الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال للغير وتوابعها .

                                                                                                                              ( زيادة المغصوب إن كانت أثرا محضا كقصارة ) لثوب وطحن لبر وخياطة بخيط للمالك وضرب سبيكة دراهم ( فلا شيء للغاصب بسببها ) لتعديه بعمله في ملك غيره وبه فارق ما مر في المفلس من مشاركته للبائع ؛ لأنه عمل في ملك نفسه ( وللمالك تكليفه رده كما كان إن أمكن ) ولو بعسر كرد اللبن طينا والدراهم والحلي سبائك إلحاقا لرد الصفة برد العين لما تقرر من تعديه وشرط المتولي أن يكون له غرض خالفه فيه الإمام وإطلاق الشيخين يوافقه فهو الأوجه ، وإن قال الأذرعي إن الأول أحسن فإن لم يمكن رده كما كان كالقصارة لم يكلف ذلك بل يرده بحاله ، وقد يقتضي المتن أنه لو رضي المالك ببقائه لم يعده وقيداه بما إذا لم يكن له غرض ، وإلا كأن ضرب الدراهم بغير إذن السلطان فله إعادته خوفا من التعزير ( وأرش ) بالرفع عطفا على تكليفه والنصب عطفا على رده ( النقص ) لقيمته قبل الزيادة سواء أحصل النقص بها من وجه آخر أم بإزالتها ويلزمه مع ذلك أجرة مثله لدخوله في ضمانه لا لما زاد بصنعته ؛ لأن فواته بأمر المالك ومن ثم لو رده بغير أمره ولا غرض له غرم أرشه وعلم مما مر في رد التراب أنه لو لم يكن للغاصب غرض في الرد سوى عدم لزوم الأرش ومنعه المالك منه [ ص: 42 ] وأبرأه امتنع عليه وسقط عنه الأرش ( وإن كانت ) الزيادة التي فعلها الغاصب ( عينا كبناء وغراس كلف القلع ) وأرش النقص لخبر { ليس لعرق ظالم حق } وهو حسن غريب وفيه كلام بينته في شرح المشكاة مع بيان معناه بما ينبغي الرجوع إليه والمراد بالعرق هنا أصل الشيء وفيهما التنوين وتنوين الأول وإضافة الثاني وللغاصب قلعه وإن نقصت به الأرض أو رضي المالك بإبقائه بالأجرة أو أراد تملكه إذ لا أرش على المالك في القلع وبه فارق ما مر في العارية ولا يلزمه قبوله لو وهبه له وكذا الصبغ فيما يأتي للمنة .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 41 ] ( فصل فيما يطرأ على المغصوب من زيادة إلخ )

                                                                                                                              ( قوله فهو الأوجه ) اعتمده م ر ، وكذا قوله وقيداه إلخ ( قوله فله إعادته خوفا من التعزير ) يدل على أنه في الواقع يسقط التعزير بإعادته وقد يمنع دلالته على ذلك بناء على أن المراد أن بقاء الدراهم بحالها يؤدي إلى اطلاع السلطان فيعزره وإعادتها طريق إلى عدم اطلاعه على ما وقع وقد يقال لولا سقوط التعزير ما جاز له التسبب في دفعه بالإعارة وقد يوجه بأنه ما لم يبلغ الإمام فينبغي له كتمه والسعي في دفعه كما في موجب الحد ( قوله لا لما زاد ) عطف على لقيمته ش ( قوله ولا غرض له ) بخلاف ما إذا كان له غرض ( قوله غرم أرشه ) أي أرش النقص لما زاد بصنعته ( فرع )

                                                                                                                              قال في شرح الروض ، ولو ضرب الشريك الطين المشترك لبنا أو السبائك دراهم بغير إذن شريكه فيجوز له كما أفتى [ ص: 42 ] به البغوي أن ينقضه ، وإن رضي شريكه بالبقاء لينتفع بملكه كما كان . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وللغاصب قلعه ، وإن نقصت به الأرض إلخ ) عبارة الروض وشرحه ، ولو أراد المالك التملك للبناء والغراس بالقيمة أو الإبقاء له بالأجرة لم يجب إليه أي لم يلزم الغاصب إجابته لتمكنه من القلع بلا غرامة بخلاف المستعير . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو رضي المالك بإبقائه بالأجرة إلخ ) هذا مفروض كما ترى فيما إذا أراد الغاصب القلع فلا يمنعه منه رضا المالك إلخ وقول المصنف في العارية ، وإلا فإن اختار المستعير القلع قلع إلى أن قال ، وإن لم يختر لم يقلع مجانا بل للمعير الخيار إلخ يدل على [ ص: 43 ] أنه إذا اختار المستعير القلع قلع ولا يمنعه منه رضا المالك بالإبقاء بالأجرة ولا طلب تملكه فلا فرق بينهما حينئذ فقوله وبه فارق ما في العارية فيه نظر وإنما يحتاج للفرق بينهما فيما إذا امتنع المستعير والغاصب من القلع فللمالك حينئذ قهرا الإبقاء بالأجرة أو التملك بالقيمة هناك لا هنا فليراجع .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل ) فيما يطرأ على المغصوب ( قوله فيما يطرأ ) إلى قول المتن ، ولو صبغ في النهاية إلا قوله وهو حسن إلى وللغاصب وقوله ولا يلزمه إلى المتن ( قوله من زيادة المراد بها ) الأمر الطارئ على المغصوب ، وإن حصل به نقص قيمته . ا هـ بجيرمي ( قوله وتوابعها ) كقوله ، ولو خلط المغصوب إلخ قول المتن ( كقصارة ) بفتح القاف مصدر لقصر الثوب وحكي كسرها والمعروف أن الذي بالكسر اسم للصناعة انتهى برماوي والمراد بالقصارة وما بعدها كونه مقصورا ومطحونا ومخيطا حتى يصلح جعلها مثالا للأثر وإلا فالقصارة والطحن والخياطة أفعال لا تصلح مثالا للأثر فالمراد بها ما ينشأ عنها . ا هـ بجيرمي ( قوله لثوب ) إلى قوله إلحاقا في المغني ( قوله بخيط للمالك ) أما لو كان الخيط من الغاصب وزادت به القيمة شارك به إن لم يكن فصله كما يأتي في الصبغ . ا هـ ع ش ( قوله وضرب سبيكة إلخ ) أي وضرب الطين لبنا وذبح الشاة وشيها . ا هـ مغني ( قوله لتعديه ) أي بحسب نفس الأمر حتى لو قصر ثوب غيره يظنه ثوبه لم يكن له شيء . ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله وبه ) أي بالتعدي ( قوله ؛ لأنه ) أي المفلس ( قوله وشرط إلخ ) مبتدأ و ( قوله أن يكون له ) أي للمالك مفعوله و ( قوله خالفه إلخ ) خبره ( قوله يوافقه ) أي الإمام ( قوله فهو ) أي ما قاله الإمام ( أوجه ) اعتمده المغني ، وكذا اعتمد قوله الآتي وقيداه إلخ ( قوله إن الأول ) أي ما قاله المتولي ( قوله فإن لم يمكن إلخ ) محترز المتن ( قوله وقد يقتضي المتن إلخ ) لعل وجه الاقتضاء جعل الرد مرتبا على تكليف المالك . ا هـ ع ش ( قوله بغير إذن السلطان ) أي أو على غير عبارة منهج ومغني ( قوله فله إعارته ) أي للغاصب ( قوله من التعزير ) أي من أن بقاء الدراهم بحالها يؤدي إلى اطلاع السلطان فيعزره . ا هـ سم ( قوله لقيمته ) أي المغصوب وهو إلى قوله ومن ثم في المغني ( قوله بها ) أي الزيادة . ا هـ ع ش ، وكذا ضمير إزالتها كما في الكردي ( قوله لا لما زاد إلخ ) عطف على لقيمته ش . ا هـ سم عبارة الرشيدي أي له أرش نقص قيمته قبل الزيادة لا أرش نقص حصل بإزالة الصنعة الحاصلة بفعله . ا هـ أي كأن كانت قيمة المغصوب قبل الزيادة مائة وصارت بسبب الزيادة مائة وخمسين وعادت بسبب الإزالة إلى مائة فلا يلزم الغاصب الخمسون الزائدة

                                                                                                                              ( قوله ؛ لأن فواته ) أي ما زاد ع ش وكردي ( قوله لو رده ) أي أزاله الغاصب ( بغير أمره ) أي المالك ( قوله ولا غرض له ) أي للغاصب بخلاف ما إذا كان له غرض . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله غرم أرشه ) أي أرش النقص لما زاد بصنعته سم على حج . ا هـ ع ش عبارة البجيرمي والحاصل أن رده كما كان إن كان بطلب المالك أو لغرض الغاصب لزمه أرش النقص عما كان قبل الزيادة لا عما كان بعدها فإن كان بغير طلب المالك وبلا غرض الغاصب لزمه أرش النقص حتى النقص عما كان بعد الزيادة كما أفاده البرماوي . ا هـ ( قوله ومنعه المالك إلخ ) ليس المنع بقيد بل المدار على البراءة وينبغي فيما لو اختلفا في البراءة وعدمها أن المصدق هو المالك ؛ لأن الأصل عدم الإبراء وبقاء شغل ذمة الغاصب . ا هـ ع ش عبارة البجيرمي عن القليوبي ولا حاجة لمنع المالك مع الإبراء خلافا لما يوهمه كلام المنهج ولا يكفي المنع من غير إبراء [ ص: 42 ] بخلاف ما مر في الحفر . ا هـ

                                                                                                                              ( قوله وأبرأه ) أي من الأرش . ا هـ ع ش ( قوله امتنع عليه ) نعم لو ضرب الشريك الطين لبنا أو السبائك دراهم بغير إذن شريكه جاز له كما أفتى به البغوي أن ينقضه وإن رضي شريكه بالبقاء لينتفع بملكه كما كان مغني وشرح الروض وأقره سم ( قوله وأرش النقص ) إن كان وإعادتها كما كانت وأجرة المثل إن مضت مدة لمثلها أجرة مغني ونهاية ومنهج ( قوله { لعرق ظالم } ) بكسر العين المهملة وسكون الراء المهملة . ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله وفيهما التنوين إلخ ) قال الطيبي إن أضيف فالمراد بالظالم الغارس سماه ظالما ؛ لأنه تصرف في ملك الغير بغير الإذن وقال غيره المراد بعرقه عرق زرعه وشجره ، وإن وصف فالمراد به المغروس على الإسناد المجازي ؛ لأن الظلم حصل به . ا هـ كردي ( قوله وتنوين الأول وإضافة الثاني ) يتأمل فلعل في العبارة قلبا من النساخ إن لم تكن بخط الشارح . ا هـسيد عمر عبارة ع ش فيه تأمل وعبارة شرح المشكاة وإضافة الأول وتنوين الثاني وهي الصواب ؛ لأن حق بمعنى احترام اسم ليس فلا يكون مضافا إليه . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وللغاصب ) إلى قوله وبه فارق في المغني وشرح الروض ( قوله قلعه ) أي الزائد من البناء والغراس فالمراد بالقلع ما يشمل الهدم .

                                                                                                                              ( قوله إذ لا أرش على المالك في القلع ) ، ولو بادر لذلك أي القلع أجنبي غرم الأرش أي للغاصب ؛ لأن عدم احترامه بالنسبة للمالك فقط ، ولو كان البناء والغراس مغصوبين من آخر فلكل من مالكي الأرض والبناء والغراس إلزام الغاصب بالقلع ، وإن كانا لصاحب الأرض ورضي به المالك امتنع على الغاصب قلعه ولا شيء عليه أي الغاصب ، وإن طالبه بقلعه فإن كان له فيه غرض لزمه قلعه مع أرش النقص ، وإلا فوجهان أوجههما نعم لتعديه أما نماء المغصوب كما لو اتجر الغاصب في المال المغصوب فالربح له ، فلو غصب دراهم واشترى شيئا في ذمته ثم نقدها في ثمنه وربح رد مثل الدراهم عند تعذر رد عينها فإن اشترى بالعين بطل ، ولو غصب أرضا وبذرا من شخص وبذره في الأرض كلفه المالك أي للأرض والبذر إخراج البذر منها وأرش النقص ، وإن رضي المالك ببقاء البذر في الأرض امتنع على الغاصب إخراجه ، ولو زوق الغاصب الدار المغصوبة بما لا يحصل منه شيء بقلعه لم يجز له قلعه إن رضي المالك ببقائه وليس للمالك إجباره عليه كما في الروضة خلافا للزركشي كالثوب إذا قصره نهاية ومغني قال ع ش قوله م ر إلزام الغاصب إلخ أي فإن لم يفعل جاز لكل منهما ما فعله بنفسه ، وينبغي أن مؤنة القلع إن تبرع بها صاحب الأرض أو البناء والغراس فذاك ، وإلا رفع الأمر إلى قاض يلزم الغاصب بصرفها فإن فقد القاضي صرفها المالك بنية الرجوع وأشهد وقوله امتنع أي فإن فعل لزمه الأرش إن نقصت وقوله بطل أي والزيادة للبائع فإن جهل كان ذلك من الأموال الضائعة وأمرها لبيت المال . ا هـ كلام ع ش

                                                                                                                              ( قوله وبه فارق ما مر في العارية ) أي فإنه لو طلب المعير منه التبقية بالأجرة أو تملكه بالقيمة لزم المستعير موافقته لكن محله كما مر حيث لم يختر القلع أما عند اختياره له فلا تلزمه موافقة المعير لو طلب التبقية بالأجرة أو التملك بالقيمة ثم رأيت في سم على حج ما يصرح به عبارته قوله وبه فارق إلخ فيه نظر وإنما يحتاج للفرق بينهما فيما إذا امتنع المستعير والغاصب من القلع فللمالك حينئذ قهر الإبقاء بالأجرة والتملك هناك لا هنا فليراجع انتهى . ا هـ ع ش ( قوله ولا يلزمه ) أي المالك ( قبوله ) أي الزائد ( لو وهب له ) أي الغاصب الزائد للمالك




                                                                                                                              الخدمات العلمية