الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو اشترك موسر ومعسر في عبد ) أو أمة نصفين مثلا [ ص: 326 ] ( لزم الموسر نصف صاع ) ولا يلزم المعسر شيء ( ولو أيسرا ) أي الشريكان ( واختلف واجبهما ) باختلاف موت محليهما بناء على الضعيف أن العبرة ببلديهما كما أفاده كلام المجموع وغيره ولعله أغفله هنا وفي الروضة للعلم به مما قدمه أن العبرة بقوت بلد العبد ( أخرج كل واحد نصف صاع من واجبه في الأصح والله أعلم ) ولا تبعيض للصاع حينئذ ؛ لأن كلا أخرج جميع ما لزمه من جنس واحد .

                                                                                                                              أما على الأصح أن العبرة ببلد المؤدى عنه فيخرج كل من قوت محل الرقيق وأول بعضهم المتن ليوافق المعتمد المذكور بأن الضمير في واجبه يعود للعبد وهو فاسد معنى ولفظا كما لا يخفى وأولى منه تأويل الإسنوي له بحمله على ما إذا كان وقت الوجوب بمحل لا قوت فيه واستوى محل سيديه الذي فيه قوت إليه لما مر أن العبرة في هذا بأقرب محل قوت إليه فهنا واجب كل منهما هو واجبه فيخرج كل حصته من واجب نفسه قال وحيث أمكن تنزيل كلام المصنفين على تصوير صحيح لا يعدل إلى تغليطهم وظاهره تعين إخراج كل من قوت بلده وليس كذلك بل كل مخير [ ص: 327 ] بين الإخراج من أي البلدين شاء وأما الجواب بأن الغرض هنا فيما إذا كانا ببلدين وصورة ما قدمه أن العبرة بقوت بلد العبد إذا كان ببلد واحد ولا يلزم من اعتبار قوته في هذه اعتباره فيما قبلها والفرق تعلق الزكاة بمحلين هنا لا ثم وتعلقها بمحلين يقتضي جواز نقلها كما لو ملك عشرين شاة ببلد وعشرين ببلد يجوز إخراج الشاة بأحد البلدين فكذلك هنا يسقط تعلق فقراء أحد البلدين بذمة المالكين بخلاف ما إذا كانا ببلد واحد فهو بعيد جدا والفرق المذكور مجرد خيال لا يعول عليه ويفرق بين ما هنا ومسألة الشياه بأن الزكاة هنا متعلقة بالعين المنقسمة في البلد فلفقراء كل تعلق بها وشركة فيها لكن لما عسر التشقيص وساءت المشاركة جاز تخصيص الواجب بفقراء أحدهما وثم ليست متعلقة بالمالكين المنقسمين إلا على الضعيف أنهما المخاطبان بالفرض أو لا ؟ فعلى هذا يتجه القياس على مسألة الشياه وأما على المعتمد أنها لزمت العبد أولا فهو بمحل واحد ولا تعدد فيه فلا جامع بينه وبين مسألة الشياه بوجه فالقياس عليها حينئذ اشتباه من تفريع الضعيف فهو فاسد كما لا يخفى على متأمل

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في المتن ولو أيسرا إلخ ) قال في الروض والمبعض ومن في نفقة والديه كالعبد مع السيدين ا هـ قال في شرحه فلا يجوز التبعيض في فطرتهما ويخرج من غالب قوت بلديهما ( قوله وأول بعضهم إلخ ) على هذا التأويل لا معنى لقول المصنف واختلف واجبهما إذ اتفاقه كاختلافه على هذا ( قوله وهو فاسد معنى ولفظا كما لا يخفى ) يحتمل أنه أراد بالفساد معنى أنه لا دخل لاختلاف واجبهما في وجوب الإخراج من واجب العبد فتقييد وجوب الإخراج من واجبه باختلاف واجبهما مما لا معنى له وأن مفهومه أنه إذا اتحد واجبهما لا يجب الإخراج من واجب العبد وليس كذلك على هذا التقدير وبالفساد لفظا بعد الحمل على ذلك لعدم ذكر العبد الذي هو مرجع الضمير في هذه الجملة وهي قوله ولو أيسرا إلخ وفيه نظر إذ لا بعد مع اتحاد سياق الكلام .

                                                                                                                              ( قوله وأولى منه تأويل الإسنوي إلخ ) وفي شرح الإرشاد للشارح والأولى تأويل عبارتهما أي الروضة والمنهاج بحملهما على ما قدمته من أن المؤدى عنه إذا كان غير مكلف اعتبر قوت بلد المؤدي وحينئذ فكلامهما هنا في رقيق غير مكلف فيجوز التبعيض حينئذ ا هـ وقوله اعتبر بلد المؤدي أي ؛ لأن الوجوب في هذه الحالة إنما يلاقي المؤدي ابتداء كما صرح به قبيل هذا الكلام وكذا صرح به في شرح الروض وادعى فيه القطع ويحتمل أن يناقش في ذلك بأنه لا مانع من ملاقاة الوجوب لغير المكلف إذا كان لا يستقر والمحذور إنما هو ملاقاة ما يستقر ولا يخفى ما فيه فليتأمل ( قوله فيخرج كل حصته من واجب نفسه ) أي وإن لزم تبعيض الصاع هنا فيكون مستثنى من منع تبعيض الصاع ( قوله قال وحيث أمكن إلى قوله لا يعدل إلى تغليطهم ) قضيته أنه بدون التأويل غلط وليس كذلك فإن التفريع على أحد القولين وإن كان مرجوحا لا يكون غلطا ( قوله وليس كذلك بل كل مخير إلخ ) ظاهره أنه سلم له ما اقتضاه كلامه من أن كلا له أن يخرج من واجب نفسه وإن لزم [ ص: 327 ] تبعيض الصاع وفيه نظر ومخالفة لإطلاقهم أنه لا يبعض لذلك إخراج كل منهما من قوت إحدى البلدين كما لو كان الحر في محل لا قوت فيه واستوى إليه بلدان فإنه يتخير ولا يبعض كما هو ظاهر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( في عبد ) أي رقيق والمعسر محتاج إلى خدمته [ ص: 326 ] و ( قوله لزم الموسر إلخ ) أي ؛ لأنه الواجب عليه هذا إذا لم يكن بينهما مهايأة فإن كان وصادف زمن الوجوب نوبة الموسر لزمه الصاع كما مرت الإشارة إليه أو المعسر فلا شيء عليه كالمبعض المعسر مغني ونهاية وإيعاب قول المتن ( ولو أيسرا إلخ ) قال في الروض والمبعض ومن في نفقة والديه كالعبد مع السيدين انتهى قال في شرحه فلا يجوز التبعيض في فطرتهما وتخرج من غالب قوت بلديهما انتهى ا هـ سم عبارة العباب فإن كان عبدهما بغير بلدهما أخرجا فطرته من قوت بلده وكذا المبعض ومن في نفقة والديه ا هـ .

                                                                                                                              قال الشارح في شرحه كما اعتمده جمع متأخرون كالسبكي والإسنوي والأذرعي والبلقيني والزركشي وقال المحاملي إنه مذهب الشافعي وجزم به في الشرح الصغير وكذا في المجموع وحينئذ فلا يجوز التبعيض في المسائل الثلاث ومما يصرح به قول المنهاج وأصله ولو كان عبده ببلد آخر فالأصح إلخ كما في الروضة فيها والمنهاج في العبد من جواز التبعيض مفرع على الضعيف أنها تجب ابتداء على المؤدي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كما أفاده ) أي البناء على الضعيف .

                                                                                                                              ( قوله ولعله ) أي المصنف ( أغفله ) أي ترك التنبيه على ذلك البناء ( هنا ) أي في المنهاج و ( قوله للعلم به ) أي بالبناء المذكور ( مما قدمه ) أي هنا وفي الروضة و ( قوله أن العبرة إلخ ) بيان لما قدمه ( قوله المعتمد إلخ ) أي من أن العبرة ببلد المؤدى عنه فيخرج إلخ ( قوله وهو فاسد معنى ) أي ؛ لأنه لا معنى حينئذ لقول المصنف واختلف واجبهما إذ اتفاقه كاختلافه على هذا في وجوب الإخراج من واجب العبد و ( قوله ولفظا ) يحتمل أنه أراد به عدم ذكر العبد الذي هو مرجع الضمير في هذه الجملة وهي قوله ولو أيسرا إلخ وفيه نظر إذ لا بعد مع اتحاد سياق الكلام سم ويحتمل أن الفساد اللفظي صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر بلا قرينة ومجرد فساد المعنى لا يصلح أن يكون قرينة كما تقرر في محله .

                                                                                                                              ( قوله تأويل الإسنوي له إلخ ) اقتصر صاحب المغني والنهاية على حمل المتن عليه وقالا إن الحمل عليه أولى من بنائه على الضعيف بصري ( قوله فيخرج كل حصته إلخ ) أي وإن لزم تبعيض الصاع فيكون مستثنى من منع تبعيض الصاع سم ( قوله وظاهره ) أي تأويل الإسنوي ( قوله وليس كذلك إلخ ) ظاهره أنه سلم له ما اقتضاه كلامه من أن كلا له أن يخرج من واجب نفسه وإن لزم تبعيض الصاع وفيه نظر ومخالفة لإطلاقهم أنه لا يبعض الصاع والموافق لذلك إخراج كل منهما من قوت أحد البلدين كما لو كان الحر [ ص: 327 ] في محل لا قوت فيه واستوى إليه بلدان فإنه يتخير ولا يبعض كما هو ظاهر سم .

                                                                                                                              ( قوله بين الإخراج إلخ ) الأولى في الإخراج ( قوله بأن الفرض ) بالفاء ( قوله إذا كانا ) أي السيدان ( قوله أن العبرة إلخ ) بيان لما ( قوله فهو بعيد إلخ ) جواب وأما الجواب إلخ ( قوله هنا ) أي في مسألة الشياه ( قوله وثم إلخ ) عطف على قوله هنا والمشار إليه مسألة اشتراك الموسرين ( قوله فعلى هذا ) أي الضعيف ( قوله كما لا يخفى إلخ ) ( خاتمة )

                                                                                                                              لو اشترى عبدا فغربت الشمس ليلة الفطر وهما في خيار مجلس أو شرط ففطرته على من له الملك بأن يكون الخيار لأحدهما وإن لم يتم له الملك فإن كان الخيار لهما ففطرته على من يئول له الملك ومن مات قبل الغروب عن رقيق ففطرة رقيقه على ورثته كل بقسطه ولو استغرق الدين التركة ؛ لأنه ملكه وقت الوجوب وإن مات قبل الغروب عن أرقاء فالفطرة عنه وعنهم في التركة مقدمة على الوصية والميراث والدين وإن مات بعد وجوب فطرة عبد أوصى به لغيره قبل وجوبها وجبت في تركته لبقائه وقت الوجوب على ملكه وإن مات قبل وجوبها وقبل الموصى له الوصية ولو بعد وجوبها فالفطرة على الموصى له ؛ لأنه بالقبول يتبين أنه ملكه من حين موت الموصي وإن رد الوصية فعلى الوارث فطرته لبقائه وقت الوجوب على ملكه فلو مات الموصى له قبل القبول وبعد وجوب الفطرة فوارثه قائم مقامه في الرد والقبول فإن قيل وقع الملك للميت وفطرة الرقيق في التركة إن كان للميت تركة وإلا بيع منه جزء فيها وإن مات قبل وجوبها أو معه فالفطرة على ورثته عن الرقيق إن قبلوا الوصية ؛ لأنه وقت الوجوب كان في ملكهم مغني ونهاية وشرح الروض زاد شرح العباب ومثل ذلك يأتي في الهبة فلو وجبت بعد الهبة وقبل القبض فهي على الواهب كما في المجموع ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية