الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه ) الشامل لدماغه أو باطنه ( فالمذهب أنه إن بالغ ) مع تذكره للصوم وعلمه بعدم مشروعية ذلك ( أفطر ) ؛ لأن الصائم منهي عن المبالغة كما مر ويظهر ضبطها بأن يملأ فمه أو أنفه ماء بحيث يسبق غالبا إلى الجوف ومثل ذلك سبق الماء في غسل تبرد أو تنظف وكذا دخول جوف منغمس من نحو فمه أو أنفه لكراهة الغمس فيه كالمبالغة ومحله إن لم يعتد أنه يسبقه وإلا أثم وأفطر قطعا ( وإلا ) يبالغ [ ص: 407 ] ( فلا ) يفطر ما لم يزد على المشروع لعذره بخلاف ما إذا سبقه من نحو رابعة وهو ذاكر للصوم عالم بعدم مشروعيتها للنهي عنها كالمبالغة نعم لو تنجس فمه فبالغ في غسله فسبقه لجوفه لم يفطر لوجوب المبالغة عليه لينغسل كل ما في حد الظاهر من الفم وينبغي أن الأنف كذلك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في المتن ولو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلخ ) لو لم يكن حصول أصل المضمضة أو الاستنشاق إلا بالسبق فلا يبعد حينئذ الفطر بالسبق منهما وعدم ندبهما بل حرمتهما ؛ لأن مصلحة الواجب مقدمة على تحصيل المندوب ثم وقع البحث مع م ر فوافق على ذلك .

                                                                                                                              ( قوله ويظهر ضبطها بأن يملأ فمه أو أنفه ماء إلخ ) قد يقال ظاهر كلامهم ضرر السبق بالمبالغة المعروفة وإن لم يملأ فمه أو أنفه كما ذكر ( قوله وكذا دخوله جوف منغمس ) أي : ولو في غسل واجب ( قوله من فمه ) قياس ذلك أو أذنه ( قوله وألا يبالغ فلا ) في [ ص: 407 ] العباب ولا إن وضع شيئا بفيه عمدا أي : لغرض كما تقدم في الحاشية ثم ابتلعه ناسيا أي : لا يفطر بذلك قال الشارح في شرحه كما في الأنوار ويوجه بأن الناسي لا فعل له يعتد به فلا تقصير ومجرد تعمد وضعه في فيه لا يعد تقصيرا ؛ لأن النسيان لا يتسبب عنه بخلاف السبق اعتمد م ر أنه لا يضر السبق أيضا فإنه ينشأ عن الوضع أو الغمس عادة وبهذا فارق ما مر في سبق الماء في نحو التبرد والانغماس واتجه من خلاف أطلقه في المجموع فيما لو وضع ماء في فمه أو أنفه بلا غرض فسبق إلى جوفه أنه يفطر لتقصيره بالوضع العبث المسبب عنه السبق ا هـ . وقضية قوله بخلاف السبق إلخ أن السبق يضر وإن كان الوضع لغرض خلاف قضية قوله لتقصيره بالوضع العبث إلخ ويوافق الأول إطلاق قوله الآتي قبيل الفصل ولا يعذر هنا بالسبق أيضا والحال ما ذكر أي : إن كان الوضع لغرض فليحرر .

                                                                                                                              ( قوله ما لم يزد على المشروع إلخ ) قال م ر في شرحه بخلاف سبق مائهما غير المشروعين كأن جعل الماء في فمه أو أنفه لا لغرض وبخلاف سبق ماء غسل التبرد والمرة الرابعة وخرج بما قررناه سبق ماء الغسل من حيض أو نفاس أو جنابة أو من غسل مسنون ولو بالانغماس ؛ لأن الغسل مطلوب في نفسه وكراهة الانغماس لا تخرجه عن كونه في نفسه مطلوبا م ر فلا يفطر به كما أفتى به شيخنا الشهاب الرملي ومنه يؤخذ أنه لو غسل أذنيه في الجنابة ونحوها فسبق الماء إلى الجوف منهما لا يفطر ولا نظر إلى إمكان إمالة الرأس بحيث لا يدخل شيء لعسره وينبغي كما قاله الأذرعي أنه لو عرف من عادته أنه يصل الماء منه إلى جوفه أو دماغه بالانغماس ولا يمكنه التحرز عنه أنه يحرم الانغماس ويفطر قطعا نعم محله إذا تمكن من الغسل لا على تلك الحالة وإلا فلا يفطر شرح م ر ( قوله نعم لو تنجس فمه فبالغ في غسله فسبقه إلخ ) لو لم يمكن تطهير فمه إلا على وجه يستلزم السبق إلى الجوف ووجبت الصلاة فهل يصح صومه مع ذلك ويغتفر السبق ؛ لأنه يكره شرعا على [ ص: 408 ] التطهر الموجب للسبق أو يبطل صومه كما في مسألة نزع الخيط حيث لم يتفق نزع غيره له بأنه يجب عليه نزعه تقديما لمصلحة الصلاة ويبطل صومه فيه نظر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ولو سبق ماء المضمضة إلخ ) ولو لم يمكن حصول أصل المضمضة أو الاستنشاق إلا بالسبق فلا يبعد حينئذ الفطر بالسبق منهما وعدم ندبهما بل حرمتهما ؛ لأن مصلحة الواجب مقدمة على تحصيل المندوب ثم وقع البحث مع م ر فوافق على ذلك سم .

                                                                                                                              ( قوله أو باطنه ) كذا في أصله رحمه الله تعالى وكان الظاهر الإتيان بالواو بدل أو بصري ( قوله كما مر ) أي : في الوضوء ( قوله ويظهر ضبطها بأن يجعل بفمه أو أنفه ماء إلخ ) قد يقال ظاهر كلامهم ضرر السبق بالمبالغة المعروفة وإن لم يملأ فمه أو أنفه كما ذكر سم على حج ا هـ ع ش ( قوله بحيث يسبق غالبا إلخ ) أي : لكثرته ويظهر أن مثله ما لو كان الماء قليلا لكنه بالغ في إدارته في الفم وجذبه في الأنف إدارة وجذبا يسبق معهما الماء غالبا بصري ( قوله وكذا دخوله جوف منغمس إلخ ) أي ولو في غسل واجب و ( قوله من نحو فمه إلخ ) قياس ذلك أو أذنه سم عبارة النهاية والمغني كما قاله الأذرعي أنه لو عرف من عادته أنه يصل الماء منه إلى جوفه أو دماغه بالانغماس ولا يمكنه التحرز عنه أنه يحرم الانغماس ويفطر قطعا نعم محله إذا تمكن من الغسل لا على تلك الحالة وإلا فلا يفطر فيما يظهر ا هـ قال ع ش قوله م ر أنه لو عرف من عادته إلخ يؤخذ منه أن المدار على غلبة الظن فحيث غلب على ظنه سبق الماء بالانغماس أفطر بوصول الماء إلى جوفه وإلا فلا وقضية قوله م ر وبخلاف سبق ماء غسل التبرد إلخ خلافه ؛ لأن الانغماس غير مأمور به ويصرح به قول حج وكذا دخوله جوف منغمس إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ومحله إلخ ) أي : محل قوله وكذا دخوله إلخ ( قوله وألا يبالغ فلا ) وفي العباب ولا إن وضع شيئا بفيه عمدا أي لغرض كما تقدم في الحاشية ثم ابتلعه ناسيا أي : لا يفطر بذلك قال الشارح في شرحه كما في الأنوار ويوجه بأن الناسي لا فعل له يعتد به فلا تقصير ومجرد تعمد وضعه في فيه لا يعد تقصيرا ؛ لأن النسيان لا يتسبب عنه بخلاف السبق فإنه ينشأ عن الوضع أو الغمس عادة ا هـ وقضيته أن السبق يضر وإن كان الوضع لغرض لكن قال م ر لا يفطر [ ص: 407 ] السبق والحال ما ذكر إن كان الوضع لغرض فليحرر سم ( قوله فلا يفطر إلخ ) أي : ؛ لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره أما سبق ماء غير المشروع كأن جعل الماء في فمه أو أنفه لا لغرض أو سبق ماء غسل التبرد أو المرة الرابعة من المضمضة أو الاستنشاق فإنه يفطر ؛ لأنه غير مأمور بذلك بل منهي عنه في الرابعة مغني زاد النهاية وخرج بما قررناه سبق ماء الغسل من حيض أو نفاس أو جنابة أو من غسل مسنون فلا يفطر به كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ومنه يؤخذ أنه لو غسل أذنيه في الجنابة ونحوها فسبق الماء إلى جوفه منهما لا يفطر ولا نظر إلى إمكان إمالة الرأس بحيث لا يدخل شيء لعسره شرح م ر ا هـ سم قال ع ش قوله ؛ لأنه غير مأمور بذلك قضيته تخصيص الغرض المسوغ لوضعه في فمه بحيث يمنع من الإفطار بالمأمور به وعليه فليتأمل معنى الغرض فيما نقله عن الأنوار فيما مر من قوله وفيه لو وضع شيئا في فمه عمدا أي : لغرض بقرينة ما يأتي ثم رأيت في سم على حج صوره بما لو وضعه لنحو الحفظ وكان مما جرت العادة بوضعه في الفم ا هـ وينبغي أن من النحو ما لو وضع الخبز في فمه لمضغه لنحو الطفل حيث احتاج إليه أو وضع شيئا في فمه لمداواة أسنانه به حيث لم يتحلل منه شيء أو لدفع غثيان خيف منه القيء ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله من نحو رابعة ) أي يقينا بخلاف ما لو شك هل أتى باثنتين أو ثلاث فزاد أخرى فالمتجه أنه لا يضر دخول مائها سم على البهجة ا هـ ع ش أي : كما يفيده قول الشارح للنهي إلخ ( قوله كالمبالغة ) .

                                                                                                                              فرع : أكل أو شرب ليلا كثيرا وعلم من عادته أنه إذا أصبح حصل له جشاء يخرج بسببه ما في جوفه هل يمتنع عليه كثرة ما ذكر أم لا فيه نظر والجواب عنه بأنه لا يمنع من كثرة ذلك ليلا وإذا أصبح وحصل له الجشاء المذكور يلفظه ويغسل فمه ولا يفطر وإن تكرر منه ذلك مرارا كمن ذرعه القيء ويؤيده ما ذكره الشارح م ر في قوله الآتي وهل يجب عليه الخلال ليلا إلخ ع ش ( قوله نعم لو تنجس فمه إلخ ) لو لم يمكن تطهير فمه إلا على وجه يستلزم السبق إلى الجوف ووجبت الصلاة فهل يصح صومه مع ذلك ويغتفر السبق ؛ لأنه يكره شرعا على التطهر الموجب للسبق أو يبطل صومه كما في مسألة نزع الخيط حيث لم يتفق نزع غيره له فإنه يجب عليه نزعه تقديما لمصلحة الصلاة ويبطل صومه فيه نظر قاله سم ، ثم قال قوله لم يفطر ينبغي ولو تعين السبق بالمبالغة وعلم بذلك للضرورة م ر ا هـ سم وقدمنا عن النهاية في مسألة الانغماس ما يفيده .




                                                                                                                              الخدمات العلمية