الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويندب ) له القبول و ( الطلب ) للقضاء حيث أمن على نفسه منه كما هو ظاهر ( إن كان خاملا ) أي : غير مشهور بين الناس بعلم ( يرجو به نشر العلم ) ونفع الناس به ( أو ) كان غير الخامل ( محتاجا إلى الرزق ) من بيت المال على الولاية ، وكذا إن ضاعت حقوق الناس [ ص: 104 ] بتولية جاهل ، أو ظالم فقصد بطلبه ، أو قبوله تداركها ( وإلا ) يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة ( فالأولى تركه ) أي : الطلب كالقبول لما فيه من الخطر من غير حاجة وهذا هو سبب امتناع أكثر السلف الصالح منه ( قلت : ويكره ) له الطلب ، والقبول ( على الصحيح والله أعلم ) ؛ لورود نهي مخصوص فيه وعليه حملت الأخبار المحذرة منه كالخبر الحسن { من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين } كناية عن عظيم خطره المؤدي إلى فظيع هلاكه ويصح كونه كناية عن علي رفعته بقيامه في الحق المؤدي إلى إيذاء الناس له بما هو أشد من ذلك الذبح . ويحرم الطلب على جاهل وعالم قصد انتقاما ، أو ارتشاء ، ويكره إن طلبه للمباهاة ، والاستعلاء كذا قيل ، والأوجه أنه حرام بقصد هذين أيضا هذا كله حيث لا قاضي متول ، أو كان المتولي جائرا ، أما صالح متول فيحرم السعي في عزله على كل أحد ولو أفضل ويفسق به الطالب ولا يؤثر بذل مال مع الطلب ممن تعين عليه ، أو ندب له لكن الآخذ ظالم ، فإن لم يتعين ولا ندب حرم عليه بذله ابتداء لا دواما ؛ لئلا يعزل ، ويسن بذله لعزل غير صالح وينفذ العزل ، وإن أثم به العازل ، والتولية ، وإن حرم الطلب ، والقبول مطلقا خشية الفتنة .

                                                                                                                              ( والاعتبار في التعين ) السابق ( وعدمه بالناحية ) ويظهر ضبطها بوطنه ودون مسافة العدوى منه بناء على أنه [ ص: 105 ] يجب في كل مسافة عدوى نصب قاض فيجري في المتعين وغيره ما مر من أحكام التعيين وعدمه في الطلب ، والقبول في وطنه ودون مسافة العدوى منه دون الزائد على ذلك ؛ لأنه تعذيب لما فيه من ترك الوطن بالكلية ؛ لأن عمل القضاء لا غاية له ، بخلاف سائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر كالجهاد وتعلم العلم ، نعم لو عين الإمام قاضيا وأرسله إليها لزمه الامتثال ، والقبول ، وإن بعدت ؛ لأن الإمام إذا عين أحدا لمصالح المسلمين تعين . وعلى هذا التفصيل يحمل قول الرافعي : إنما لم يكلف السفر لما فيه من التعذيب بهجر الوطن ؛ إذ القضاء لا غاية له واعتراض ابن الرفعة له بقول ابن الصباغ وغيره يلزم الإمام أن يبعث قاضيا لمن ليس عندهم قاض .

                                                                                                                              وقد جمع الأذرعي بنحو ما ذكرته فقال : يتعين حمل ما ذكره الرافعي عن الأئمة على وجود صالح للقضاء في البلد المبعوث إليه ، أو بقربه وكلام ابن الصباغ وغيره على عكس ذلك ؛ إذ لا ريب في وجوب البعث حينئذ على الإمام ووجوب امتثال أمره ، وإلا وهو ما اقتضاه كلام الرافعي لزم تعطيل الحقوق في البلاد التي لا صالح فيها ، ومن ثم أبطل البلقيني كلام الرافعي نقلا ودليلا ، ومنه { أنه صلى الله عليه وسلم أرسل عليا إلى اليمن قاضيا وأبا موسى ومعاذا } واستمر على ذلك عمل الخلفاء الراشدين ومن بعدهم .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أي : الطلب كالقبول ) إن كان كون القبول خلاف الأولى ، أو مكروها لا فرق فيه بين أن يكون هنا طلب منه ، أو لا خالف ما تقدم عن البلقيني ، وإن كان مقيدا بالطلب لم يخالفه فليحرر . ( قوله : ولا يؤثر بذل مال مع الطلب إلخ ) في الروضة جواز بذله ليولى أيضا ودعوى أنه سبق قلم مردودة ، أو ذلك بالنسبة لعزوه ما ذكر للروياني لا بالنسبة للحكم ش م ر .

                                                                                                                              ( قوله : ابتداء لا دواما ) كذا في شرح الروض قال ووقع في الروضة أنه يجوز بذله ليولى وهو سبق قلم انتهى . ( قوله : وينفذ العزل ، وإن أثم به العازل إلخ ) عبارة الروض فإن كان هناك قاض غير مستحق أي : للقضاء فكالمعدوم ، وإن كان مستحقا فطلب عزله حرام أي ، وإن كان مفضولا فإن فعله أي : عزله وولي أي : غيره نفذ للضرورة قال في شرحه : أي : عندها وأما عند تمهد الأصول الشرعية فلا ينفذ صرح به الأصل فيما إذا بذل مالا لذلك ، والظاهر أنه بدونه كذلك انتهى .

                                                                                                                              ( قوله : ويظهر ضبطها إلخ ) عبارة الروض ولا يجب أي : على من تعين عليه القضاء طلبه ولا قبوله في غير بلده قال في شرحه : وظاهر كلامه أنه لو كان ببلد صالحان وولي أحدهما لم يجب على الآخر ذلك في بلد آخر ليس به صالح ، والأوجه الوجوب عليه لئلا يتعطل البلد الآخر إن لم يشملها حكم الأول مع انتقاء حاجة بلده إليه هذا واقتصاره [ ص: 105 ] على البلد من تصرفه والذي في الأصل اعتبار البلد ، والناحية وفي الحقيقة المعتبر في ذلك الناحية فقط كما اقتصر عليها المنهاج انتهى . ( قوله : في كل مسافة عدوى نصب قاض ) عبارة شرح الروض قال في الأصل : ويجب عليه أي : الإمام نصب قاض في كل بلد وناحية قال الإمام وغيره : بحيث يكون بين كل بلدين مسافة العدوى انتهى المقصود نقله . ( قوله : لزمه الامتثال ) ظاهره ، وإن وجد صالح يتولى في البلد المبعوث إليه ، أو بقربه بخلاف جمع الأذرعي الآتي فإنه اعتبر فيه انتفاء وجود الصالح المذكور ففي قوله بنحو ما ذكرته شيء وفي شرح الروض وظاهر كلامه أنه لو كان ببلدة صالحان وولي أحدهما لم يجب على الآخر ذلك في بلد آخر ليس به صالح والأوجه الوجوب عليه إلخ . ا هـ . فلو كان ببلده صالحان وولي أحدهما لم يجب على الآخر ذلك في بلد آخر ليس به صالح خلافا لبعض المتأخرين ش م ر . ( قوله : ومنه أنه صلى الله عليه وسلم أرسل عليا إلخ ) قد يجاب بأن البعث الصادر منه صلى الله عليه وسلم وممن بعده كان برضا المبعوثين فلا يدل على وجوب امتثالهم كما هو المدعى ويوضح ذلك أنها وقائع فعلية محتملة .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن : إلى الرزق ) هو بالفتح مصدر وبالكسر اسم لما ينتفع به . ا هـ . ع ش . ( قوله : على الولاية ) وفي هذا إشعار على أنه يجوز أخذ الرزق على القضاء وسيأتي إيضاح ذلك . ا هـ . مغني . ( قوله : وكذا إن ضاعت إلخ ) صريح في أن القبول حينئذ مندوب ولو قيل بوجوبه لم يبعد . ا هـ . ع ش [ ص: 104 ] قوله : بتولية جاهل ) أي : أو عاجز . ا هـ . مغني . ( قوله : الأسباب الثلاثة ) هي قوله : إن كان خاملا إلخ وقوله ، أو محتاجا إلخ وقوله : وكذا لو ضاعت إلخ . ا هـ . ع ش . ( قوله : أي : الطلب كالقبول ) إن كان كون القبول خلاف الأولى ، أو مكروها لا فرق فيه بين أن يكون هنا طلب منه ، أو لا خالف ما تقدم عن البلقيني وإن كان مقيدا بالطلب لم يخالفه فليحرر . ا هـ . سم .

                                                                                                                              ( قوله : سبب امتناع إلخ ) ، وقد امتنع ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لما سأله عثمان رضي الله عنه القضاء رواه الترمذي وعرض على الحسين بن منصور النيسابوري قضاء نيسابور فاختفى ثلاثة أيام ودعا الله تعالى فمات في اليوم الثالث ، وورد كتاب السلطان بتولية مضر بن علي الجهضمي عشية قضاء البصرة فقال : أشاور نفسي الليلة وأخبركم غدا وأتوا عليه من الغد فوجدوه ميتا وقال مكحول : لو خيرت بين القضاء ، والقتل اخترت القتل وامتنع منه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه لما استدعاه المأمون لقضاء الشرق ، والغرب وامتنع منه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه . وحكى القاضي الطبري وغيره أن الوزير بن الفرات طلب أبا علي بن خيران لتولية القضاء فهرب منه فختم دوره نحوا من عشرين يوما . ا هـ . مغني . ( قوله : وعليه حملت إلخ ) أي : على انتفاء كل من الأسباب الثلاثة . ( قوله : على جاهل ) أي مطلقا . ا هـ . ع ش . ( قوله : قصد ) أي : العالم . ( قوله : انتقاما ) أي : من الأعداء . ا هـ . مغني . ( قوله : والأوجه أنه ) أي : الطلب . ( قوله : بقصد هذين ) أي : المباهاة ، والاستعلاء . ( قوله : هذا كله إلخ ) عبارة المغني ، والروض مع شرحه : وهذا التفصيل إذا لم يكن هناك قاض متول ، فإن كان نظر ، فإن كان غير مستحق للقضاء فكالمعدوم ، أو إن كان مستحقا له فطلب عزله حرام ولو كان دون الطالب ، وتبطل بذلك عدالة الطالب ، فإن عزل ، وولي الطالب نفذ عند الضرورة أما عند تمهد الأصول الشرعية فلا ينفذ وهذا في الطلب بلا بذل مال ، فإن كان ببذل نظر ، فإن تعين على الباذل القضاء ، أو كان ممن يسن له جاز له بذل المال ولكن الآخذ ظالم بالأخذ وهذا كما إذا تعذر الأمر بالمعروف إلا ببذل مال ، فإن لم يتعين ولم يسن طلبه لم يجز بذل المال ليولى ، ويجوز له البذل بعد التولية لئلا يعزل ، والآخذ ظالم بالأخذ . ووقع في الروضة أنه يجوز له بذله ليولى ونسب إلى الغلط . وأما بذل المال لعزل قاض متصف بصفة القضاء فهو حرام ، فإن عزل ، وولي الباذل نفذ عند الضرورة كما مر ، أما عند تمهد الأصول الشرعية فتوليته باطلة ، والمعزول على قضائه ؛ لأن العزل بالرشوة حرام وتولية المرتشي للراشي حرام . ا هـ . وعلم بذلك أن قول الشارح وينفذ العزل إلخ راجع إلى قوله : فيحرم السعي إلخ وقوله : فإن لم يتعين إلخ ، وأن قوله : مطلقا إشارة إلى رد ما مر عنهما من التفصيل بين حالتي الضرورة وعدمها .

                                                                                                                              ( قوله : جائرا ) أي : أو جاهلا . ( قوله : ولو أفضل ) ينبغي أن يكون محله حيث لم يكن الطالب مجتهدا ، والمتولي مقلدا . ا هـ . سيد عمر . ( قوله : ولا يؤثر ) أي : في العدالة وصحة التولية بل يجب عليه ذلك كما مر . ا هـ . رشيدي . ( قوله : وينفذ العزل إلخ ) كلام مستأنف . ا هـ . رشيدي . ( قوله : مطلقا ) لعله متعلق بينفذ . ا هـ . رشيدي . ( قوله : ويظهر ضبطها إلخ ) عبارة الروض [ ص: 105 ] ولا يجب أي : على من تعين عليه القضاء طلب ولا قبول في غير بلده قال في شرحه : وظاهر كلامه أنه لو كان ببلد صالحان ، وولي أحدهما لم يجب على الآخر ذلك أي : الطلب ، والقبول في بلد آخر ليس به صالح ، والأوجه الوجوب عليه لئلا يتعطل البلد الآخر إن لم يشملها حكم الأول مع انتفاء حاجة بلده إليه . ا هـ . وخالفه النهاية ، والمغني فقالا : فلو كان ببلد صالحان ، وولي أحدهما لم يجب على الآخر ذلك في بلد آخر ليس به صالح خلافا لبعض المتأخرين . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فيجري ) إلى قوله : نعم في المغني . ( قوله : فيجري في المتعين إلخ ) ( تنبيه )

                                                                                                                              حكم المقلدين الآن حكم المجتهدين في الأصلح وعدمه كما قاله بعض المتأخرين . ا هـ . مغني . ( قوله : في الطلب ، والقبول ) ظرف للأحكام وقوله : في وطنه إلخ متعلق بقوله : فيجري إلخ وكان الأولى أن يقول : فيجري ما مر من أحكام الطلب ، والقبول في المتعين وغيره في التعين وعدمه في وطنه إلخ . ( قوله : لأنه ) أي : إيجاب القبول لما فوق مسافة العدوى ( قوله : بخلاف سائر فروض الكفايات إلخ ) فإنه يمكنه القيام بها ، والعود إلى الوطن . ا هـ . مغني .

                                                                                                                              ( قوله : إليها ) أي : إلى ناحية . ( قوله : لزمه الامتثال إلخ ) ظاهره ، وإن وجد صالح يتولى في البلد المبعوث إليه ، أو بقربه بخلاف جمع الأذرعي الآتي فإنه اعتبر فيه انتفاء وجود الصالح المذكور ففي قوله : بنحو ما ذكرته شيء . ا هـ . سم عبارة الشيخ سلطان : ويتعين حمله على عدم وجود صالح للقضاء في المحل المبعوث إليه ، أو بقربه وحينئذ يجتمع الكلامان . ا هـ . ( قوله : وعلى هذا التفصيل ) أي : وجوب القبول فيما دون مسافة العدوى وعدمه في الزائد على ذلك . ( قوله : واعتراض إلخ ) عطف على قول الرافعي إلخ . ( قوله : له ) أي : لقول الرافعي . ( قوله : حمل ما ذكره إلخ ) أي : ما نقله الرافعي بقوله : طرق الأصحاب إلخ وأما ما بحثه الرافعي بقوله : ومقتضاه إلخ فلا يقبل الجمع كما يعلم بمراجعته . ا هـ . سيد عمر . ( قوله : وهو ) أي : عدم وجوب البعث ، والامتثال .

                                                                                                                              ( قوله : ومنه أنه صلى الله عليه وسلم إلخ ) قد يجاب بأن البعث الصادر منه صلى الله عليه وسلم وممن بعده كان برضا المبعوثين فلا يدل على وجوب امتثالهم كما هو المدعى ، ويوضح ذلك أنها وقائع حال فعلية محتملة . ا هـ . سم




                                                                                                                              الخدمات العلمية