الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا ينقطع التتابع بمرض ) ومنه جنون أو إغماء ( يحوج إلى الخروج ) بأن خشي تنجس المسجد أو احتاج إلى فرش وخادم ومثله خوف حريق وسارق بخلاف نحو صداع [ ص: 482 ] وحمى خفيفة فإن أخرج لأجل ذلك فقد مر بما فيه ( و ) لا ينقطع بالخروج لشهادة تعيبت أو لحد ثبت بالبينة أو ( بحيض إن طالت مدة الاعتكاف ) بأن كانت لا تخلو عن الحيض غالبا فتبني على ما سبق إذا طهرت ؛ لأنه بغير اختيارها ومثلها في المجموع بأن تزيد على خمسة عشر يوما واستشكله الإسنوي بأن الثلاثة والعشرين تخلو عنه غالبا ؛ إذ غالبه ست أو سبع وبقية الشهر طهر ؛ إذ هو غالبا لا يكون فيه إلا حيض واحد وطهر واحد والنفاس كالحيض ( فإن كانت بحيث تخلو عنه انقطع في الأظهر ) لإمكان الموالاة بشروعها عقب الطهر ( ولا بالخروج ) مكرها بغير حق أو ( ناسيا على المذهب ) كما لا يبطل الصوم بالأكل ناسيا ولا نسلم أن له هيئة تذكره بخلاف الصائم ومثله جاهل [ ص: 483 ] يعذر بجهله ( ولا بخروج المؤذن الراتب إلى منارة منفصلة عن المسجد ) لكنها قريبة منه مبنية له ( للآذان في الأصح ) ؛ لأنها مبنية لإقامة شعائر المسجد معدودة من توابعه وقد ألف الناس صوته فعذر وجعل زمن أذانه كمستثنى من الاعتكاف وبما تقرر في المنارة فارقت الخلوة الخارجة عن المسجد التي بابها فيه فينقطع بدخولها قطعا أما غير راتب فيضر صعوده لمنفصلة لانتفاء ما ذكر في الراتب وأما بعيدة عن المسجد أي بحيث لا تنسب إليه عرفا فيما يظهر ثم رأيت من ضبطه بأن تكون خارجة عن جوار المسجد وجاره أربعون دارا من كل جانب وبعضهم ضبطه بما جاوز حريم المسجد أو مبنية لغيره الذي ليس متصلا به فيضر صعودها مطلقا بخلاف المتصل به ؛ لأن المساجد المتلاصقة حكمها حكم المسجد الواحد وأما متصلة بأن يكون بابها في المسجد أو رحبته فلا يضر صعودها مطلقا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ومثله خوف حريق وسارق ) فإن زال خوفه عاد لمكانه وبنى عليه قاله الماوردي ولعله فيمن لم يجد [ ص: 482 ] مسجدا قريبا يأمن فيه من ذلك شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله ولا ينقطع بالخروج لشهادة تعينت إلخ ) عبارة الروض أو خرج لأداء شهادة تعين حملها وأداؤها أو تعين أحدهما دون الآخر ؛ لأنه إن لم يتعين عليه الأداء فهو مستغن عن الخروج وإلا فتحمله لها إنما يكون للأداء فهو باختياره وظاهر أن محل هذه إذا تحمل بعد الشروع في الاعتكاف وإلا فلا ينقطع التتابع أي : إن تعين الأداء كما لو نذر صوم الدهر ففوته لصوم كفارة لزمته قبل النذر لا يلزمه القضاء ا هـ فقول الشارح لشهادة تعينت أي : إن أراد تعينت أداء وتحملا وإن لم يتبادر ووافق ذلك م ر .

