الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ومن أخر قضاء رمضان [ ص: 445 ] مع إمكانه ) بأن خلا عن السفر والمرض قدر ما عليه بعد يوم عيد الفطر في غير يوم النحر وأيام التشريق ( حتى دخل رمضان آخر لزمه مع القضاء لكل يوم مد ) ؛ لأن ستة من الصحابة رضي الله عنهم أفتوا بذلك ولا يعرف لهم مخالف أما إذا لم يخل كذلك فلا فدية ؛ لأن تأخير الأداء بذلك جائز فالقضاء أولى نعم نقلا عن البغوي وأقراه أن ما تعدى بفطره يحرم تأخيره بعذر السفر وإذا حرم كان بغير عذر فتجب الفدية وخالف جمع فقالوا لا فرق بين المتعدى به وغيره نعم قال الأذرعي لو أخره لنسيان أو جهل فلا فدية كما أفهمه كلامهم ومراده الجهل بحرمة التأخير وإن كان مخالطا للعلماء لخفاء ذلك لا بالفدية فلا يعذر بجهله بها نظير ما مر فيما لو علم حرمة نحو التنحنح وجهل البطلان وأفهم المتن أنها هنا للتأخير وفي الكبر لأصل الصوم والحامل والمرضع لفضيلة الوقت ( والأصح تكرره ) [ ص: 446 ] أي المد عن كل يوم ( بتكرر السنين ) ؛ لأن الحقوق المالية لا تتداخل ولو أخرجها عقب كل عام تكررت قطعا ( و ) الأصح ( أنه لو أخر القضاء مع إمكانه ) حتى دخل رمضان آخر ( فمات أخرج من تركته لكل يوم مدان مد للفوات ) إن لم يصم عنه أو على الجديد ( ومد للتأخير ) ؛ لأن كلا منهما موجب عند الانفراد فكذا عند الاجتماع ويفرق بينه وبين الهم إذا لم يخرج الفدية أعواما فإنها لا تتكرر بأن المد فيه للفوات كما مر وهو لم يتكرر وهنا للتأخير وهو غير الفوات هذا إن أخر سنة فقط وإلا تكرر مد التأخير كما مر .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في المتن ومن أخر قضاء رمضان إلخ ) أما القن فلا تلزمه الفدية قبل العتق بتأخير القضاء كما أخذه بعض المتأخرين من كلام الرافعي في نظيره ؛ لأن هذه فدية مالية لا مدخل للصوم فيها والعبد ليس من أهلها لكن هل تجب عليه بعد عتقه الأوجه عدم الوجوب وقيل نعم أخذا من قولهم ولزمت ذمة حر عاجز وما فرق به البغوي من أنه لم يكن من أهل الفدية وقت الفطر بخلاف الحر صحيح وإن زعم بعضهم أنه يمكن الجواب عنه بأن العبرة في الكفارة بوقت الأداء لا بوقت الوجوب لظهور الفرق وهو أن المكفر ثم من أهل الوجوب في حالتيه وإنما اختلف وصفه بخلاف ما هنا فإنه غير أهل لالتزام الفدية وقت الوجوب شرح م ر قال في شرح الروض وأفهم كلامه كأصله أنه لو فاته شيء بلا عذر وأخر قضاءه بسفر أو نحوه لم تلزمه الفدية وبه صرح المتولي وسليم الرازي لكن سيأتي في صوم التطوع تبعا لما نقله الأصل عن التهذيب وأقره [ ص: 445 ] أن التأخير لقضاء الفائت بلا عذر للسفر حرام وقضيته لزومها ا هـ قضية ذلك أنه على أنه ليس بحرام لا لزوم .

                                                                                                                              ( قوله في المتن مع إمكانه ) ينبغي اعتبار هذا القيد في المتكرر بتكرر السنين ( قوله في المتن لزمه إلخ ) قال في العباب إن لم يوجب فطره كفارة قال في شرحه أما إذا أوجب فطره كفارة فلا فدية كما رجحه القاضي حيث قال هنا إذا لم يكن فطره موجبا كفارة فإن كان كالجماع ولم يقض حتى دخل رمضان آخر فهل يلزمه للتأخير فدية فيه جوابان الظاهر أنه لا يلزمه ؛ لأنه قد لزم في هذا اليوم كفارة فلا يجتمع اثنان والثاني يلزمه ؛ لأن الفدية للتأخير والكفارة للهتك ا هـ والذي يتجه هو الثاني إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لزمه مع القضاء لكل يوم مد ) أي : وهو آثم شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله وخالف جمع فقالوا لا فرق ) واقتضاه كلامهما كغيرهما شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله نعم قال الأذرعي لو أخره إلخ ) وسبقه لذلك الروياني لكن خصه بمن أفطر لعذر والأوجه عدم الفرق وبحث بعضهم سقوط الإثم به دون الفدية ومثلهما الإكراه وموته أثناء يوم يمنع تمكنه فيه شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله أو جهل ) أي : بتحريم التأخير .

                                                                                                                              ( قوله أنها هنا للتأخير ) ولو عجل فدية التأخير ليؤخر القضاء مع الإمكان أجزأته وإن حرم عليه التأخير شرح م ر وله تعجيل فدية كل يوم عنه فقط ؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة ا هـ م ر فراجعه .

                                                                                                                              ( قوله في المتن والأصح تكرره إلخ ) ينبغي اعتبار كون التأخير مع الإمكان في بقية الأعوام أيضا .

                                                                                                                              ( قوله [ ص: 446 ] ولو أخرجها عقب كل عام تكررت قطعا ) عبارة الإسنوي ومحل هذا الخلاف فيما إذا لم يكن قد أخرج الفدية فإن أخرجها ثم لم يقض حتى دخل رمضان آخر وجب ثانيا بلا خلاف وهكذا حكم العام الثالث والرابع فصاعدا إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله هذا إن أخر إلخ ) راجع للمتن .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ومن أخر إلخ ) أي : من الأحرار كلا أو بعضا ولا فرق في الثاني بين أن يكون بينه وبين سيده مهايأة وأن لا تكون ع ش عبارة النهاية وأما القن فلا تلزمه الفدية قبل العتق بتأخير القضاء كما أخذه بعض المتأخرين من كلام الرافعي في نظيره ؛ لأن هذه فدية مالية لا مدخل للصوم فيها والعبد ليس من أهلها لكن هل تجب عليه بعد عتقه الأوجه عدم الوجوب ا هـ قول المتن ( قضاء رمضان ) أي : [ ص: 445 ] أو شيئا منه نهاية ومغني قول المتن ( مع إمكانه ) ينبغي اعتبار هذا القيد في المتكرر بتكرر السنين سم .

                                                                                                                              ( قوله بأن خلا ) إلى قوله ومراده في النهاية والمغني .

                                                                                                                              ( قوله عن السفر ) أي وعن الحمل والإرضاع ع ش أي : وعن الإنقاذ .

                                                                                                                              ( قوله قدر ما عليه إلخ ) عبارة النهاية وقضية كلامهما أنه لو شفي أو أقام مدة تمكن فيها من القضاء ثم سافر في شعبان ولم يقض فيه لزوم الفدية وهو ظاهر وإن نظر فيه الإسنوي ا هـ قول المتن ( لزمه إلخ ) ويأثم بهذا التأخير كما في المجموع مغني ونهاية وإيعاب ويأتي في الشرح ما يفيده قول المتن ( لزمه إلخ ) قال في العباب إن لم يوجب فطره كفارة وقال الشارح في شرحه وأما إذا أوجب فطره كفارة كالجماع فلا فدية كما رجحه القاضي من احتمالين والذي يتجه هو الثاني ومن ثم أطلق الشيخان وغيرهما اللزوم ولم يعتدوا بترجيح القاضي المذكور انتهى ا هـ سم ( قوله ولا يعرف لهم مخالف ) أي : فصار إجماعا سكوتيا .

                                                                                                                              ( قوله أما إذا لم يخل كذلك إلخ ) أي كأن استمر مسافرا أو مريضا أو المرأة حاملا أو مرضعا حتى دخل رمضان القابل مغني ونهاية وإيعاب قال ع ش وينبغي أن من التأخير بعذر ما لو نذر صوم شعبان في كل سنة وفاته شيء من رمضان ولم يتمكن من قضائه حتى دخل شعبان فيعذر في تأخير قضاء رمضان إلى شوال مثلا ؛ لأن صوم شعبان استحق عليه بالنذر قبل استحقاق صومه عن القضاء ا هـ وهو ظاهر فيما إذا سبق النذر على الفوات كما يفيده التعليل وإلا ففيه توقف فليراجع .

                                                                                                                              ( قوله بعذر السفر ) أي : ونحوه إيعاب .

                                                                                                                              ( قوله فتجب الفدية ) اعتمده المغني وإليه ميل الأسنى والإيعاب .

                                                                                                                              ( قوله وخالف جمع إلخ ) اعتمده النهاية قال الكردي على بافضل وإليه يميل الإمداد ولم يصرح التحفة بترجيح ا هـ أي : وميله إلى الأول .

                                                                                                                              ( قوله نعم قال الأذرعي إلخ ) عبارة المغني قال الأذرعي وينبغي أن يستثنى من الكتاب ما إذا نسي القضاء أو جهله حتى دخل رمضان آخر فإنه لا فدية عليه كما أفهمه كلامهم ا هـ والظاهر أنه إنما يسقط بذلك الإثم لا الفدية ا هـ وعبارة النهاية وسبقه أي : الأذرعي لذلك أي الاستثناء الروياني لكن خصه بمن أفطر بعذر وإلا وجه عدم الفرق وبحث بعضهم سقوط الإثم به دون الفدية ومثلهما الإكراه كما في نظائر ذلك وموته أثناء يوم يمنع تمكنه فيه ا هـ قال ع ش قوله م ر والأوجه عدم الفرق أي : بين من أفطر لعذر وغيره فكل من الجهل والنسيان عذر مطلقا وقوله م ر وموته أثناء يوم أي : ولو كان مفطرا وقوله يمنع تمكنه فيه أي : فلا يكون سببا في تكرر الفدية ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أو جهل ) أي بتحريم التأخير سم ويأتي في الشرح مثله وظاهر ما مر عن المغني حمله على ظاهره وهو الجهل بوجوب القضاء ( قوله أو جهل ) أي : أو أكره كما هو ظاهر . إيعاب ( قوله كما أفهمه كلامهم ) وفاقا للإيعاب والنهاية وخلافا للمغني كما مر .

                                                                                                                              ( قوله ومراده ) إلى قوله وأفهم إلخ ذكر ع ش مثله عن الزيادي عن الشارح وأقره .

                                                                                                                              ( قوله لا بالفدية ) أي : أو بوجوب القضاء كما مر عن المغني .

                                                                                                                              ( قوله وأفهم ) إلى المتن في المغني .

                                                                                                                              ( قوله أنها ) أي : الفدية .

                                                                                                                              ( قوله وفي الكبر ) أي ونحوه [ ص: 446 ] مغني .

                                                                                                                              ( قوله أي المد ) إلى قوله ويجوز في المغني والنهاية .

                                                                                                                              ( قوله أي : المد إلخ ) أي : إذا لم يخرجه نهاية ومغني قول المتن ( بتكرر السنن ) أي : بقيده المار في كلام المصنف وهو الإمكان فلا يكفي لتكرر الفدية وجود الإمكان في العام الأول فقط بل يعتبر الإمكان في كل عام ع ش وسم قول المتن ( مع إمكانه ) ولا يمنع من الإمكان ما لو حلف بالطلاق الثلاث أنه لا يصوم قبل رمضان لتقصيره باليمين فتلزمه الفدية إذا أخر ع ش .

                                                                                                                              ( قوله حتى دخل رمضان آخر ) أي ولو حكما عبارة المغني تجب فدية التأخير بتحقق الفوات ولو لم يدخل رمضان فلو كان عليه عشرة أيام فمات لبواقي خمس من شعبان لزمه خمسة عشر مدا عشرة لأصل الصوم إذا لم يصم عنه وليه وخمسة للتأخير ؛ لأنه لو عاش لم يمكنه إلا قضاء خمسة ا هـ زاد الإيعاب والنهاية ولو لم يبق بينه وبين رمضان الثاني ما يسع قضاء جميع الفوائت فهل يلزمه في الحال الفدية عما لا يسعه أم لا حتى يدخل رمضان وجهان والمعتمد ما صوبه الزركشي من لزومها حالا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ويفرق بينه إلخ ) ( تنبيه ) تعجيل فدية التأخير قبل دخول رمضان الثاني ليؤخر القضاء مع الإمكان جائز في الأصح كتعجيل الكفارة قبل الحنث المحرم ويحرم التأخير ولا شيء على الهرم ولا الزمن ولا من اشتدت مشقة الصوم عليه لتأخير الفدية إذا أخروها عن السنة الأولى وليس لهم ولا للحامل ولا للمرضع تعجيل فدية يومين فأكثر كما لا يجوز تعجيل الزكاة لعامين بخلاف ما لو عجل من ذكر فدية يوم فيه أو في ليلته فإنه جائز مغني ونهاية وإيعاب .

                                                                                                                              ( قوله كما مر ) أي : آنفا قبيل قول المصنف والأصح تكرره إلخ .

                                                                                                                              ( قوله هذا إن أخر إلخ ) راجع للمتن سم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية