الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يطهر نجس العين ) بغسل لأنه إنما شرع لإزالة ما طرأ على العين ولا استحالة إلى نحو ملح ؛ لأن حقيقة الاستحالة هنا أن يبقى الشيء بحاله وإنما تغيرت صفاته فقط لكن يستثنى من هذا شيئان لا ثالث لهما في الحقيقة للنص عليهما ولعموم الاحتياج بل الاضطرار إليهما ومن ثم قال ( إلا خمرا ) ولو غير محترمة وأراد بها هنا مطلق المسكر ولو من نحو زبيب وتمر وحب لتصريحه كالأصحاب في بابي الربا والسلم بحل تلك المستلزم لطهارتها على أن أهل الأثر ومالكا وأحمد على وصفه بذلك كما هو قول للشافعي ( تخللت ) بنفسها من غير مصاحبة عين أجنبية لها لأن علة النجاسة والتحريم الإسكار ، وقد زال ولحل اتخاذ الخل إجماعا وهو مسبوق بالتخمر قيل إلا في ثلاث صور فلو لم يطهر لتعذر اتخاذه ولا يرد على إطلاقه خلافا لمن زعمه تخلل ما وقع فيه خمر أو عظم نجس ثم نزع قبل تخلله لأن مانع الطهارة هنا تنجسه لا كونه [ ص: 304 ] خمرا ( تنبيه )

                                                                                                                              المستثنى إنما هو الخمر بقيد التخلل لا مطلقا كما هو واضح فاندفع ما قيل في عبارته تساهل ؛ لأن الطهر للخل لا للخمر ويتفرع على سبق الخل بالتخمر الحنث في أنت طالق إن تخمر هذا العصير فتخلل ولم يعلم تخمره نظرا للغالب أو المطرد ( وكذا إن نقلت من شمس إلى ظل وعكسه ) فتطهر ( في الأصح ) إذ لا عين ( فإن خللت بطرح شيء ) كملح أو وقع فيها بلا طرح وبقي إلى تخللها وإن لم يكن له أثر في التخلل أو نزع ، وقد انفصل منه شيء أو كان نجسا وإن نزع فورا كما مر نعم يستثنى نحو حبات العناقيد مما يعسر التنقي منه كما يصرح به كلام المجموع وجرى عليه جمع متقدمون ومتأخرون خلافا لآخرين وإن أولوا كلام المجموع وبنوا كلام غيره على ضعيف إذ لا ملجئ لهم إلى ذلك [ ص: 305 ] وكذا ما احتيج إليه لعصر يابس أو استقصاء عصر رطب ؛ لأنه من ضرورته ( فلا ) تطهر ويحرم تعمد ذلك لخبر مسلم { أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا فقال لا } وعلته تنجس المطروح بالملاقاة فينجس الخل ، وقيل لأنه استعجل إلى مقصوده بفعل محرم فعوقب بنقيض قصده كما لو قتل مورثه وعلى هذا لا تطهر بالنقل السابق وهو مقابل الأصح ثم ويطهر بطهرها طرفها وما ارتفعت إليه لكن بغير فعله تبعا لها وفي معنى تخلل الخمر انقلاب دم الظبية مسكا ونحوه لا دم البيضة فرخا ؛ لأنه بانقلابه إليه يتبين أنه طاهر ؛ لأنه أصل حيوان كالمني وعند عدم انقلابه إن كانت عن كبس ذكر [ ص: 306 ] فكذلك لصلاحيته لمجيء الفرخ منه وإلا فلا وبه يجمع بين تناقض المصنف فيه ( تنبيه )

                                                                                                                              يكثر السؤال عن زبيب يجعل معه طيب متنوع وينقع ثم يصفى فتصير رائحته كرائحة الخمر والذي يتجه فيه أن ذلك الطيب إن كان أقل من الزبيب تنجس وإلا فلا ولا عبرة بالرائحة أخذا من قولهم لو ألقي على عصير خل دونه أي وزنا كما هو ظاهر تنجس ؛ لأنه لقلة الخل فيه يتخمر وإلا فلا لأن الأصل والظاهر عدم التخمر ويؤخذ منه أنهم نظروا في هذا للمظنة حتى لو قال خبير إن شاهدناه من حين الخلط في الأولى إلى التخلل ولم يشتد ولا قذف بالزبد لم يلتفت لقولهما وكذا لو قالا في الأخيرتين شاهدناه اشتد وقذف بالزبد ويحتمل الفرق بأن الاشتداد قد يخفى فلم ينظر لقولهما في الأولى بخلاف ما بعدها ؛ لأنهما أخبرا بمشاهدة الاشتداد فلم يمكن إلغاء قولهم إلا إن قلنا إن ما نيط بالمظنة لا نظر لتخلفه في بعض أفراده وأن العلامة لا يلزم من وجودها وجود ما هي علامة عليه كما صرحوا به ، فحينئذ يتجه إطلاقهم النجاسة والحرمة في الأولى وعدمهما في الأخيرتين وظاهر أن الخل في كلامهم مثال فيلحق به كل ما في معناه مما لا يقبل التخمر ويمنع من وجوده إن غلب أو ساوى ( تنبيه آخر )

                                                                                                                              اختلف في انقلاب الشيء عن حقيقته كالنحاس إلى الذهب فقيل نعم لانقلاب العصا ثعبانا حقيقة بدليل { فإذا هي حية تسعى } وإلا لبطل الإعجاز ولا مانع في القدرة من توجه الأمر التكويني إلى ذلك وتخصيص الإرادة له ، وقيل لا لأن قلب الحقائق محال والقدرة لا تتعلق به ، والحق الأول بمعنى أنه تعالى يخلق بدل النحاس ذهبا على ما هو رأي المحققين أو بأن يسلب عن أجزاء النحاس الوصف الذي صار به نحاسا ويخلق فيه الوصف الذي يصير به ذهبا على ما هو رأي بعض المتكلمين من تجانس الجواهر واستوائها في قبول الصفات ، والمحال إنما هو انقلابه ذهبا مع كونه نحاسا لامتناع كون الشيء في الزمن الواحد نحاسا وذهبا ، ومن ثم اتفق أئمة التفسير على ما مر في العصا بأحد هذين الاعتبارين المذكورين وبثانيهما يتجه قول أئمتنا في كلب مثلا وقع في مملحة فاستحال ملحا أنه باق على نجاسته بل وعلى الأول أيضا ؛ لأنه غير متيقن فعملوا بالأصل ( تنبيه آخر )

                                                                                                                              كثيرا ما يسأل عن علم الكيمياء وتعلمه هل يحل أو لا ولم نر لأحد كلاما في ذلك وظاهر أنه ينبني على هذا الخلاف فعلى الأول [ ص: 307 ] من علم العلم الموصل لذلك القلب علما يقينيا جاز له عمله وتعليمه إذ لا محذور فيه حينئذ بوجه وما تخيل أنه من هتك سر القدر وهو لا يجوز إفشاؤه كما في تفسير البيضاوي في { بلغ ما أنزل إليك } فيرد بمنع أن هذا منه ؛ لأن ما وضع له علم يتوصل إليه به لا يسمى العمل به هتكا لذلك وإنما الذي منه فعل الخضر صلى الله عليه وسلم في قتل الغلام وفي بعض حواشي البيضاوي المعتمدة هذا منه منزع صوفي وهو يؤيد ما ذكرته أن الهتك إنما هو في نحو فعل الخضر صلى الله عليه وسلم مما يكشفه الله لأخصائه موهبة إلهية من غير تعلم ولا استعداد ، وإن قلنا بالثاني أو لم يعلم الإنسان ذلك العلم اليقيني وكان ذلك وسيلة للغش فالوجه الحرمة وكذا تطهير نحو نحاس حتى يقبل صبغا أو خلطا ؛ لأنه غش صرف نعم إن باعه لمن يعلمه بحقيقته جاز ما لم يظن أنه يغش به غيره كبيع العنب لعاصر الخمر وتخيل أن الصبغ الذي لا ينكشف ملحق بقلب الأعيان فاسد لقولهم ضابط الغش أن يكون فيه وصف لو اطلع عليه لم يرغب فيه بذلك الثمن أي ولا تقصير من المشتري لما يأتي في زجاجة ظنها جوهرة وهنا لا تقصير إذ يعز الاطلاع على حقيقة ذلك المصبوغ ، فإن قلت صرحوا بكراهة ضرب مثل سكة الإمام ، وظاهره حل ضرب مغشوش غشه بقدر غش مضروب الإمام قلت هذا الظاهر متجه إذ لا محذور حينئذ حيث كان يساويه غشا وليونة بحيث لا يتفاوت ثمنهما .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله على أن أهل الأثر إلخ ) عبارة شرح العباب ظاهر كلامه تغايرهما أي الخمر والنبيذ وهو ما حكاه الشيخان عن الأكثرين في الأشربة إلى أن قال لكن في تهذيب الأسماء واللغات عن الشافعي ومالك وأحمد وأهل الأثر أنها اسم لكل مسكر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لتعذر اتخاذه ) انظره مع إلا إلخ إلا أن يقال غالبا ( قوله تخلل ما وقع فيه خمر ) قضيته أنه لو وقع على [ ص: 304 ] الخمر خمر ثم تخللت لم تطهر وفيه نظر ، بل ينبغي أنها تطهر ويدل عليه ما يأتي عن البغوي فيما لو ارتفعت بفعل فاعل ثم غمر المرتفع قبل الجفاف بخمر أخرى ، بل لا يبعد أنه لو وقع على الخمر نبيذ ثم تخللت طهرت للمجانسة في الجملة ثم رأيته في شرح العباب عن الزركشي وابن العماد واحترز الشيخان بفرضهما التفصيل الآتي في طرح العصير على خل عما لو طرح خمر فوق خمر فإنها تطهر ويحتمل الفرق بين أن يكون الخمر من جنسها فتطهر أو من غير جنسها كما إذا صب النبيذ على الخمر فلا تطهر ا هـ .

                                                                                                                              ( فرع )

                                                                                                                              في شرح م ر ولو بقي في قعر الإناء رديء خمر فظاهر إطلاقهم كما قاله ابن العماد أنه يطهر تبعا للإناء سواء استحجر أم لا كما يطهر باطن جوف الدن ، بل هذا أولى وظاهر كلامهم أيضا أنه لا فرق في العصير بين المتخذ من نوع واحد وغيره فلو جعل فيه عسلا أو سكرا أو اتخذه من نحو عنب ورمان أو بر وزبيب طهر بانقلابه خلا وبه جزم ابن العماد وليس فيه تخليل بمصاحبة عين ؛ لأن نفس العسل أو البر ونحوهما يتخمر كما رواه أبو داود وكذلك السكر فلم يصحب الخمر عين أخرى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لأن الطهر للخل لا للخمر ) قد يقال الخل هو الخمر ؛ لأن العين العين وإنما تغير الوصف والاسم فيصح أن يقال إن الخمر أي عينها طهرت ( قوله فإن خللت بطرح شيء ) عبارة الروض لا مع عين قال في [ ص: 305 ] شرحه كحصاة وحبة عنب تخمر جوفها ا هـ .

                                                                                                                              وكان صورة الحبة المذكورة إذا طرأت بخلاف ما لو بقيت في العصير ابتداء فينبغي أن لا تضر إذا تخمر ثم تخلل وظاهر أن ما في جوف هذه الحبة إذا تخلل طهر والحبة له كالإناء فينبغي طهارة جوفها تبعا ( قوله يحرم تعمد ذلك ) أي بخلاف النقل من شمس إلى ظل وعكسه فلا يحرم كما بينه في شرح العباب كما فيه ، وظاهر الحديثين حرمة التخليل مطلقا سواء كان بعين أم بنحو نقل من شمس إلى ظل وجرى عليه بعضهم ، لكن يرده كلام الشيخين في الرهن فإنه مصرح بأن المحرم إنما هو التخليل بالعين لا بنحو النقل من شمس إلى ظل وعبارتهما اتخاذ الخمر جائز بالإجماع ثم قالا قوله الخمر بطرح العصير أو الملح أو الخبز الحار أو غيرها فيها حرام والخل الحاصل منها نجس لعلتين :

                                                                                                                              إحداهما : تحريم التخليل والثانية نجاسة المطروح بالملاقاة فتستمر نجاسته إذ لا مزيل لها إلخ ما أطال به عنهما وعن غيرهما وما يتعلق به ، وقد يؤخذ من ذلك أنه لو طرح العين الطاهرة التي لا ينفصل عنها شيء بقصد نزعها قبل التخلل ثم نزعها لم يحرم ذلك وطهر الخل فليتأمل ( قوله لكن بغير فعله ) خرج ما بفعله قال في شرح الروض فإن ارتفعت بلا [ ص: 306 ] غليان ، بل بفعل فاعل قال البغوي في فتاويه فلا يطهر الدن إذ لا ضرورة وكذا الخمر لاتصالها بالمرتفع النجس نعم لو غمر المرتفع قبل جفافه بخمر أخرى طهرت بالتخلل ا هـ .

                                                                                                                              ما في شرح الروض واعتمد شيخنا الشهاب الرملي رحمه الله تعالى التقييد بالجفاف ولا يخفى أن فيما ذكره البغوي في خمر المرتفع دلالة على أنه لو صب على الخمر خمرا أخرى من غير ارتفاع للأولى طهرت بالتخلل وهو الظاهر فليتأمل ( قوله والذي يتجه إلخ ) في شرح م ر ويحتمل خلافه وهو أوجه ( قوله أنه باق على نجاسته ) قد يؤخذ من ذلك أنه لو مسخ آدمي كلبا فهو على [ ص: 307 ] طهارته فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله وإن قلنا بالثاني ) فيه نظر لأنا إذا قلنا بتجانس الجواهر وفرضنا أن خاصية النحاس سلبت وحصل بدلها خاصية الذهب فهذا ذهب حقيقة ولا فرق في المعنى بين حصول الذهب بهذا الطريق وحصوله بالطريق الأول وهو إعدام النحاس وخلق الذهب بدله ولا غش حينئذ فليتأمل ( قوله فاسد إلخ ) [ ص: 308 ] قد يمنع الفساد ودلالة ما استدل به عليه ؛ أن من تصور تجانس الجواهر وانسلاب خاصية النحاس وحصول خاصية الذهب حقيقة رغب .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله بغسل ) إلى قوله ولا يرد في النهاية إلا قوله قيل وكذا في المغني إلا قوله لتصريحه إلى المتن ( قوله ولا استحالة إلى نحو ملح ) كميتة وقعت في ملاحة فصارت ملحا أو أحرقت فصارت رمادا نهاية ومغني ( قوله وإنما تغيرت صفاته ) بأن ينقلب من صفة إلى صفة أخرى ( قوله ومن ثم ) المشار إليه قوله لكن يستثنى من هذا إلخ ( قوله ولو غير محترمة ) والمحترمة هي التي عصرت لا بقصد الخمرية بأن عصرت بقصد الخلية أو لا بقصد شيء وغير المحترمة هي التي عصرت بقصد الخمرية ويجب إراقتها حينئذ قبل التخلل ويتغير الحكم بتغير القصد بعد وهذا التفصيل في التي عصرها المسلم .

                                                                                                                              وأما التي عصرها الكافر فهي محترمة مطلقا شيخنا وبجيرمي ( قوله بحل تلك ) يعني بحل بيع خلالها والسلم فيها ( قوله على أن أهل الأثر إلخ ) عبارة شرح العباب أي والنهاية ظاهر كلامه تغايرهما أي الخمر والنبيذ وهو ما حكاه الشيخان عن الأكثرين لكن في تهذيب الأسماء واللغات عن الشافعي ومالك وأحمد وأهل الأثر أنها اسم لكل مسكر ا هـ ا هـ سم ( قوله على وصفه بذلك ) أي جروا على تسمية كل مسكر بالخمر حقيقة وفي المسألة قولان هل الخمر حقيقة في المعتصرة من العنب مجاز في غيرها أو حقيقة في كل مسكر رشيدي ( قوله كما هو إلخ ) أي كون الخمر حقيقة في مطلق المسكر ( قوله تخللت ) أي صارت خلا ( قوله والتحريم ) استطرادي ( قوله قيل إلخ ) عبارة الخطيب قال الحليمي قد يصير العصير خلا من غير تخمر في ثلاث صور إحداها أن يصب في الدن المعتق بالخل ، ثانيها أن يصب الخل في العصير فيصير بمخالطته خلا من غير تخمر لكن محله كما علم مما مر أن لا يكون العصير غالبا ، ثالثها أن تجرد حبات العنب من عناقيده ويملأ بها الدن ويطين رأسه ا هـ .

                                                                                                                              وجزم شيخنا بذلك بلا عزو وكذا يجزم به الشارح في التنبيه الثاني ( قوله لتعذر اتخاذه ) أي انظره مع إلا إلخ إلا أن يقال غالبا سم عبارة النهاية ولأن العصير لا يتخلل إلا بعد التخمر غالبا فلو لم نقل بالطهارة لربما تعذر الخل وهو حلال إجماعا ولو بقي في قعر الإناء دردي خمر فظاهر إطلاقهم كما قاله ابن العماد أنه يطهر تبعا للإناء سواء استحجر أم لا كما يطهر باطن جوف الدن بل هذا أولى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على إطلاقه ) أي المصنف ( قوله تخلل ما وقع فيه خمر ) قضيته أنه لو وقع على الخمر خمر ثم تخللت لم تطهر ، وفيه نظر بل ينبغي أنها تطهر ويدل له ما يأتي عن البغوي فيما لو ارتفعت بفعل فاعل ثم غمر المرتفع قبل الجفاف بخمر أخرى بل لا بد أنه لو وقع على الخمر نبيذ ثم تخللت طهرت للمجانسة في الجملة ثم رأيته قال في شرح العباب عن الزركشي وابن العماد واحترز الشيخان [ ص: 304 ] بفرضهما التفصيل الآتي في طرح العصير على خل عما لو طرح خمر فوق خمر فإنها تطهر ويحتمل الفرق بين أن يكون الخمر من جنسها فتطهر أو من غير جنسها كما إذا صب النبيذ على الخمر فلا تطهر ا هـ ا هـ سم ويمكن أن يدفع النظر بإرجاع ثم نزع إلخ إلى خمر أيضا وقوله لم تطهر أي كما صرح به في فتح الجواد وقوله ما يأتي عن البغوي إلخ اعتمده الأسنى والشهاب الرملي والنهاية وشيخنا والبجيرمي وكذا اعتمده الخطيب إلا في قيد قبل الجفاف فقال ولو بعد جفافه خلافا للبغوي في تقييده بقبل الجفاف ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله المستثنى إنما هو إلخ ) قد يقال بل المستثنى الخمر من حيث هي ؛ لأن معنى ولا يطهر إلخ لا يصير طاهرا أو لا يقبل الطهارة وحينئذ فالذي يصير طاهرا أو يقبل الطهارة إنما هو الخمر لا الخل إذ هو بالنسبة إليه تحصيل الحاصل بصري عبارة سم قد يقال الخل هو الخمر ؛ لأن العين العين وإنما تغير الوصف والاسم فيصح أن الخمر أي عينها طهرت ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله نظرا إلخ ) متعلق بقوله يتفرع وقوله للغالب أي إذا صح الاستثناء المذكور وهو الذي جرى عليه النهاية والخطيب وغيرهما وسيجزم الشارح به آنفا في التنبيه الثاني وقوله أو المطرد أي لو لم يصح ذلك الاستثناء قول المتن ( وكذا إن نقلت من شمس إلخ ) أو من دن إلى آخر أو فتح رأسه للهواء سواء أقصد بكل منهما التخلل أم لا بخلاف ما لو أخرجت منه ثم صب فيه عصير فتخمر ثم تخلل مغني زاد النهاية وكذا لو صب عصير في دن متنجس أو كان العصير متنجسا ا هـ وهل هذا النقل حرام أو مكروه والراجح الكراهة شيخنا وبجيرمي ( قوله فتطهر ) أي إذا لم يحصل بذلك هبوط للخمر عما كانت عليه أو لا وإلا تنجست لاتصالها بموضع الدن النجس بسبب الهبوط بجيرمي قول المتن ( بطرح شيء ) أي ليس من جنسها أما التي من جنسها فلا تضر فلو صب على الخمر خمر آخر أو نبيذ طهر الجميع على المعتمد زيادي ا هـ بجيرمي .

                                                                                                                              ( قوله كملح ) أي وبصل وخبز حار ولو قبل التخمر مغني ونهاية ( قوله أو وقع ) إلى قوله كما يصرح في النهاية والمغني ( قوله أو وقع فيها إلخ ) وليس منه فيما يظهر الدود المتولد من العصير فلا يضر ع ش وأقره البجيرمي ( قوله وإن لم يكن له أثر في التخلل ) مقتضى هذه الغاية أن باء بطرح بمعنى مع لا للسببية ثم رأيت في البجيرمي عن ع ش ما نصه والباء بمعنى مع لا سببية ؛ لأنه حينئذ يفيد قصر الحكم على عين تؤثر التخلل عادة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقد انفصل منه إلخ ) أي أو هبطت الخمر بنزعها قليوبي ا هـ قال ع ش بقي ما لو كان من شأنه التخلل ثم أخبر معصوم بأنه لم يتخلل منه شيء هل يطهر أم لا فيه نظر والأقرب الأول ؛ لأن هذا ليس مما أقام الشارع فيه المظنة مقام اليقين بل مما بنى فيه الحكم على ظاهر الحال من التخلل من العين وبإخبار المعصوم قطع بانتفاء ذلك فوجب الحكم بطهارته بالتخلل ا هـ . ( قوله كما مر ) أي قبل التنبيه ( قوله أو كان نجسا إلخ ) كالمتنجس بالعين العناقيد وحباتها إذا تخمرت في الدن ثم تخللت نهاية قال ع ش عن سم أن في شرح الروض ما يخالفه ا هـ .

                                                                                                                              وقال الرشيدي مراد م ر به الرد على الشهاب ابن حجر في شرح الإرشاد ا هـ وفي بعض الهوامش ما نصه قال القاضي والبغوي لو أدخل العنب [ ص: 305 ] مع العناقيد في الدن وصار خلا حل قال ابن العماد لأن حبات العنب ليست بعين أجنبية وكذا عراجينه والورق الذي لا يستغنى عنه غالبا وقال الغزالي التنقية من الحبات والعناقيد لم يوجبها أحد وهذا كله صريح واضح في المسألة فلا يعدل عنه وإن قال العباب وتبعه النهاية ومثله أي المتنجس بالعين العناقيد وحباتها إذا تخمرت في الدن ثم تخللت فإنه تبع فيه شرح البهجة التابع للجلال البلقيني في جواب سؤال ، وقد أطال شارحه ابن حجر في الرد عليه فراجعه وعبارته في الإمداد ويستثنى العناقيد وحباتها فلا يضر مصاحبتها للخمر إذا تخللت كما أفهمه كلام المجموع وصرح به الإمام كالقاضي والبغوي وجزم به البلقيني ومشى عليه الأنوار ونوى الرطب كحبات العناقيد انتهت وعبارة الكردي على شرح بافضل ويعفى عن حبات العناقيد ونوى التمر وثفله وشماريخ العناقيد على المنقول كما أوضحته في بعض الفتاوى خلافا لشيخ الإسلام والخطيب والرملي وغيرهم ووفاقا في ذلك للشارح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ما احتيج إلخ ) لعله بالمد كما هو صريح تعبير غيره ( قوله ويحرم تعمد ذلك ) أي بخلاف النقل من شمس إلى ظل وعكسه فلا يحرم كما بينه في شرح العباب سم أي بل يكره شيخنا ( قوله تتخذ خلا ) أي تعالج بشيء حتى تصير خلا بجيرمي ( قوله وعلته ) إلى قوله وفي معنى التخلل في المغني إلا قوله كما لو قتل مورثه ( قوله وعلته ) أي عدم الطهارة ( قوله لأنه ) إلى قوله وفي معنى التخلل في النهاية إلا قوله محرم وقوله كما لو قتل إلى ويطهر ( قوله بفعل محرم ) ما وجه ذكر الحرمة في بيان حكمة النهي والحال أنها لم تثبت إلا به بخلاف منع ميراث القاتل فإن منع القتل معلوم قبل ذلك بغير الدليل الدال على منع الإرث ولعل هذا وجه ضعف هذه العلة المترتب عليه ضعف المبني عليه بصري ( قوله وعلى هذا ) أي التعليل الثاني ( قوله بالنقل السابق ) أي في المتن وقوله ثم أي في النقل السابق ( قوله وما ارتفعت إليه لكن إلخ ) بخلاف ما لو نقص من خمر الدن بأخذ شيء منها أو أدخل فيه شيء فارتفعت بسببه ثم أخرج فعادت كما كانت إلا إن صب عليها خمر حتى ارتفعت إلى الموضع الأول واعتبر البغوي كونه قبل جفافه واعتمده الوالد رحمه الله تعالى ويطهر الدن تبعا لها وإن تشرب بها أو غلت ولو اختلط عصير بخل مغلوب ضر أو غالب فلا فإن كان مساويا فكذلك إن أخبر به عدلان يعرفان ما يمنع التخمر وعدمه أو عدل واحد فيما يظهر أما إذا لم يوجد خبير أو وجد وشك فالأوجه إدارة الحكم على الغالب حينئذ نهاية .

                                                                                                                              وفي المغني ما يوافقه إلا في تقييد الصب بقبل الجفاف وتقييد المساواة بما إذا أخبر به عدلان إلخ قال سم إن شرح الروض نقل ما قاله البغوي من التقييد المذكور وأقره ا هـ وقال الكردي أن الزيادي اعتمده ا هـ وقوله م ر إلا إن صب عليها خمر إلخ أي أو نبيذ أو سكر أو عسل أو نحوها كما قاله القليوبي فالخمر ليس بقيد وليس فيه تخليل بمصاحبة عين ؛ لأن العسل ونحوه يتخمر مدابغي وسيأتي عن النهاية ما يفيده ( قوله لكن بغير فعله ) أي بل بالاشتداد والغليان أسنى وخطيب ( قوله تبعا لها ) وبحث في ذلك سم وغيره بأنه كان يكفي أن يعفى عنه للضرورة ؛ لأنه لا وجه لطهارة البدن فإنه لا تؤثر فيه الاستحالة كما لا يخفي شيخنا ( قوله ونحوه ) لعله بالرفع عطفا على انقلاب إلخ ويحتمل جره عطفا على دم الظبية مسكا [ ص: 306 ] وأراد بنحوه صيرورة نحو الميتة دودا عبارة المغني ويطهر كل نجس استحال حيوانا كدم بيضة استحال فرخا على القول بنجاسته ولو كان دود كلب ؛ لأن للحياة أثرا بينا في دفع النجاسة ولهذا تطرأ بزوالها ؛ ولأن الدود متولد فيه لا منه ولو صار الزبل المختلط بالتراب على هيئة التراب لطول الزمان لم يطهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لصلاحيته إلخ ) كأن اللام بمعنى عند فيوافق ما تقدم عن النهاية من أن المدار على صلاحيته للتخلق وإلا فدعوى كلية الصلاحية فيما إذا كانت عن كبس ذكر محل نظر ( قوله تنبيه يكثر السؤال إلخ ) عبارة النهاية ولو جعل مع نحو الزبيب طيبا متنوعا ونقع ثم صفي وصارت رائحته كرائحة الخمر فيحتمل أن يقال إن ذلك الطيب إن كان أقل من الزبيب تنجس وإلا فلا أخذا من قولهم لو ألقي على عصير خل دونه تنجس وإلا فلا ؛ لأن الأصل والظاهر عدم التخمر ولا عبرة بالرائحة ويحتمل خلافه وهو أوجه ا هـ .

                                                                                                                              أقول لم يبين أن خلافه إطلاق الطهارة أو إطلاق النجاسة لكن الثاني أقرب ؛ لأن إطلاق الطهارة في غاية البعد لشموله ما إذا قل الطيب جدا مع القطع حينئذ بالتخمر ولعل وجه اعتماد إطلاق النجاسة وإن كثر الطيب وقل الزبيب أن الطيب ليس بمانع من التخمر وإن كثر بخلاف الخل مع العصير فليتأمل بصري وجزم بالأول الأجهوري وكذا ع ش وأقره الرشيدي عبارته قوله م ر ويحتمل خلافه إلخ وهو الطهارة مطلقا وهو ما في حاشية الشيخ ع ش ا هـ .

                                                                                                                              ويؤيده سابق كلام النهاية لاحقه كما يظهر بمراجعته ( قوله متنوع ) ليس بقيد في الحكم وإنما قيد به ؛ لأنه الذي وقع السؤال عنه لكونه الواقع رشيدي ( قوله وإلا ) أي بأن غلبه الخل أو ساواه خطيب ( قوله ويؤخذ منه ) أي من التعليل بأن الأصل إلخ ( قوله في الأولى ) أي فيما إذا كان الخل دون العصير ( قوله ولم يشتد إلخ ) الأسبك الموافق لنظيره الآتي إسقاط الواو ( قوله في الأخيرتين ) أي فيما إذا كان الخل أكثر من العصير أو ساواه ( قوله ويحتمل الفرق ) أي بين الأولى وبين الأخيرتين وتقدم عن ع ش آنفا ما يقتضي أنه هو الأقرب ( قوله بخلاف ما بعدها ) أي الأخيرتين .

                                                                                                                              ( قوله فحينئذ ) أي حين إذ قلنا إن ما نيط بالمظنة إلخ ( قوله من وجوده ) أي التخمر ( قوله في انقلاب الشيء ) أي الممكن ( عن حقيقته ) أي إلى حقيقة أخرى ( قوله حقيقة ) أي انقلابا حقيقيا و ( قوله وإلا ) أي وإن لم يكن حقيقيا ( قوله إلى ذلك ) أي الانقلاب ( قوله والحق الأول ) أي وقولهم قلب الحقائق محال مفروض في حقائق الواجب والممكن والممتنع والمراد استحالة قلب الواجب ممكنا أو ممتنعا وعكس ذلك ( قوله ومن ثم ) أي لأجل أن الحق هو الأول ( قوله على ما مر ) أي من الانقلاب حقيقة ( قوله وبثانيهما ) وهو انقلاب الصفة فقط ( قوله إنه باق على نجاسته ) قد يؤخذ من ذلك أنه لو مسخ آدمي كلبا فهو على طهارته فليتأمل سم ( قوله وعلى الأول ) وهو الإبدال ذاتا وصفة ( قوله أنه ينبني ) أي الخلاف في تعلم الكيمياء والعمل به ( على هذا الخلاف ) أي في انقلاب الشيء عن حقيقته ( فعلى الأول ) أي جواز الانقلاب [ ص: 307 ] قوله : جاز له عمله ) يعني العمل به بدليل قوله بعد لا يسمى العمل به إلخ وبذلك التأويل يظهر حمله على ما قبله ( قوله أنه ) العمل بعلم الكيمياء وتعليمه ( قوله وهو إلخ ) أي سر القدر ( قوله كما في تفسير البيضاوي ) أي إن علم الكيمياء وتعلمه من هتك سر القدر ( قوله بمنع أن هذا ) أي العمل بعلم الكيمياء وتعليمه ( منه ) أي من هتك سر القدر ( قوله لذلك ) أي لسر القدر ( قوله قتل الغلام ) من ظرفية الخاص للعام ( قوله هذا ) أي القول بأن العمل بالكيمياء من هتك سر القدر ( منه ) أي من البيضاوي .

                                                                                                                              ( منزع صوفي ) أي مشرب صوفي وخلاف التحقيق ( قوله وهو ) أي ما في بعض الحواشي ( قوله مما يكشفه الله إلخ ) أي من إظهار ما يكشفه الله والعمل به ( قوله ولا استعداد ) ما الداعي إلى نفي الاستعداد مع أن الصوفية يعتبرونه ويبينونه فليتأمل بصري ( قوله وإن قلنا بالثاني ) المراد به كما هو ظاهر ونبه عليه بعضهم القول بامتناع الانقلاب السابق في قول الشارح وقيل لا لا الثاني من الاعتبارين السابق في قوله أو بأن يسلب إلخ كما فهمه سم وبنى عليه اعتراضه بما نصه قوله وإن قلنا بالثاني إلخ فيه نظر ؛ لأنا إذا قلنا بتجانس الجواهر وفرضنا أن خاصية النحاس سلبت وحصل بدلها خاصية الذهب فهذا ذهب حقيقة ولا فرق في المعنى بين حصول الذهب بهذا الطريق وحصوله بالطريق الأول وهو إعدام النحاس وخلق الذهب بدله ولا غش حينئذ فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ذلك ) أي علم الكيمياء ( قوله وكان ) لعل الأولى إسقاط الواو ( قوله ذلك ) أي العمل بالكيمياء ( قوله فالوجه الحرمة ) إطلاق منعه على القول بالثاني محل تأمل على أن في النفس شيئا من إطلاق تحريم العلم المجرد الخالي عن العمل وأن فرض حرمة العمل لاشتماله على نحو غش لا سيما بالنسبة إلى من يعلم من نفسه أن علم ذلك لا يجره إلى عمله وكان الملحظ فيه أي في إطلاق المنع بفرض تسليمه جسم الباب بصري وهذا مثل ما مر عن سم مبني على أن المراد بالثاني ثاني الاعتبارين لا ثاني القولين المرجوح ، وقد مر ما فيه وعلى فرض إرادته فالأقرب ما قاله الشارح من إطلاق حرمة تعلمه على القول بالثاني ؛ لأن شأن علمه أن يكون وسيلة لنحو غش ولو بتعليمه لغيره ( قوله إن باعه ) أي بعد نحو صبغه كردي .

                                                                                                                              وظاهر أن البيع ليس بقيد فمثله نحو الهبة ( قوله جاز إلخ ) فيه توقف ؛ لأن شأنه أن يكون وسيلة للغش بتداول الأيدي ( قوله لمن يعلمه ) من الإعلام ( قوله كبيع الخمر إلخ ) راجع للمنفي بالميم ( قوله فاسد إلخ ) قد يمنع الفساد ودلالة ما استدل به عليه ؛ لأن من تصور تجانس الجواهر وانسلاب خاصية النحاس وحصول خاصية الذهب حقيقة رغب أي في ذلك المصبوغ سم وفيه نظر ظاهر ؛ لأنه ليس في الصبغ سلب الخاصية وانقلابها كما هو صريح جعل الشارح كلا من الصبغ والخلط مقابلا للكيمياء .

                                                                                                                              ( قوله وظاهره حل إلخ ) قد يناقش فيه بأن المتبادر المماثلة من حيث الصورة لا من حيث المادة قاله البصري ودعواه التبادر المذكور ظاهر المنع ( قوله حيث كان يساويه إلخ ) ينبغي ويأمن فتنة ظهوره .




                                                                                                                              الخدمات العلمية