                                                                                                                              ( قوله واستشكله الإسنوي إلخ ) أجيب بأن المراد بالغالب هنا أن لا يسع أقل الطهر الاعتكاف لا ما ذكر في باب الحيض ووجهه أنه إذا زاد زمن الاعتكاف على أقل الطهر كانت معرضة لطرو الحيض فعذرت شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله ولا بالخروج مكرها بغير حق ) وكالإكراه ما لو حمل وأخرج بغير إذنه وإن أمكنه التخلص على ما اقتضاه إطلاقهم ويحتمل تقييده بما إذا لم يمكنه ذلك ولعله الأقرب فإن أخرج مكرها بحق كالزوجة والعبد يعتكفان بلا إذن أو أخرجه الحاكم لحق لزمه أو أخرج خوف غريم له وهو غني مماطل أو [ ص: 483 ] معسر وله بينة أي : وثم حاكم يقبلها كما هو ظاهر انقطع تتابعه لتقصيره شرح م ر .

                                                                                                                              ( قوله في المتن ولا بخروج المؤذن الراتب إلى منارة إلخ ) وإضافة المنارة إلى المسجد للاختصاص وإن لم تبن له كأن خرب مسجد وبقيت منارته فجدد مسجد قريب منها واعتيد الأذان عليها له فحكمها حكم المبنية له كما هو ظاهر وقول المجموع إن صورة المسألة في منارة مبنية له جرى على الغالب فلا مفهوم له شرح م ر وهل نائب الراتب كالراتب مطلقا أو إن استنابه لعذر أو لا فيه نظر والثاني قريب وبحث الأذرعي امتناع الخروج للمنارة إذا حصل الشعار بالآذان بظهر السطح لعدم الحاجة وكالمنارة محل عال بقرب المسجد اعتيد الأذان له عليه وكذا إن لم يكن عاليا لكن توقف الإعلام عليه لكون المسجد في منعطف مثلا شرح م ر وانظر بحث الأذرعي مع أن مقابل الأصح نظرا للاستغناء بالسطح .

                                                                                                                              ( قوله فلا يضر صعودها مطلقا ) قال في الكنز ؛ إذ تعد منه ويصح الاعتكاف فيها ا هـ وقال في شرح المنهج سواء خرجت عن سمت المسجد أم لا .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( بمرض إلخ ) أي : بخروجه له نهاية ومغني ( قوله أو إغماء ) الأولى التعبير بالواو بصري .

                                                                                                                              ( قوله بأن خشي ) إلى الفرع في النهاية والمغني إلا قوله فإن أخرج إلى المتن وما أنبه عليه .

                                                                                                                              ( قوله بأن خشي تنجس المسجد ) أي بنحو إسهال وإدرار و ( قوله إلى فرش إلخ ) أي وتردد طبيب نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله تنجس المسجد ) أي : أو استقذاره شرح بافضل ( قوله ومثله ) أي : المرض المذكور ( خوف حريق إلخ ) أي : فإن زال خوفه عاد لمكانه وبنى عليه قاله الماوردي ولعله فيمن لم يجد مسجدا قريبا يأمن فيه من ذلك نهاية وظاهر أن محله في غير المساجد التي تتعين بالتعيين أما هي فلا يكفي اعتكافه في غير ما يقوم مقامه كردي على بافضل .

                                                                                                                              ( قوله بخلاف نحو صداع ) أي فينقطع التتابع بالخروج له نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله خفيفة ) راجع لنحو صداع أيضا .

                                                                                                                              ( قوله [ ص: 482 ] فقد مر إلخ ) أي قبيل قول المصنف ويحسب زمن الإغماء إلخ ( قوله لشهادة تعينت ) عبارة النهاية والمغني ولو خرج لأداء شهادة تعين عليه حملها وأداؤها لم ينقطع تتابعه لاضطراره إلى الخروج وإلى سببه بخلاف ما إذا لم يتعين عليه أحدهما أو تعين أحدهما فقط ؛ لأنه إن لم يتعين عليه الأداء فهو مستغن عن الخروج وإلا فتحمله لها إنما يكون للأداء فهو باختياره وقيده الشيخ بحثا بما إذا تحمل بعد الشروع في الاعتكاف وإلا فلا ينقطع الولاء كما لو نذر صوم الدهر ففوته لصوم كفارة لزمته قبل النذر لا يلزمه القضاء ا هـ .

                                                                                                                              وفي سم بعد ذكره عن الروض مثل ذلك إلى وقيده الشيخ ما نصه فقول الشارح لشهادة تعينت إن أراد تعينت أداء وتحملا وإن لم يتبادر وافق ذلك ا هـ وقوله إن أراد تعينت إلخ أي : كما عبر به في شرح بافضل ( قوله أو الحد إلخ ) عبارة النهاية ولو خرج لإقامة حد أو تعزير يثبت بالبينة لم يقطع أيضا بخلاف ما إذا ثبت بإقراره ومحل ما تقرر إذا أتى بموجب الحد قبل الاعتكاف فإن أتى به حال الاعتكاف كما لو قذف مثلا فإنه يقطع الولاء ولا يقطعه خروج امرأة لأجل قضاء عدة حياة أو وفاة وإن كانت مختارة للنكاح ؛ لأنه لا يقصد للعدة بخلاف تحمل الشهادة ما لم تكن بسببها كأن طلقت نفسها بتفويض ذلك لها أو علق الطلاق بمشيئتها فشاءت وهي معتكفة فإنه ينقطع لاختيارها الخروج فإن أذن لها الزوج في اعتكاف مدة متتابعة ثم طلقها فيها أو مات قبل انقضائها فينقطع التتابع بخروجها قبل مضي المدة التي قدرها لها زوجها ؛ إذ لا يجب عليها الخروج قبل انقضائها في هذه الصورة وكذا لو اعتكفت بغير إذنه ثم طلقها وأذن لها في إتمام اعتكافها فينقطع التتابع بخروجها ا هـ .

                                                                                                                              وفي المغني مثلها إلا قوله ومحل ما تقرر إلى ولا يقطعه وقوله وكذا لو اعتكفت إلخ ( قوله بأن كانت لا تخلو عن الحيض غالبا ) أي : كشهر كما مثل به الروياني مغني وقال شيخنا بأن كانت تزيد على خمسة عشر يوما في الحيض وعلى تسعة أشهر في النفاس لاحتمال طروها في هذه المدة ا هـ ويأتي عن النهاية والإمداد ما يوافقه ( قوله ومثلها ) أي : المدة التي لا تخلو عن الحيض غالبا .

                                                                                                                              ( قوله واستشكله الإسنوي إلخ ) ويجاب عنه بأن المراد بالغالب هنا أن لا يسع زمن أقل الطهر الاعتكاف لا الغالب المفهوم مما مر في باب الحيض وبوجه بأنه متى زاد زمن الاعتكاف على أقل الطهر كانت معرضة لطرو الحيض فعذرت لأجل ذلك وإن كانت تحيض وتطهر غالب الحيض والطهر ؛ لأن ذلك الغالب قد يتجزأ نهاية وإمداد قال ع ش قوله م ر قد يتجزأ أي : بأن يوجد تارة في شهر قدر مخصوص وفي آخر دونه أو أكثر منه ا هـ .

                                                                                                                              وفي الكردي على بافضل بعد ذكر كلام النهاية والإمداد المذكور ما نصه وقد أقر الشارح إشكال الإسنوي في التحفة والإيعاب قال في الإيعاب والحاصل أن المدة ثلاثة أقسام الخمسة العشر فأقل تخلو بيقين والخمسة والعشرون فأكثر لا تخلو غالبا وما بينهما يخلو غالبا فالأولى يقطعها الحيض والثانية لا يقطعها والثالثة ملحقة بالأولى إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والنفاس كالحيض ) ولا تخرج لاستحاضة بل تحترز عن تلويث المسجد وينبغي أن محله إن سهل احترازها وإلا خرجت ولا انقطاع نهاية .

                                                                                                                              ( قوله مكرها بغير حق ) ومنه ما لو حمل وأخرج بغير إذنه أي : إذا لم يمكنه التخلص فإن أخرج مكرها بحق . [ ص: 483 ] كالزوجة والعبد يعتكفان بلا إذن أو أخرجه الحاكم لحق لزمه أو خرج خوف غريم له وهو غني مماطل أو معسر وله بينة أي : وثم حاكم يقبلها كما هو ظاهر انقطع تتابعه لتقصيره نهاية ومغني وقولهما وثم حاكم يقبلها أي بلا حبس .

                                                                                                                              ( قوله يعذر بجهله ) عبارة النهاية والمغني يخفى عليه ما ذكر ا هـ قال ع ش قوله يخفى عليه إلخ ظاهره أنه لا فرق بين كونه قرب عهده بالإسلام أم لا نشأ ببادية بعيدة عن العلماء أم لا وهي ظاهرة ا هـ قول المتن ( الراتب ) ومثل الراتب نائبه حيث استتابه لعذر سم على حج أقول وينبغي أنه لا فرق حيث كان النائب كالأصيل فيما طلب منه ع ش قول المتن ( إلى منارة ) بفتح الميم وبحث الأذرعي امتناع الخروج للمنارة فيما إذا حصل الشعار بالأذان بظهر السطح لعدم الحاجة إليه وكالمنارة محل عال بقرب المسجد اعتيد الأذان له عليه وكذا إن لم يكن عاليا لكن توقف الإعلام عليه لكون المسجد في منعطف مثلا شرح م ر وانظر بحث الأذرعي مع أن مقابل الأصح نظر للاستغناء بالسطح سم .

                                                                                                                              ( قوله مبنية له ) إضافة المنارة إلى المسجد للاختصاص وإن لم تبن له كأن خرب مسجد وبقيت منارته فجدد مسجد قريب منها واعتيد الأذان عليها له فحكمها حكم المبنية له كما هو ظاهر وقول المجموع إن صورة المسألة في منارة مبنية له جرى على الغالب فلا مفهوم له شرح م ر وهل نائب الراتب كالراتب مطلقا أو إن استنابه لعذر أو لا أي مطلقا فيه نظر والثاني قريب سم قول المتن ( للأذان ) وينبغي أن مثل الأذان ما اعتيد من التسبيح المعروف الآن ومن أولى الجمعة وثانيتها لاعتياد الناس التهيؤ لصلاة الصبح أو الجمعة بذلك فيلحق بالأذان ع ش عبارة شيخنا ومثل الأذان التسبيح آخر الليل المسمى بالأولى والثاني ، وإلا بدو ما يفعل قبل أذان الجمعة من قراءة الآية والسلام لجريان العادة بذلك لأجل التهيؤ لصلاة الصبح وصلاة الجمعة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أما غير راتب إلخ ) عبارة النهاية والمغني بخلاف خروج غير الراتب للأذان وخروج الراتب لغير الأذان ولو بحجرة بابها في المسجد أو للأذان لكن بمنارة ليست للمسجد أو له لكن بعيدة عنه وعن رحبته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فيما يظهر ) اعتمده النهاية والمغني .

                                                                                                                              ( قوله ثم رأيت بعضهم ضبطه إلخ ) عبارة النهاية والمغني وإن ضبطه بعضهم إلخ .

                                                                                                                              ( قوله مطلقا ) أي : ولو كانت قريبة والمؤذن راتبا .

                                                                                                                              ( قوله فلا يضر صعودها إلخ ) قال في الكنز ؛ إذ تعد منه ويصح الاعتكاف فيها ا هـ وقال في شرح المنهج سواء خرجت عن سمت المسجد أم لا انتهى ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله مطلقا ) أي : ولو لغير الأذان وخرجت عن سمت بناء المسجد كما رجحاه وتربيعه ؛ إذ هي في حكم المسجد كمنارة مبنية فيه مالت إلى الشارع فيصح الاعتكاف فيها وإن كان المعتكف في هواء الشارع وأخذ الزركشي منه أنه لو اتخذ للمسجد جناح إلى الشارع فاعتكف فيه صح ؛ لأنه تابع له صحيح وإن زعم بعضهم أنه مردود بأن الفرق بين الجناح والمنارة لائح أي : لكون المنارة تنسب إلى المسجد ويحتاج إليها غالبا في إقامة شعائره بخلاف الجناح فيها نهاية وكذا في المغني إلا أنه رجح ما زعمه البعض من عدم الصحة في الجناح وتقدم في الشرح وعن شيخنا ما يوافق ما في النهاية .




                                                                                                                              الخدمات العلمية