الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا ) فطرة على ( معسر ) [ ص: 312 ] وقت الوجوب إجماعا وإن أيسر بعد وقول البغوي لو أعسر الأب وقت الوجوب ثم أيسر قبل إخراج الابن لزمت الأب مبني على ضعيف وهو هنا بخلاف سائر الأبواب ( فمن لم يفضل عن قوته وقوت من في نفقته ) من آدمي وحيوان واستعمال من فيمن لا يعقل تغليبا بل واستقلالا شائع بل حقيقة عند بعض المحققين فلا اعتراض عليه خلافا لمن زعمه ( ليلة العيد ويومه شيء فمعسر ) ومن فضل عنه شيء فموسر ؛ لأن القوت لا بد منه ويسن لمن طرأ يساره أثناء ليلة العيد بل قبل غروب يومه فيما يظهر إخراجها وأفهم المتن أنه لا يجب الكسب لها أي إن لم تصر في ذمته لتعديه .

                                                                                                                              وإنما أوجبوه لنفقة القريب ؛ لأنه كالنفس [ ص: 313 ] ( ويشترط ) في الابتداء ( كونه ) أي الفاضل عما ذكر ( فاضلا عن ) دين ولو مؤجلا على تناقض فيه ويفارق ما يأتي في زكاة المال أن الدين لا يمنعها بتعلقها بعينه فلم يصلح الدين مانعا لها لقوتها بخلاف هذه إذ الفطرة طهرة للبدن والدين يقتضي حبسه بعد الموت ولا شك أن رعاية المخلص عن الحبس مقدمة على رعاية المطر وعن دست ثوب لائق به وبممونه وعن لائق به وبهم من نحو ( مسكن ) بفتح الكاف وكسرها ( وخادم يحتاج إليه ) أي كل منهما لسكنه أو لخدمته ولو لمنصبه أو ضخامته أو خدمة ممونه لا لعمله في أرضه وماشيته ( في الأصح ) كما في الكفارة بجامع أن كلا مطهر أما لو ثبتت الفطرة في ذمته فيباع فيها كل ما يباع في الدين من نحو مسكن وخادم لتعديه بتأخيرها غالبا وبه يفرق بين هذا وحالة الابتداء ويندفع استشكال الأذرعي لذلك وخرج بلائق غيره فإذا أمكنه إبداله بلائق وإخراج التفاوت لزمه وإن ألفه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ولا فطرة على معسر [ ص: 312 ] وقت الوجوب ) ينبغي أن يعد منه من استحق معلوم وظيفة لكن لم يتيسر أخذه وقت الوجوب لمماطلة الناظر ونحوه ؛ لأنه حينئذ غير قادر وإن كان مالكا لقدر المعلوم من ريع الوقف قبل قبضه حتى أتى بما عليه ومن له دين حال على موسر تعذر استيفاؤه منه وقت الوجوب وإن قدر عليه بعده ومن غصب أو سرق ماله أو ضل عنه ويفارق زكاة المال حيث وجبت في الدين وإن لم يتيسر أخذه في الحال أو في المال المغصوب والمسروق ونحوهما ولكن لا يجب الإخراج في الحال بتعلقها بالعين بخلاف الفطرة ؛ لأنها تتعلق بالذمة م ر ( قوله مبني على ضعيف ) أي والموافق للصحيح الاستقرار على الابن بشرطه كما تقدمت الإشارة إليه في كلام الشارح ( قوله وهو هنا بخلاف إلخ ) وهو أي المعسر مبتدأ خبره بخلافه ( قوله في المتن فمن لم يفضل ) أي وقت الوجوب بدليل قوله السابق وقت الوجوب وقوله الآتي ويسن إلخ ( قوله إخراجها ) هل تقع حينئذ واجبة ( قوله [ ص: 313 ] فاضلا عن دين إلخ ) على القول بأنه لا يشترط الفضل عن الدين قد يستشكل إذا قدمت على الدين مع أن الدين يقدم على المسكن والخادم ؛ لأن المقدم على المقدم مقدم مع أنهم أخروها عنهما كما تقرر اللهم إلا أن يجاب بمنع أن المقدم على المقدم مقدم كليا أو بأن الدين إنما قدم عليهما لسهولة تحصيلهما بالكراء واعتياد ذلك بخلاف الفطرة مع قلتها بالنسبة إليهما ( قوله أما لو ثبتت الفطرة إلخ ) محترز في الابتداء



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله ولا فطرة على معسر إلخ ) ينبغي أن يعد منه من استحق معلوم وظيفة لكن لم يتيسر له أخذه وقت الوجوب لمماطلة الناظر ونحوه ؛ لأنه حينئذ غير قادر وإن كان مالكا لقدر المعلوم من ريع الوقف قبل قبضه حين أتى بما عليه ومن له دين حال على معسر تعذر استيفاؤه منه وقت الوجوب وإن قدر عليه بعده ومن غصب أو سرق ماله أو ضل عنه ويفارق زكاة المال حيث وجبت في الدين وإن لم يتيسر أخذه في الحال وفي المال المغصوب والمسروق ونحوهما ولكن لا يجب الإخراج في الحال لتعلقها بالعين بخلاف الفطرة [ ص: 312 ] لا تتعلق إلا بالذمة م ر سم على حج وقد يتوقف فيما ذكره ؛ لأن التعليل بتعلق الفطرة بالذمة لا دخل له في عدم وجوبها حيث كان له مال فإن العلة في وجوب زكاة الفطر وجود مقدار الزكاة فاضلا عما يحتاج إليه وهذا واجد بالقوة .

                                                                                                                              ويؤيده ما ذكره ابن حج من الوجوب على من له مال غائب ع ش أقول : وقد يصرح بالوجوب قول الإيعاب والمغني ما نصه تتمة أفتى الفارقي بأن المقيمين بالأربطة التي عليها أوقف عليهم الفطرة وإن كان الوقف على غير معين ؛ لأنهم ملكوا الغلة قطعا فهم أغنياء بخلاف ما لو وقف على الصوفية مطلقا فإن الفطرة لا تلزم في المعلوم الحاصل للرباط إلا بالنسبة لمن دخل قبل غروب شمس آخر رمضان على عزم المقام فيه لتعينه بالحضور نعم لو شرط لكل واحد قوته كل يوم فلا زكاة عليهم وكذا متفقهة المدارس فإن جرايتهم مقدرة بالشهر فإذا أهل شوال وللوقف غلة لزمتهم الفطرة وإن لم يقبضوها لثبوت ملكهم على قدر المشاهرة من جملة الغلة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقت الوجوب ) إلى قول المتن ويشترط في النهاية إلا قوله وقول البغوي إلى وهو هنا وكذا في المغني إلا قوله واستقلالا .

                                                                                                                              ( قوله وقت الوجوب ) قد يقتضي أنه لو أيسر مع أول جزء من شوال وجبت وهو محتمل نظرا لكونه موسرا وقت الوجوب وقد يستشكل بأن الجزء الأخير من رمضان صادفه معسرا فهل يصلح للعلية مع ذلك أو لا بصري أقول : والذي يفيده كلام ع ش والكردي على بافضل أن العبرة في الإعسار واليسار بالجزء الأخير فقط أي وقت غروب الشمس ( قوله مبني على ضعيف ) أي والموافق للصحيح الاستقرار على الابن بشرطه كما تقدمت الإشارة إليه في كلام الشارح سم عبارة النهاية ولو دخل وقت الوجوب وله أب معسر عليه نفقته وأيسر الأب قبل أن يخرج الابن الفطرة لم تلزم الأب حيث قلنا بوجوبها على الابن بطريق الحوالة وهو الأصح بل تستمر على الابن لانقطاع التعلق بالحوالة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وهو ) أي المعسر مبتدأ خبره قوله بخلاف إلخ سم قول المتن ( فمن لم يفضل ) بضم الضاد وفتحها نهاية ومغني أي وقت الوجوب بدليل قوله السابق وقت الوجوب وقوله الآتي ويسن إلخ سم قول المتن ( عن قوته وقوت من في نفقته إلخ ) وليس من الفاضل ما جرت به العادة من تهيئة ما اعتيد من الكعك والنقل ونحوهما فوجود ما زاد منه على يوم العيد وليلته لا يقتضي وجوبها عليه فإنه بعد وقت الغروب غير واجد لزكاة الفطر وإنما قلنا بذلك لما قيل في كتاب النفقات من أنه يجب على الزوج تهيئة ما يليق بحاله من ذلك لزوجته ع ش عبارة شيخنا ولا يلزمه بيع ما هيأه للعيد من كعك وسمك ونقل كلوز وجوز وزبيب وتمر وغير ذلك ا هـ قول المتن ( شيء ) أي يخرجه في فطرته نهاية ومغني قول المتن ( فمعسر ) ولو تكلف المعسر باقتراض أو غيره وأخرجها هل يصح الإخراج وتقع زكاة كما لو تكلف من لم يجب عليه الحج فإنه يصح ويقع عن فرضه فيه نظر ويحتمل أنه كذلك فليراجع سم على المنهج وقياس الاعتداد به أو ندبه حيث أخرج بعد يساره مع عدم الوجوب عليه أنه كذلك فيما لو تكلف بقرض أو نحوه وأخرج ع ش ( قوله ؛ لأن القوت إلخ ) أي وإنما اعتبر الفضل عما ذكر ؛ لأن إلخ إيعاب .

                                                                                                                              ( قوله إخراجها ) هل تقع حينئذ واجبة سم ونقل ع ش عن العباب أنها تقع واجبة لكن عبارة العباب لا تفيده كما يظهر بالمراجعة ( قوله أنه لا يجب الكسب إلخ ) وهو كذلك كما صرح به الرافعي في كتاب الحج وأنه لا يشترط كون المؤدى فاضلا عن رأس ماله [ ص: 313 ] وضيعته ولو تمسكن بدونهما ويفارق المسكن والخادم بالحاجة الناجزة نهاية ومغني وعباب قال ع ش قوله م ر وهو كذلك ومثله بالأولى الولي إذا قدر على التحصيل بالدعاء أو نحوه فإنه لا يكلف ذلك ؛ لأن الأمور الخارقة للعادة لا تبنى عليها الأحكام وقوله م ر وضيعته وكالضيعة الوظيفة التي يستغلها فيكلف النزول عنها إن أمكن ذلك بعوض على العادة في مثلها ع ش .

                                                                                                                              ( قوله في الابتداء ) سيذكر محترزه ( قوله عن دين إلخ ) وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا للنهاية والمغني وع ش وشيخنا ( قوله ويفارق ) أي الدين هنا حيث يمنع الوجوب إذا لم يكن المخرج فاضلا عنه ( قوله أن الدين إلخ ) بيان لما يأتي و ( قوله بتعلقها إلخ ) متعلق بقوله ويفارق ( قوله وعن دست ثوب إلخ ) إلى قوله وإن ألفه في النهاية والمغني إلا قوله لتعديه إلى وخرج ( قوله وعن دست ثوب إلخ ) ومنه قميص وسراويل وعمامة ومكعب وما يحتاج إليه من زيادة للبرد والتحمل مما يترك للمفلس شرح بافضل وفي الكردي عليه وزاد في الفلس في الإيعاب ودراعة يلبسها فوق القميص وتكة ومنديل وقلنسوة تحت العمامة وطيلسان وخف وكل ما اعتاده وأزرى به فقد يترك له أو يشترى له ويترك له ما يحتاج إليه للبرد وإن كان زمن صيف لا يحتاج فيه إليه ؛ لأنه بصدد الاحتياج إليه شتاء انتهى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لائق به وبممونه ) أي منصبا ومروءة قدرا ونوعا زمانا ومكانا كما هو واضح إيعاب قال الكردي على بافضل بعد ذكر ذلك عنه ما نصه ويفهم منه ومن غيره مما بينته في الأصل أنه لا بد أن يكون المخرج زائدا عما جرت به عادة أمثاله من التجمل به يوم العيد وهو ظاهر ا هـ وفي باعشن ما يوافقه ( قوله وعن لائق به إلخ ) فيه مع ما قبله شبه تكرار ولو قال وعن لائق به وبممونه من دست ثوب ونحو مسكن إلخ لسلم منه ( قوله من نحو مسكن إلخ ) أي ولو مستأجرا له مدة طويلة ثم الأجرة إن كان دفعها للمؤجر واستأجر بعينها فلا حق له فيها فهو معسر وإن كانت في ذمته فهي دين عليه وهو لا يمنع الوجوب على المعتمد والمنفعة وإن كانت مستحقة له بقية المدة لا يكلف نقلها عن ملكه بعوض كالسكن لاحتياجه لها ع ش قول المتن .

                                                                                                                              ( يحتاج إليه ) نعم إن أمكنه الاستغناء عن المسكن لاعتياده السكنى بالأجرة أو لتيسر مسكن مباح بنحو مدرسة فلا يبعد أن يأتي هنا نظير ما سيجيء في الحج إيعاب أي من أنه يلزمه صرف النقد الذي معه للحج ( قوله كما في الكفارة إلخ ) وقياس ما يأتي في التفليس وقسم الصدقات أنه يترك له هنا أيضا نحو كتب الفقه بتفصيلها الآتي وهو غير بعيد ولو كان معه مال يحتاج لصرفه إلى الخادم أو المسكن فكالعدم إيعاب وباعشن ( قوله أما لو ثبتت الفطرة إلخ ) محترز في الابتداء سم ( قوله لا لعمله في أرضه إلخ ) قاله في المجموع ويقاس به حاجة المسكن نهاية أي فيقال هي أن يحتاجه لسكنه أو سكن من تلزمه مؤنته لا لحبس دوابه أو خزن تبن مثلا لها فيه ع ش .

                                                                                                                              ( قوله غيره ) أي النفيس من الثوب ونحو المسكن والخادم كردي على بافضل ( قوله وإن ألفه ) أي غير اللائق معتمد ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية