الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ومن تحلل ) أي أراد التحلل بالإحصار أو نحوه وهو حر أو مبعض ووقع في نوبته فيما يظهر أخذا من أنه لو أحرم في نوبته وارتكب المحظور في نوبة سيده أو عكسه اعتبر وقت ارتكاب المحظور فإرادة التحلل هنا كارتكاب المحظور فيما ذكر ذبح وجوبا ( شاة ) تجزئ في الأضحية أو سبع بدنة أو بقرة كذلك للآية السابقة ولو شرط التحلل بالحصر بلا دم وفارق ما مر في نحو المرض بأن هذا لا يتوقف على شرط فلم يؤثر فيه الشرط بخلاف ذاك ويتعين الذبح لذلك ككل ما معه من دم وهدي ( حيث أحصر ) أو مرض مثلا ولو في الحل ، وإن تمكن من طرف الحرم ومنازعة البلقيني فيه بالنص ردها تلميذه أبو زرعة كما بينتها في الحاشية ولو أمكنه إرساله لمكة لم يلزمه لكن يسن له بعثه لما يقدر عليه من الحرم أو مكة وواضح أنه لا يحل حينئذ حتى يغلب على ظنه ذبحه ثم بخبر من وقع بقلبه صدقه لا بمجرد طول الزمن وذلك ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم { ذبح هو ، وأصحابه بالحديبية } وهي من الحل ويفرقه على مساكين ذلك المحل ثم مساكين أقرب [ ص: 206 ] محل إليه ؛ لأنه صار في حقه كالحرم ومن ثم حرم النقل عنه إذا كان من الحل إلى غيره من الحل بخلاف ما إذا كان من الحرم لا يتعين بالنسبة لبقية الحرم ؛ لأنه كله كبقعة واحدة فإن قلت لم جاز هنا النقل كما ذكر بخلافه إذا فقد مساكين الحرم قلت ؛ لأن استحقاق هؤلاء بالنص بخلاف مساكين محل الحصر وهذا هو الفرق بين ما هنا ونقل الزكاة كما يأتي .

                                                                                                                              ( قلت ) ما أوهمه كلام المحرر من أن من أحصر له التحلل بالذبح وحده غير مراد بل ( إنما يحصل التحلل بالذبح ونية التحلل ) مقارنة للذبح ؛ لأنه يكون لغير التحلل فاحتاج لما يخصصه به وفارقت نية الخروج من الصلاة لوقوعه في محله فهي كالتحلل هنا النحر بخلافه هنا فإن التحلل وقع في غير محله وهو يقبل الصرف فوجبت النية ( وكذا الحلق إن جعلناه نسكا ) وهو المشهور كما مر ؛ لأنه ركن أمكنه فعله فلا وجه لإسقاطه ويجب قرن النية به وتقديم الذبح عليه فإن قلت لم اشترط الترتيب هنا بخلافه في تحلل الحج ؟ . قلت ؛ لأن الحج يطول زمنه فوسع فيه بأن جعل له تحللان وبعدم اشتراط الترتيب بخلاف ما هنا فإنه لما لم يكن إلا بواحد اشترط فيه الترتيب لعدم المشقة فيه ونظير ذلك العمرة فإنها لما كانت كذلك اشترط الترتيب في تحللها ( فإن فقد الدم ) حسا أو شرعا نظير ما مر في دم التمتع ( فالأظهر أن له بدلا ) كغيره ( و ) الأظهر ( أنه ) أي البدل ( طعام ) مع الحلق والنية [ ص: 207 ] حيث عذر ؛ لأنه أقرب للحيوان لكونهما مالا من الصوم ( بقيمة الشاة ) بالنقد الغالب ثم فإن لم يكن به ذلك فأقرب البلاد إليه ( فإن عجز عنه صام عن كل مد يوما ) حيث شاء ويصوم عن المنكسر يوما أيضا ( وله ) حينئذ ( التحلل ) بالحلق مع النية ( في الحال ) من غير توقف على الصوم ( في الأظهر والله أعلم ) لتضرره ببقاء إحرامه إلى فراغ الصوم وبه فارق توقف تحلل تارك الرمي على بدله ولو صوما ؛ لأن هذا له تحللان فلا كبير مشقة عليه لو صبر بخلاف المحصر .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : وهو حر أو مبعض ووقع في نوبته ) خرج غيرهما فينبغي أن حكمه ما يأتي في قوله ، وإذا أحرم العبد بلا إذن فلسيده تحليله ( قول المتن : حيث أحصر ) هل يشترط الذبح في أول المحال التي يتعذر الوصول منها لمكة فيمتنع فيما بعده لوجوب الذبح في محل الإحصار أو لا ؛ لأن ما بعده من موضع الحصر أيضا بجامع تعذر الوصول من مكة إلى مكة فيه نظر ( قوله : وإن تمكن من طرف الحرم ) فلا يلزمه البعث إليه ( قوله : ثم مساكين أقرب ) أي إذا فقدوا ( قوله : ثم [ ص: 206 ] مساكين أقرب محل إليه ) أي ثم إن فقد المساكين من ذلك المحل فرقه على مساكين أقرب محل خالف م ر فمنع نقله إلى أقرب محل ، وأوجب حفظه إلى أن يوجدوا فإن خيف تلفه قبل وجودهم بيع وحفظ ثمنه بل لو فقدوا قبل الذبح امتنع إلى أن يوجدوا إذ لا فائدة فيه حينئذ والمتجه أنهم إذا فقدوا قبل الذبح أو بعده تحلل في الحال ولم يتوقف التحلل على وجودهم على أن لنا أن نقول إن التحلل مع وجودهم لا يتوقف على الصرف إليهم بل يكفي فيه الذبح فإذا فقدوا بعد الذبح فلا إشكال في حصول التحلل قبل الصرف وعلم مما تقرر أن فقدهم مع القدرة على الهدي قبل الذبح أو بعده لا يسوغ الانتقال إلى بدل الهدي كما توهمه بعض الطلبة .

                                                                                                                              ( قوله : أقرب محل ) انظر لو استوى إليه محلان أحدهما من الحل والآخر من الحرم ( قوله في المتن : إنما يحصل التحلل بالذبح إلخ ) ظاهره أنه لا يتوقف على تفرقة المذبوح ولا بأس بالأخذ بذلك ما لم يوجد نقل واضح بخلافه وعليه فيفارق الإطعام حيث يتوقف التحلل عليه ولا يكفي فيه عزل الطعام بالنية بأن الذبح مقصود برأسه ولذا لم يكف تسليمه حيا للمساكين ولا كذلك مجرد العزل فإنه محض وسيلة فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله في المتن : ونية التحلل ) ظاهره عدم توقف التحلل على تفرقة اللحم ، وإن وجبت م ر ( قوله : ويجب قرن النية به ) فإن قلت لما اشترطت نية الحلق مقارنة له مع أن نية النسك تشمله ولذا لا يشترط له في غير التحلل نية قلت إنما تشمله نية النسك من حيث وقوعه عن النسك وهو هنا ليس واقعا عن النسك بل هو واقع تحللا فلا بد من النية على الأصل في العمل فإن قلت هلا اكتفى بالنية مع الذبح كما اكتفى بالنية في أول أفعال الوضوء عند كل فعل عنه قلت يفرق بأن أفعال الوضوء معينة مضبوطة فكفت النية في أولها بخلاف التحلل فإنه يختلف فتارة يكون بالذبح والحلق كما هنا وتارة يكون بغير ذلك كأعمال العمرة فيما سيأتي فلما لم تتعين وتنضبط لم تكن النية عند الفعل الأول شاملة لما بعده من الأفعال وقضية هذا الفرق وجوب النية عند كل من أعمال العمرة فيما سيأتي وسيأتي في الهامش ما فيه فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله : اشترط فيه الترتيب ) بقي أنه لو اشترط الترتيب على هذا الوجه بان تقديم الذبح وهلا اشترط تقديم الحلق [ ص: 207 ] قوله : حيث عذر ) مقابل قوله الآتي حيث شاء ( قوله : بالنقد الغالب ثم فإن لم يكن به ذلك إلخ ) كذا ضبب ( قوله : بخلاف المحصر ) تقدم بأعلى هامش أول الباب عن الروضة ما يفيد التحللين لبعض صور المحصر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي أراد التحلل ) إلى قوله وفارقت في النهاية والمغني إلا قوله أو نحوه وقوله : أو مرض مثلا وقوله : كما بينتهما في الحاشية وقوله : ثم مساكين أقرب محل إليه ( قوله : أي أراد التحلل إلخ ) أي ؛ لأن الذبح يكون قبل التحلل كما سيأتي مغني ( قوله : أو نحوه ) أي من نحو المرض إذا شرط التحلل بذلك بهدي ( قوله : وهو حر أو مبعض إلخ ) خرج غيرهما فينبغي أن حكمه ما يأتي في قوله ، وإذا أحرم العبد بلا إذن فلسيده تحليله سم ( قوله : ووقع ) أي التحلل أي إرادته سم ( قوله : اعتبر وقت ارتكاب المحظور ) أي فإن كان في نوبته لزمه الدم أو في نوبة سيده فلا وجوب بل يكفر بالصوم رشيدي وع ش ( قوله : أو سبع بدنة إلخ ) عبارة المغني والنهاية أو ما يقوم مقامها من بدنة أو بقرة أو سبع إحداهما . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ولو شرط إلخ ) للمبالغة سم ( قوله : وفارق ما مر إلخ ) تحرير الفرق أن يقال ذاك واجب بالشرع فشرط إسقاطه لا يسقطه وهذا أي ما مر واجب بالشرط فيقيد به بصري ( قوله : الشرط ) أي شرط عدمه ( قوله : ويتعين الذبح لذلك إلخ ) أي التحلل بالإحصار أو نحوه ( قوله : من دم ) أي من دماء المحظورات قبل الإحصار نهاية ومغني قول المتن ( حيث أحصر ) يفهم أنه لو أحصر في الحل ، وأراد أن يذبح بموضع آخر منه لم يجز وهو كذلك مغني ونهاية قال سم هل يشترط الذبح في أول المحال التي يتعذر الوصول منها لمكة فيمتنع فيما بعده لوجوب الذبح في محل الإحصار أو لا ؛ لأن ما بعده من موضع الحصر أيضا . ا هـ . والقلب إلى الثاني أميل والله أعلم .

                                                                                                                              ( قوله : وإن تمكن من طرف الحرم ) أي فلا يلزمه البعث إليه سم ( قوله : كما بينتهما ) أي المنازعة وردها ( قوله : لمكة ) أي أو الحرم نهاية ومغني ( قوله : وذلك ) أي تعين محل الحصر للذبح ( قوله : ويفرقه إلخ ) عطف على ذبح شاة في المتن ( قوله : ثم مساكين أقرب محل إليه ) خلافا لظاهر النهاية والمغني عبارة ع ش وقال ابن عبد الحق فلو فقدوا ثم قال بعضهم فعلى مساكين أقرب محل إليه وهو متجه . انتهى . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ثم مساكين أقرب إلخ ) أي ثم إن فقد المساكين من ذلك المحل فرقه على مساكين أقرب محل إليه خالفه م ر فمنع نقله إلى أقرب محل ، وأوجب حفظه إلى أن يوجدوا فإن خيف تلفه قبل وجودهم بيع وحفظ ثمنه بل لو فقدوا قبل الذبح امتنع الذبح إلى أن يوجدوا إذ لا فائدة فيه حينئذ والمتجه أنهم إذا فقدوا قبل الذبح أو بعده تحلل في الحال ولم يتوقف التحلل على وجودهم على أن لنا أن نقول إن التحلل مع وجودهم لا يتوقف على الصرف إليهم بل يكفي فيه الذبح فإذا فقدوا بعد الذبح فلا [ ص: 206 ] إشكال في حصول التحلل قبل الصرف وعلم مما تقرر أن فقدهم مع القدرة على الهدي قبل الذبح أو بعده لا يسوغ الانتقال إلى بدل الهدي كما توهمه بعض الطلبة سم ( قوله : أقرب محل إلخ ) انظر لو