الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وما كثر جمعه ) من المساجد أو غيرها ( أفضل ) للخبر الصحيح { وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى } نعم الجماعة في المساجد الثلاثة أفضل منها في غيرها ، وإن قلت بل قال المتولي إن الانفراد فيها أفضل من الجماعة في غيرها لكن الأوجه خلافه ( إلا لبدعة إمامه ) التي لا تقتضي تكفيره كرافضي أو فسقه ولو بمجرد التهمة أي التي فيها نوع قوة كما هو واضح [ ص: 254 ] أو غيرهما مما يقتضي كراهة الاقتداء به فالأقل جماعة بل الانفراد أفضل وكذا لو كان لا يعتقد وجوب بعض الأركان أو الشروط ، وإن أتى بها ؛ لأنه يقصد بها النفلية وهو مبطل عندنا ، ومن ثم أبطل الاقتداء به مطلقا بعض أصحابنا وجوزه الأكثر رعاية لمصلحة الجماعة واكتفاء بوجود صورتها وإلا لم يصح اقتداء بمخالف وتعطلت الجماعات ، ولو تعذرت إلا خلف من يكره الاقتداء به لم تنتف الكراهة كما شمله كلامهم ولا نظر لإدامة تعطلها لسقوط فرضها حينئذ .

                                                                                                                              وبما تقرر علم ضعف اختيار السبكي ومن تبعه أن الصلاة خلف هؤلاء ومنهم المخالف أفضل من الانفراد ، فإن قلت ما وجه الكراهة التي ذكرتها في المخالف قلت ما يعلم مما يأتي في مبحث الوقف أن كل ما وقع الاختلاف في الإبطال به من حيث الجماعة يقتضي الكراهة من تلك الحيثية ( أو ) كون القليلة بمسجد متيقن حل أرضه ومال بانيه أو إمامه يبادر بالصلاة أول الوقت أو يطيل القراءة حتى يدرك بطيء القراءة الفاتحة ، والكثيرة بغير ذلك أو ( تعطل مسجد قريب ) أو بعيد [ ص: 255 ] عن الجماعة فيه ( لغيبته ) عنه لكونه إمامه أو يحضره الناس بحضوره فقليل الجمع في ذلك أفضل من كثيره بل بحث شارح أن الانفراد بالمتعطل عن الصلاة فيه لغيبته أفضل لكن الأوجه خلافه ، وأما اعتماد شارح التقييد بالقريب ؛ لأن له حق الجوار وهو مدعو منه فمردود بأنه مدعو من البعيد أيضا وحق الجوار يعارضه خبر مسلم { أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشى } ولو تعارض الخشوع والجماعة فهي أولى كما أطبقوا عليه حيث قالوا : إن فرض الكفاية أفضل من السنة وأيضا فالخلاف في كونها فرض عين وكونها شرطا لصحة الصلاة أقوى منه في شرطية الخشوع وإفتاء ابن عبد السلام بأنه أولى مطلقا إنما يأتي على أنها سنة وكذا إفتاء الغزالي بأنه إذا كان الجمع يمنعه الخشوع في أكثر صلاته فالانفراد أولى على أنه بعيد ؛ لأن القائلين بشرطيته مع شذوذهم إنما يقولون بها في جزء من الصلاة لا في كلها ، فإن قلت تقديمها ينافي ما يأتي من تقديمه في ذي جوع أو عطش .

                                                                                                                              قلت لا ينافيه ؛ لأن ما هنا مفروض فيمن يتوهم فواته بها من حيث إيثاره العزلة فأمر بها قهرا لنفسه المتخيلة ما قد يكون سببا لاستيلاء الشيطان عليها كما دل عليه الخبر السابق { إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية } ، وأما ذاك فمانعه ظاهر فقدم ؛ لأنه يعد عذرا كمدافعة الحدث ثم رأيت للغزالي إفتاء آخر يصرح بما ذكرته متأخرا عن ذلك الإفتاء فيمن لازم الرياضة في الخلوة حتى صارت طاعته تتفرق عليه بالاجتماع بأنه رجل مغرور إذ ما يحصل له في الجماعة من الفوائد أعظم من خشوعه وأطال في ذلك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : من المساجد أو غيرها ) قضيته أن كثير الجمع في البيت أفضل من قليله في المسجد وقد بين في شرحي الإرشاد أن المعتمد عكس ذلك وكذا بين ذلك شيخنا الشهاب الرملي وكذا بين هو هنا بقوله السابق ، والأوجه إلخ خلافه ( قوله : بل قال المتولي إلخ ) قياس ما قاله المتولي أن الانفراد في المسجد الحرام أفضل من الجماعة في مسجد المدينة م ر ( قوله : أو فسقه ) معطوف على قول المتن إلا لبدعة .

                                                                                                                              [ ص: 254 ] قوله : أو غيرهما مما يقتضي كراهة الاقتداء به ) كلام شرح الروض صريح في كراهة الصلاة خلف المخالف كالحنفي ( قوله : بل الانفراد أفضل ) جزم به الروض أيضا وكذا جزم بقوله بعد وكذا لو كان لا يعتقد إلخ ( قوله : وبما تقرر يعلم ضعف اختيار السبكي ) وافق السبكي م ر ثم صنيع الشارح يشعر بفرض اختيار السبكي حالة تعذرها إلا خلف هؤلاء ( قوله : أفضل من الانفراد ) بذلك أفتى شيخنا الشهاب الرملي وقضية ذلك عدم الكراهة حينئذ ؛ لأن أفضليتها من الانفراد يقتضي طلبها إذ ليس معناه إلا أنها أكثر ثوابا وفيه نظر ثم بحثت مع م ر فوافق على هذا الجواب وعلى أنه لا فرق في أفضليتها بين وجود غيرها وعدمه وقياس ذلك أن الإعادة مع هؤلاء أفضل من عدمها بالمعنى المذكور ( قوله : قلت ما يعلم مما يأتي إلخ ) هذا الجواب يفيد انتفاء فضيلة الجماعة خلف المخالف ( قوله : يبادر إلخ ) يؤخذ منه أنها الآن خلف إمام الطيبرسية في نحو الصبح أفضل منها خلف إمام الأزهر فيه ( قوله : في المتن أو تعطل مسجد قريب لغيبته ) قال في العباب بل يصلي منفردا ثم يدرك الجماعة . ا هـ . وبين الشارح في شرحه نقل ذلك عن القاضي والبغوي [ ص: 255 ] وقال ظاهر كلام المجموع ضعيف ويوجه إلخ ( قوله عن الجماعة ) متعلق بتعطل ( قوله بل بحث شارح إلخ ) هذا البحث يوافق ما مر عن العباب في الهامش ( قوله : وأما اعتماد شارح التقييد بالقريب إلخ ) ولو استوى مسجدا جماعة قدم الأقرب مسافة لحرمة الجوار ثم ما انتفت الشبهة فيه عن مال بانيه أو واقفه ثم يتخير نعم إن سمع النداء مرتبا فذهابه إلى الأول أفضل كما بحثه الأذرعي ؛ لأن مؤذنه دعاه أولا شرح م ر ( قوله : فإن قلت تقديمها ينافي ما يأتي إلخ ) يمكن أن يقال إن الاجتماع ليس سببا معتادا في منع الخشوع بخلاف نحو الجوع والعطش فلم يعتد بمنع الأول واعتد بمنع الثاني .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : من المساجد أو غيرها ) قضيته أن كثير الجمع في البيت أفضل من قليله في المسجد وقد بين في شرحي الإرشاد أن المعتمد عكس ذلك وكذا بين ذلك شيخنا الشهاب الرملي وكذا بين هو هنا بقوله السابق ، والأوجه خلافه سم عبارة النهاية ، والمغني وما كثر جمعه من المساجد أفضل مما قل جمعه منها وكذا ما كثر جمعه من البيوت أفضل مما قل جمعه منها . ا هـ . ( قوله : للخبر ) إلى قوله : وإن أتى بها في المغني إلا قوله لكن الأوجه خلافه وقوله ولو بمجرد إلى أو غيرهما وإلى قوله وبما تقرر في النهاية إلا قوله لكن الأوجه خلافه وقوله بل الانفراد ( قوله : كرافضي ) أي ومجسم وجهمي وقدري وشيعي وزيدي شرح بافضل ( قوله : بل قال المتولي إلخ ) اعتمده النهاية ، والمغني وشرح المنهج وقال سم قياس ما قاله المتولي أن الانفراد في المسجد الحرام أفضل من الجماعة في مسجد المدينة م ر . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لكن الأوجه إلخ ) خلافا للنهاية ، والمغني وشرح المنهج ( قوله : أو فسقه ) معطوف على [ ص: 254 ] بدعة إمامه سم أي فسقه بغير البدعة ( قوله : أو غيرهما إلخ ) كلام شرح الروض صريح في كراهة الصلاة خلف المخالف كالحنفي سم ( قوله بل الانفراد إلخ ) جزم به الروض أيضا وكذا جزم بقوله بعد وكذا لو كان لا يعتقد إلخ سم ( قوله لو كان لا يعتقد إلخ ) كحنفي أو غيره نهاية ومغني ( قوله : وإن أتى بها إلخ ) يوهم صحة الاقتداء به إذا لم يأت بها وليس كذلك فالتعبير بالغاية ليس في محله رشيدي ( قوله : والاقتداء به ) أي بمن لا يعتقد وجوب ما ذكر ( قوله : مطلقا ) راعى الخلاف أولا ( قوله : وإلا ) أي ، وإن قلنا ببطلان الاقتداء بمن لا يعتقد وجوب ما ذكر ( قوله : لسقوط إلخ ) متعلق بلا نظر وعلة لعدم النظر ( قوله : وبما تقرر إلخ ) وافق السبكي م ر ثم صنيع الشارح يشعر بفرض اختيار السبكي في حالة تعذرها إلا خلف هؤلاء سم ( قوله اختيار السبكي إلخ ) اعتمده النهاية عبارته ومقتضى قول الأصحاب إلخ حصول فضيلة الجماعة خلف هؤلاء وأنها أفضل من الانفراد قال السبكي إن كلامهم يشعر به وجزم به الدميري وقال الكمال بن أبي شريف لعله الأقرب وهو المعتمد وبه أفتى الوالد رحمه الله تعالى . ا هـ .

                                                                                                                              وظاهر كلام المغني اعتماده أيضا قال الرشيدي قوله م ر حصول الجماعة خلف هؤلاء إلخ وفي حصولها مع كراهة الاقتداء بهم المصرح بها فيما مر حتى فيما لو تعذرت الجماعة إلا خلفهم وقفة ظاهرة سيما والكراهة فيما ذكر من حيث الجماعة وسيأتي في كلامه أن الكراهة إذا كانت من حيث الجماعة تفوت فضيلة الجماعة . ا هـ . ( قوله : أفضل من الانفراد ) وبذلك أفتى شيخنا الشهاب الرملي وقضية ذلك عدم الكراهة حينئذ ؛ لأن أفضليتها من الانفراد يقتضي طلبها إذ ليس معناه إلا أنها أكثر ثوابا وفيه نظر ثم بحثت فيه مع م ر فوافق على هذا الجواب وعلى أنه لا فرق في أفضليتها بين وجود غيرها وعدمه وقياس ذلك أن الإعادة مع هؤلاء أفضل من عدمها بالمعنى المذكور سم ويأتي في الإعادة عنه عن م ر خلافه وقوله فوافق على هذا الجواب أي مخالفا لما مر عن نهايته من أنه لو تعذرت الجماعة إلا خلف من يكره الاقتداء به لم تنتف الكراهة ( قوله : قلت إلخ ) هذا الجواب يفيده انتفاء فضيلة الجماعة خلف المخالف سم أي خلافا للنهاية والشهاب الرملي والطبلاوي كردي ( قوله : أو كون القليلة ) إلى قوله كما أطبقوا في النهاية ، والمغني إلا قوله بل بحث إلى ولو تعارض ( قوله : أول الوقت ) أي وقت الفضيلة ع ش ( قوله : أو إمامه إلخ ) عطف على قوله متيقن إلخ ( قوله : أو يطيل إلخ ) عبارة النهاية ، والمغني أو إمام الجمع الكثير سريع القراءة والمأموم بطيئها لا يدرك معه الفاتحة ويدركها مع إمام الجمع القليل . ا هـ .

                                                                                                                              ع ش وينبغي أن يستثنى أيضا ما لو كان إمام الجمع القليل أفضل من إمام الجمع الكثير بفقه أو نحوه مما يأتي في صفة الأئمة . ا هـ . ( قوله : أو تعطل مسجد إلخ ) ( فرع ) إذا كان عليه الإمامة في مسجد فلم يحضر معه أحد يصلي معه وجبت أي لاستحقاق المعلوم الصلاة فيه وحده ؛ لأن عليه شيئين الصلاة في هذا المسجد ، والإمامة فيه ، فإذا فات أحدهما لا يسقط الآخر بخلاف من عليه التدريس إذا لم يحضر أحد من الطلبة لا يجب أن يدرس لنفسه ؛ لأن المقصود منه التعليم ولا يتصور بدون متعلم بخلاف الإمام المقصود منه أمران كما تقدم سم على المنهج . ا هـ . ع ش [ ص: 255 ] وفي البجيرمي عنه ، والخطيب كالمدرس ومثله الطلبة أي المقررين في الوظائف إذا لم يحضر الشيخ ؛ لأنه لا تعلم بدون معلم . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : عن الجماعة ) متعلق بتعطل سم ( قوله : التقييد ) أي تقييد المصنف للمسجد ( قوله : لأن له حق الجوار إلخ ) ولو استوى مسجدا جماعة قدم الأقرب مسافة لحرمة الجوار ثم ما انتفت الشبهة فيه عن مال بانيه وواقفه ثم يتخير نعم إن سمع النداء مترتبا فينبغي كما بحثه الأذرعي أن يكون ذهابه إلى الأول أفضل ؛ لأن مؤذنه دعاه أولا نهاية ومغني أي مع استوائهما في سائر الوجوه ( قوله : ولو تعارض إلخ ) عبارة النهاية ، والمغني وأفتى الغزالي بأنه إذا كان لو صلى منفردا خشع أي في جميع صلاته ولو صلى في جماعة لم يخشع فالانفراد أفضل وتبعه ابن عبد السلام قال الزركشي تبعا للأذرعي ، والمختار بل الصواب خلاف ما قالاه وهو كذلك . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أقوى منه إلخ ) أي من الخلاف ( قوله بأنه ) أي الخشوع و ( قوله : مطلقا ) أي في أكثر صلاته أو كلها ( قوله على أنه ) أي إفتاء الغزالي ( قوله : تقديمها ) أي الجماعة و ( قوله : من تقديمه ) أي الخشوع ( قوله : قلت لا ينافيه إلخ ) ويمكن أن يجاب أيضا بأن الاجتماع ليس سببا معتادا في منع الخشوع بخلاف نحو الجوع ، والعطش فلم يعتد بمنع الأول واعتد بمنع الثاني سم ( قوله فأمر بها ) أي بالجماعة ( قوله : السابق ) أي في شرح وقيل فرض كفاية إلخ و ( قوله : { وإنما يأكل } إلخ ) بدل من الخبر السابق ( قوله : فمانعه ) أي مانع الخشوع ( قوله : متأخرا إلخ ) حال من إفتاء آخر و ( قوله : فيمن لازم إلخ وقوله بأنه إلخ ) متعلقان به أي بإفتاء آخر .




                                                                                                                              الخدمات العلمية