الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فإن زال تغيره بنفسه ) بأن لم ينضم إليه شيء كأن طال مكثه ( أو بماء ) انضم إليه ولو متنجسا ، أو أخذ منه والباقي كثير بأن كان الإناء منخنقا به فزال انخناقه ودخله الريح وقصره أو بمجاور وقع فيه أي أو بمخالط تروح به كما هو ظاهر مما يأتي في نحو زعفران لا طعم ولا ريح ( طهر ) لزوال سبب التنجس ، وإنما لم تعد طهارة الجلالة بزوال التغير من غير علف طاهرا ؛ لأن الظاهر أن سبب نجاستها عند القائل بها رداءة لحمها وهي لا تزول إلا بالعلف الطاهر ، وإنما لم يقدروا هنا الواقع بعد زوال التغير مخالفا أشد [ ص: 86 ] لأن المخالفة كانت موجودة بالفعل ، ثم زالت لقوة الماء عليها فلم يكن لفرض المخالفة حينئذ وجه بخلافها ابتداء ولو عاد التغير لم يضر أي ، وإن لم يحتمل أنه بتروح نجس آخر كما شمله إطلاقهم ودل عليه أيضا كلامه إلا إن بقيت عين النجاسة ، وهل يقال بهذا في زوال نحو ريح متنجس بالغسل ، ثم عاد أو يفصل بين عوده فورا أو متراخيا أو بين غسله بماء فقط أو مع نحو صابون لندرة العود هنا جدا أو يفرق بين البابين للنظر فيه مجال .

                                                                                                                              وقضية ما سأذكره أن سبب عدم التأثير هنا ضعفه بزواله ، ثم عوده وحينئذ فذاك مثله لوجود هذه العلة فيه نعم قد يؤخذ مما يأتي في محرمات الإحرام في نحو فاغية أو كاد أو طيب بثوب جف أن ريحه إن ظهر برش الماء استصحب له اسم الطيب وإلا فلا لأن ظهوره هنا إذا كان ناشئا عن نحو ماء أثر إلا أن يفرق بأن تأثير الماء في الإزالة أقوى من تأثير الجفاف فيها فأثر ، ثم أدنى قرينة بخلافه هنا ، وكلام المتن يشمل التغير التقديري أيضا بأن تمضي عليه مدة لو كان ذلك في الحسي لزال أو أن يصب عليه من الماء قدر لو صب على ماء متغير حسا لزال تغيره .

                                                                                                                              ويعلم ذلك بأن يكون إلى جانبه غدير فيه ماء متغير فزال تغيره بنفسه بعد مدة فيعلم أن هذا أيضا يزول تغيره في هذه المدة ، وذلك لأن النجاسة مقدرة فالمزيل ينبغي أن يكون مقدرا ( أو ) زال أي ظاهرا فلا ينافى التعليل بالشك الآتي فلا اعتراض على المصنف بالعطف المقتضي لتقدير الزوال الذي ذكرته ، ثم رأيت بعض الشراح أجاب [ ص: 87 ] بذلك والرافعي أول كلام الوجيز بذلك تغير ريحه ( بمسك و ) لونه بسبب ( زعفران ) وطعمه بخل مثلا ( فلا ) للشك في أن التغير زال حقيقة أو استتر ، ويؤخذ منه أن زوال الريح والطعم بنحو زعفران لا طعم له ولا ريح والطعم واللون بنحو مسك واللون والريح بنحو خل لا لون له ولا ريح يقتضي عود الطهارة ، وهو متجه وفاقا لجمع من الشراح ؛ لأنه لا يشك في الاستتار حينئذ ولا يشكل هذا بإيجاب نحو صابون توقفت عليه إزالة نجس مع احتمال ستره لريحه بريحه ؛ لأن من شأن ذاك أنه مزيل لا ساتر بخلاف هذا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله تروح به ) إن كان المراد أنه تكيف برائحة ذلك المخالط فزالت رائحة النجاسة فهو مشكل حينئذ في الاستتار ، والفرق بين ذلك وما يأتي واضح وإن كان المراد غير ذلك فليحرر ( قوله وإنما لم تعد طهارة الجلالة ) [ ص: 86 ] أي على الضعيف أنها لا تعود ( قوله أو زال أي ظاهرا ) يظهر أن الأقعد حمل زوال التغير في قوله فإن [ ص: 87 ] زال تغيره على زواله ظاهرا ليكون في الجميع على نسق واحد ، ثم قد يكون حقيقة أيضا في مسائل الطهر ، وقد لا يعلم ذلك كما في غيرها .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله بأن لم ينضم ) إلى قوله أو بمجاور في النهاية والمغني ( قوله بأن لم ينضم إلخ ) عبارة النهاية لا بعين كطول مكث وهبوب ريح ا هـ أي أو شمس ع ش ( قوله كأن طال إلخ ) عبارة المغني كأن زال بطول المكث ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله انضم إليه ) بفعل أو غيره مغني ( قوله أو بمجاور إلخ ) ينبغي حمله على ما إذا لم يظهر للمجاور ريح أخذا مما يأتي عن ع ش ( قوله أو بمخالط تروح به ) إن كان المراد أنه تكيف برائحة ذلك المخالط فزالت رائحة النجاسة فهو مشكل حينئذ في الاستتار ، والفرق بين ذلك وما يأتي واضح وإن كان المراد غير ذلك فليحرر سم ، وأشار الكردي إلى جوابه بما نصه قوله تروح به يعني لم يقع فيه بل بلغته الرائحة فيشبه المجاور ا هـ ويرده أي جواب الكردي قول ع ش ما نصه قضية كلامه أنه لو تروح الماء بنحو مسك على الشط لم يمنع من زوال النجاسة ، وينبغي أن لا يكون مرادا ؛ لأن ظهور الرائحة في الماء يستر رائحة النجاسة ولا فرق مع وجود الساتر بين كونه في الماء وكونه خارجا عنه هذا وفي ابن عبد الحق أنه إذا زالت رائحة النجاسة برائحة على الشط لم يحكم ببقاء النجاسة ، وقد علمت أن المعتمد خلافه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو لا ريح ) الأولى الموافق لما يأتي ولا ريح بالواو قول المتن ( طهر ) بفتح الهاء أفصح من ضمها مغني ونهاية ( قوله وإنما لم تعد طهارة الجلالة إلخ ) أي على الضعيف القائل بعدم عود الطهارة بزوال التغير بنفسه على القول بالنجاسة كما يصرح به قوله عند القائل بها ع ش وسم كردي ( قوله وإنما لم يقدروا هنا الواقع ) أي النجس الواقع حيث يكون التغير السابق ناشئا عن نجاسة خالطت الماء واستمرت فيه بصري عبارة الكردي أي النجس الواقع في الماء القلتين المغير له ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أشد ) الأولى حذفه [ ص: 86 ] قوله : لأن المخالفة ) أي مخالفة النجس للماء كردي ( قوله ولو عاد التغير لم يضر ) كذا في النهاية والمغني عبارة الأول ولو زال التغير ، ثم عاد فإن كانت النجاسة جامدة وهي فيه فينجس وإن كانت مائعة أو جامدة ، وقد أزيلت قبل التغير الثاني لم ينجس ا هـ قال ع ش قوله م ر فنجس أي من الآن وعليه فلو زال تغيره فتطهر منه جمع ، ثم عاد تغيره لم تجب عليهم إعادة الصلاة التي فعلوها ولم يحكم بنجاسة أبدانهم ولا ثيابهم ؛ لأنه بزوال التغير حكم بطهوريته ، والتغير الثاني يجوز أنه بنجاسة تحللت منه بعد ، وهي لا تضر فيما مضى ، ثم ذكر عن شرح العباب للرملي ما يخالفه أي أنه باق على نجاسته وأطال في رده ، ثم قال وفي شرح الشيخ حمدان أي على العباب ولو زال تغير الماء الكثير بالنجاسة ، ثم عاد عاد تنجسه بعود تغيره ، والحال أن النجس الجامد باق فيه إحالة للتغير الثاني عليه انتهى وهو صريح في أن التغير العائد غير التغير الأول ، وإنما نشأ من تحلل حصل في النجاسة بعد طهارة الماء فلا أثر لبقاء النجاسة في الطهارة ما دام الماء صافيا من التغير ا هـ واعتمده البجيرمي كما يأتي وقال الرشيدي قوله م ر جامدة الظاهر أن مراده بالجامدة المجاورة ولو مائعة كالدهن وبالمائعة المستهلكة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وإن لم يحتمل إلخ ) سيأتي عن الزركشي وع ش ما يخالفه ( قوله إلا إن بقيت إلخ ) مقول لقولهم ومستثنى عن لم يضر يعني استثنوا هذا فقط فدل على ما ذكرنا كردي ، عبارة البجيرمي قال في الإيعاب نعم ينبغي أنه لو قال أهل الخبرة أن التغير من تلك النجاسة كان نجسا ا هـ أي من حين عود التغير كما قاله ع ش قال الزركشي المتجه في هذه أنه إذا عاد ذلك التغير الزائل فالماء نجس وإن تغير تغيرا آخر لا بسبب تلك النجاسة أصلا فهو طهور ، وإن تردد الحال فاحتمالان والأرجح الطهارة ؛ لأنها الأصل شوبري ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله عين النجاسة ) أي الجامدة نهاية ومغني ( قوله وهل يقال هذا إلخ ) أقول محل هذا التردد كما هو ظاهر حيث أمكن وجود سبب آخر يحال عليه عود الصفة فإن لم يوجد حكم ببقاء نجاسته ع ش وتقدم عن الزركشي ما يوافقه ( قوله بهذا ) أي بعدم ضرر العود مطلقا ( قوله نحو ريح متنجس ) بالإضافة وقوله بالغسل متعلق بزوال ( قوله : ثم عاد ) أي ، ثم عود نحو الريح ( قوله أو متراخيا ) أو هنا وفي قوله الآتي أو مع إلخ بمعنى الواو ( قوله أو بين غسله ) أي المتنجس ( قوله لندرة إلخ ) متعلق ب يفصل كردي أقول وفي تقرير هذه العلة تأمل إلا أن يراد ههنا خصوص التراخي والغسل مع نحو الصابون ( قوله ما سأذكره ) أي في شرح والتغير المؤثر طعم أو لون أو ريح بصري وكردي ( قوله هنا ) أي في التغير العائد كردي ، والمناسب في زوال التغير بنفسه ( قوله فذاك ) أي عود نحو الريح بعد الغسل ( مثله ) أي مثل عود التغير بعد زواله بنفسه إلخ ( قوله هذه العلة ) إشارة إلى ضعفه إلخ ، وضمير فيه راجع إلى عود الريح كردي ( قوله فاغية ) هي نور الحناء والكازنور طيب الرائحة وقوله أن ظهوره إلخ نائب فاعل قد يوجد وضميره راجع إلى ريح المتنجس كردي . ( قوله هنا ) أي في المتنجس الزائل ريحه بالغسل ( قوله : ثم ) أي في مسألة الطيب ( قوله وكلام المتن ) أي قوله بأن يمضي في النهاية وإلى قوله وذلك في المغني ( قوله أيضا ) أي كالحسي ( قوله بأن يمضي إلخ ) عبارة المغني ، ويعرف زوال تغيره التقديري بأن يمضي عليه إلخ زاد الأسنى ، ويعرف أيضا زوال التغير التقديري بقول أهل الخبرة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في الحسي ) الأولى حسيا كما في المغني والأسنى ( قوله ويعلم ذلك ) أي الوجه الأول المشار إليه بقوله بأن يمضي إلخ بصري ( قوله غدير ) أي حوض كردي ( قوله يزول ) الأنسب زال بالمضي كما في المغني ( قوله وذلك ) أي تصوير معرفة زوال التغير التقديري بما ذكر ( قوله أي ظاهرا إلخ ) يظهر أن الأقعد حمل زوال التغير في قوله فإن زوال تغيره على زواله ظاهرا ليكون في الجميع على نسق واحد ، ثم قد يكون حقيقة أيضا كما في مسائل الطهر ، وقد لا يعلم ذلك كما في غيرها سم ( قوله بالشك الآتي ) أي في قوله للشك في أن التغير زال إلخ ع ش ( قوله فلا اعتراض على المصنف إلخ ) عبارة المغني فإن قيل العلة في عدم عود الطهورية احتمال أن التغير استتر ولم يزل فكيف يعطفهالمصنف على ما جزم فيه بزوال التغير ، وذلك تهافت أجيب بأن المراد زواله ظاهرا كما قدرته وإن أمكن استتاره باطنا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله [ ص: 87 ] بذلك ) أي تقديرا ظاهرا ( قوله تغير ريحه ) فاعل زال وقوله ولونه إلخ وقوله وطعمه إلخ الواو بمعنى أو واستعمالها في هذا المعنى مجاز ع ش ( قوله مثلا ) راجع للكل ( قوله للشك ) إلى قوله وفاقا في النهاية والمغني ( قوله ويؤخذ منه ) أي من التعليل ( قوله بنحو مسك ) لعل وجه عدم تقييد المسك كأخويه خفة ظهور لونه أو طعمه سيما مع قلة ما يلقى منه عادة بصري ( قوله ؛ لأنه لا يشك إلخ ) قال النهاية ؛ لأن الزعفران الذي لا طعم له ولا ريح لا يستر الريح ولا الطعم ، وكذا يقال في الباقي ، ومنه يؤخذ أنه لو وضع مسك في متغير الريح فزال ريحه ولم تظهر فيه رائحة المسك أنه يطهر ولا بعد فيه لعدم الاستتار ، ثم قال واعلم أن رائحة المسك لو ظهرت ، ثم زالت وزال التغير حكمنا بالطهارة ؛ لأنها لما زالت ولم يظهر التغير علمنا أنه زال بنفسه ا هـ .

                                                                                                                              وفي الكردي عن الإيعاب ما يوافقه ( قوله في الاستتار ) الأنسب في الزوال وقوله ولا يشكل هذا أي الحكم بعدم الطهارة مع زوال التغير بنحو زعفران إلخ بصري ( قوله من شأن ذلك ) أي نحو الصابون ( قوله بخلاف هذا ) أي نحو المسك والزعفران والخل .




                                                                                                                              الخدمات العلمية