استوى إليه محلان أحدهما من الحل والآخر من الحرم سم أقول الأقرب أنه يتعين ما هو من الحرم خروجا من خلاف من منع النقل إلى الحل مطلقا ( قوله : لا يتعين إلخ ) أي ، وإن أفهمت عبارته خلافه نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله : هنا ) أي فيما إذا كان الحصر في الحل ( النقل كما ذكر ) أي إلى الحل بشرطه ، وإلى الحرم مطلقا قول المتن ( إنما يحصل التحلل بالذبح ) لقوله تعالى { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } وبلوغه محله نحره نهاية ومغني قول المتن ( بالذبح ونية التحلل إلخ ) ظاهره عدم توقف التحلل على تفرقة اللحم ، وإن وجبت م ر ا هـ سم قول المتن ( ونية التحلل ) وكيفيتها أن ينوي خروجه عن الإحرام مغني قوله ( فاحتاج ) أي الذبح قوله : ( وفارقت إلخ ) أي نية التحلل حيث اشترطت هنا ( قوله : بوقوعه ) أي الخروج ( قوله : فهي ) أي الخروج والتأنيث باعتبار المضاف ( قوله : بخلافه ) أي التحلل ( هنا ) أي في الحصر ( قوله : وهو ) أي الذبح ( يقبل الصرف ) استئناف بياني اعترض بين المعطوف والمعطوف عليه ( قوله : وهو المشهور ) إلى قوله وبه فارق في النهاية والمغني إلا قوله فإن قلت إلى المتن وقوله : حيث عذر وقوله : بالنقد إلى المتن ( قوله : لأنه ركن إلخ ) أي بخلاف المبيت والرمي فيسقطان ، وإن أمكنا .

                                                                                                                              ( قوله : وبعدم إلخ ) عطف على بأن جعل إلخ ( قوله : لما لم يكن ) أي لم يوجد هنا ( إلا بواحد ) أي تحلل واحد فالأولى حذف الباء قول المتن ( فإن فقد ) بالبناء للفاعل أو المفعول مغني ( قوله : حسا ) أي كأن لم يجد ثمنه مغني ( قوله : أو شرعا ) أي كأن احتاج إليه أو إلى ثمنه أو وجده غاليا نهاية ومغني أي بزيادة لها وقع فيما يظهر قياسا على ما مر من شراء الزاد والراحلة بزيادة تافهة على ثمن المثل ع ش ( قوله : كغيره ) أي من الدماء الواجبة على المحرم نهاية ومغني ( قول المتن : وأنه طعام ) ظاهره أنه يجب تقديم تفرقته على الحلق ( قوله : مع الحلق إلخ ) الأولى حذفه ( قوله : والنية ) أي المقارنة للطعام والحلق ( قوله : [ ص: 207 ] حيث عذر ) مقابل قول الآتي حيث شاء سم ( قوله : من الصوم ) متعلق بأقرب قول المتن ( بقيمة الشاة ) أي ما يقوم مقامها من سبع البدنة أو البقرة ابن عبد الحق وحاصله أنه يتخير عند العجز عن الدم بين تقويم الشاة وتقويم سبع البدنة أو البقرة ع ش ( قوله : فإن لم يكن به ذلك ) أي بثم النقد الغالب كذا ضبب . ا هـ . سم عبارة الونائي ، وإن لم يكن لها أي الشاة وللطعام قيمة بمكانه فأقرب بلد إليه . ا هـ . ( قوله : بخلاف المحصر ) أي فإن تحلله واحد فقط كما يفيده قول المصنف قلت إنما يحصل إلخ وصرح بذلك الشارح في شرحه وفي النهاية والمغني ما يفيده ، وأما قول سم تقدم أول الباب في الحاشية عن الروض ما يفيد التحللين لبعض صور المحصر . ا هـ . فيجاب عنه بأن ما نقله عن الروض إنما هو فيما إذا صبر ولم يتحلل بالإحصار إلى أن انكشف والكلام هنا فيما إذا تحلل للإحصار قبل انكشافه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية