي ويأتي في قول الشارح إلا أن يجاب إلخ تصوير آخر ( قوله : لم يحنث إلخ ) ( تنبيه ) .

                                                                                                                              لو استوفى من وكيل غريمه أو من متبرع به وفارقه حنث إن كان قال منك وإلا فلا حنث فإن قال لا تفارقني حتى أستوفي منك حقي أو حتى توفيني حقي ففارقه الغريم عالما مختارا حنث الحالف وإن لم يختر فراقه ؛ لأن اليمين على فعل الغريم وهو مختار في المفارقة فإن نسي الغريم الحلف أو أكره على المفارقة ففارق فلا حنث إن كان ممن يبالى بتعليقه كنظيره في الطلاق نبه على ذلك الإسنوي ولو فر الحالف منه لم يحنث وإن أمكنه متابعته ؛ لأن اليمين على فعله فإن قال لا نفترق حتى أستوفي منك حقي حنث بمفارقة أحدهما الآخر عالما مختارا وكذا إن قال لا افترقنا حتى أستوفي حقي منك لصدق الافتراق بذلك فإن فارقه ناسيا أو مكرها لم يحنث مغني وروض مع شرحه ( قوله : فيها ) أي : مسألة لا أسكن فمكث إلخ ( قوله به ) أي : بالعذر ( قوله بفعل المعصية ) كملازمته هنا مع الإعسار . ا هـ . سم ( قوله : أو قامت قرينة إلخ ) كالخصام هنا وقضية الاستدلال بالقرينة عدم الحنث باطنا إذا لم يرد ما ذكر ا هـسم ( قوله : حنث بها ) أي : بهذه اليمين أي : بترك المعصية فيها ( قوله وإلا ) أي : بأن انتفى كل من القصد والقرينة ( قوله : وأن من ذلك ) أي من وإلا فلا وقوله ما لو حلف أي : وأطلق ( قوله هذه ) أي : مسألة ما لو حلف لا يفارقه ظانا إلخ أي : عدم الحنث فيها ( قوله في إرادته ) أي : عدم المفارقة ( قوله : ومن ظن إلخ ) عطف على قوله قرينة المشاحة إلخ ( قوله : وأما قول الزركشي إلخ ) جواب سؤال منشؤه قول المصنف أو أفلس إلخ أو تعليل الشارح له بقوله لوجود المفارقة إلخ ( قوله لو قيل إلخ ) مقول الزركشي ( قوله : فمردود ) جواب أما ( قوله : لتعاطيه المفطر ) وهو النزع ( قوله : وليس هذان ) أي : مسألتا الخيط والمريض وقوله كما نحن فيه أي : مسألة الإفلاس إذا ظن يسار الغريم وإلا فلا فرق بينها وبين هذين ( قوله : هنا ) أي : في اليمين على غير المعصية لا ثم أي : في الصيام .




                                                                                                                              الخدمات العلمية