الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وعتق المستولدة ) ولو في المرض ، وإن نجز عتقها فيه ، أو أوصى بعتقها من الثلث كما بينته في شرح الإرشاد مع الفرق بينه وبين ما مر في حجة الإسلام وكذا أولادها الحادثون بعد الاستيلاد ( من رأس المال ) مقدما على الديون ، والوصايا للخبر السابق عنه صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك حمدا يوافي نعمك [ ص: 432 ] ويكافئ مزيدك حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما تحب يا ربنا وترضى حمدا كالذي نقول وخيرا مما نقول يملأ السموات ، والأرض وما شئت ربنا من شيء بعد أهل الثناء ، والمجد أحق ما قال العبد : وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي ؛ لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، وصل اللهم ، وسلم وبارك أفضل صلاة وأفضل سلام وأفضل بركة على عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وأزواجه وذريته وعلى آله وأصحابه وأنصاره وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وكما يليق بعظيم شرفه وكماله ورضاك عنه وما تحب وترضى له عدد معلوماتك ومداد كلماتك أبد الآبدين ودهر الداهرين كلما ذكرك وذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكرك وذكره الغافلون وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

                                                                                                                              أسألك اللهم بجلال وجهك وباهر قدرتك وواسع جودك وكرمك أن تنفع بهذا الشرح المسلمين منفعة عامة وأن تمن علي بالإخلاص فيه ؛ ليكون ذخيرة لي إذا جاءت الطامة ، وأن لا تعاقبني فيه ، ولا في غيره من سائر آثاري بقبيح ما جنيت من الذنوب وعظيم ما اقترفت من العيوب إنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ، دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : [ ص: 431 ] ولو في المرض ) إلى قوله : صلى الله عليه وسلم في النهاية والمغني إلا قوله : كما بينته إلى وكذا . ( قوله : ولو في المرض إلخ ) عبارة المغني والنهاية سواء أحبلها ، أو أعتقها في المرض أم لا أوصى بها من الثلث أم لا بخلاف ما لو أوصى بحجة الإسلام فإن الوصية بها تحسب من الثلث ؛ لأن هذا إتلاف حصل بالاستمتاع فأشبه إنفاق المال في اللذات والشهوات ( خاتمة )

                                                                                                                              لو وطئ شريكان أمة لهما وأتت بولد وادعيا استبراء وحلفا فلا نسب ولا استيلاد ، وإن لم يدعياه فله أحوال : أحدها أن لا يمكن كونه من أحدهما بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من وطء الأول ولأقل من ستة أشهر من وطء الثاني ، أو لأكثر من أربع سنين من آخرهما وطئا فكما لو ادعيا الاستبراء ، الحال الثاني أن يمكن كونه من الأول دون الثاني بأن ولدته لما بين أقل مدة الحمل وأكثرها من وطء الأول ولما دون أقل مدة الحمل من وطء الثاني فيلحق بالأول ويثبت الاستيلاد في نصيبه ، ولا سراية إن كان معسرا ويسري إن كان موسرا ، الحال الثالث أن يمكن من الثاني دون الأول بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من وطء الأول ولما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطء الثاني فيلحق بالثاني ويثبت الاستيلاد في نصيبه ، ولا سراية إن كان معسرا ، وإن كان موسرا سرى الحال ، الرابع أن يمكن من كل واحد منهما بأن ولدته لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطء كل واحد منهما وادعياه ، أو أحدهما فيعرض على القائف فإن تعذر أمر بالانتساب إذا بلغ ، وإن أتت لكل منهما بولد وهما موسران وادعى كل منهما إيلاده قبل إيلاد الآخر لها ليسري إيلاده إلى بقيتها فإن حصل اليأس من بيان القبلية عتقت بموتهما لاتفاقهما على العتق ، ولا يعتق بعضها بموت أحدهما لجواز كونها مستولدة للآخر ونفقتها في الحياة عليهما ويوقف الولاء بين عصبتهما لعدم المرجح وإن كانا معسرين ثبت الاستيلاد لكل واحد في قدر نصيبه فإذا مات أحدهما عتق نصيبه وولاؤه لعصبته فإذا ماتا عتقت كلها والولاء لعصبتهما بالسوية ، وإن كان أحدهما موسرا فقط ثبت إيلاده في نصيبه والنزاع في نصيب المعسر فنصف نفقتها على الموسر ونصفها الآخر بينهما .

                                                                                                                              ثم إن مات الموسر أولا عتق نصيبه وولاؤه لعصبته فإذا مات المعسر بعده عتقت كلها ووقف ولاؤه بين عصبتهما ، وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء فإذا مات الموسر بعده عتقت كلها وولاء نصفها لعصبته ووقف ولاء النصف الآخر أما لو ادعى كل منهما سبق الآخر وهما موسران أو أحدهما موسر فقط ففي الروضة كأصلها عن البغوي يتحالفان ، ثم يتفقان عليها فإذا مات أحدهما في الصورة الأولى لم يعتق نصيبه لاحتمال صدقه وعتق نصيب الحي لإقراره ووقف ولاؤه فإذا مات عتقت كلها ووقف ولاء الكل وإذا مات الموسر في الثانية عتقت كلها نصيبه بموته وولاؤه لعصبته ونصيب معسر بإقراره ووقف ولاؤه ، وإن مات المعسر أولا لم يعتق منها شيء لاحتمال سبق الموسر فإذا مات الموسر عتقت كلها وولاء نصيبه لعصبته وولاء نصيب المعسر موقوف .

                                                                                                                              ولو كانا معسرين فكما لو ادعى كل منهما أنه أولدها قبل استيلاد الآخر لها وقد تقدم حكمه والعبرة باليسار والإعسار بوقت الإحبال ولو عجز السيد عن نفقة أم ولده أجبر على تخليتها لتكتسب وتنفق على نفسها ، أو على إيجارها ، ولا يجبر على عتقها ، أو تزويجها كما لا يرفع ملك اليمين بالعجز عن الاستمتاع فإن عجزت عن الكسب فنفقتها في بيت المال كما مر في النفقات . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وإن نجز عتقها فيه ) أي : في مرض موته ، ولا نظر إلى ما فوته من منافعها التي كان يستحقها إلى موته ؛ لأن هذا إتلاف في مرضه فأشبه ما لو أتلفه في طعامه وشرابه وبالقياس على من تزوج امرأة بأكثر من مهر مثلها في مرض موته نهاية . ( قوله : للخبر السابق ) أي : في أول الباب في حديث مارية القبطية عبارة المغني والنهاية لظاهر قوله : { صلى الله عليه وسلم أعتقها ولدها } . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : يا ربنا لك الحمد ) أي : يا خالقنا ومربينا مختص بك الثناء بالجميل ولما كان تمام التأليف من النعم حمد الله عليه كما حمد على ابتدائه فكأنه قال الحمد لله الذي أقدرني على إتمامه كما أقدرني على ابتدائه وآثر الجملة الاسمية لإفادتها الدوام المناسب للمقام وقدم المسند المشتمل على اللام وضمير الخطاب ليفيد الاختصاص على سبيل الرجحان ويكون حمده على وجه الإحسان ويتلذذ بخطاب الملك المنان . ( قوله : حمدا إلخ ) مفعول مطلق نوعي ثان للحمد ( قوله : يوافي نعمك ) أي : يفي بها .

                                                                                                                              [ ص: 432 ] ويقوم بحقوقها . ( قوله : ويكافئ مزيدك ) بهمزة في آخره أي يساوي ما تزيد من النعم ويقوم بشكره . ( قوله : حمدا كثيرا ) كنظيريه الآتيين عطف على حمدا يوافي إلخ بعاطف مقدر . ( قوله : ربنا ) كنظيره الآتي منادى بياء مقدرة . ( قوله : يملأ السموات إلخ ) أي : بتقدير تجسمه من نور ( قوله : من شيء بعد ) أي : بعدهما كالكرسي والعرش وغيرهما مما لا يحيط به إلا علم علام الغيوب . ( قوله : أهل الثناء إلخ ) أي يا أهل المدح والعظمة ويجوز الرفع بتقدير أنت . ( قوله : أحق إلخ ) مبتدأ خبره قوله : لا مانع إلخ وجملة وكلنا لك عبد معترضة بينهما .

                                                                                                                              ( قوله : ولا ينفع ذا الجد إلخ ) بفتح الجيم أي لا ينفع صاحب الغنى عندك غناه وإنما ينفعه عندك رضاك ورحمتك وما قدمه من أعمال البر بفضلك وكرمك . ( قوله : وأزواجه إلخ ) عطف على عبدك ( قوله : كما صليت ) لم يزد وسلمت ، وإن اقتضاها حسن المقابلة اقتصارا على ما ورد . ( قوله : ورضاك ) عطف على المضاف ، أو المضاف إليه . ( قوله : وكما يليق إلخ ) عطف على قوله : كما صليت إلخ ( قوله : وما تحب إلخ ) عطف على قوله : ما يليق إلخ . ( قوله : وعلينا معهم إلخ ) عطف على قوله : على عبدك ، ثم الظاهر أن الشارح قصد بنون الجمع نفسه مع غيره من المؤمنين امتثالا لحديث { إذا دعوتم فعمموا } . ( قوله : بالإخلاص فيه ) أي : في تأليف الشرح من الرياء والسمعة وحب الشهرة والمحمدة بأن يقصد به نفع العباد ومرضاة الرب سبحانه وتعالى .

                                                                                                                              ( قوله : دعواهم فيها سبحانك اللهم إلخ ) إنما ختم كتابه بهذه الآية التي نزلت في أذكار أهل الجنة وما يختمون به دعواهم من الحمد لرب العزة رجاء أن يجعله الله تعالى من أهل السعادة والجنة والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وكان الفراغ بحمد الله وعونه وتوفيقه والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله وصحبه من تسويد هذه الحواشي الجامعة لمعتمدات متأخري الشافعية على تحفة المحتاج بشرح المنهاج للعلامة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي المكي في مكة المشرفة زادها الله تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما في منتصف ربيع الثاني من شهور سنة ألف ومائتين وتسع وثمانين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات وأزكى التحيات وأرجو من فضل الله أن يجعلها في حيز القبول فإنه كريم يعطي خير مأمول ، والمرجو ممن اطلع عليها أن يدعو لقليل البضاعة بالخير والمباعدة عن كل شر وضير وأن يقيل العثرات ويعفو عن التساهلات والسيئات فإن الإنسان محل للقصور والنسيان خصوصا في هذه الأعوام والأزمان وإني والله معترف بقصر الباع وكثرة الزلل ولكن فضل الله وكرمه لا يعلل بشيء من العلل ، ونسأله حسن الختام بجاه سيدنا محمد عليه وآله وصحبه الصلاة والسلام تم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية