الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              حيث أجمل الواقف شرطه اتبع فيه العرف المطرد في زمنه ؛ لأنه بمنزلة شرطه ثم ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين كما يدل عليه كلامهم ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة على الطرق غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب وظاهر كلام بعضهم اعتبار العرف المطرد الآن في شيء فيعمل به أي عملا بالاستصحاب المقلوب ؛ لأن الظاهر وجوده في زمن الواقف وإنما يقرب العمل به حيث انتفى كل من الأولين وقد استفتيت عن قراء الأجزاء المسميين بالصوفية هل يدخلون في أرباب الشعائر إذا شرط تقديمهم ؟ فأجبت بحاصل ما تقرر هنا وفيما مر مع الزيادة عليه أنه إن عرف عرف مطرد في زمن الواقف وقد علم به عملنا به عمل النظار فإن اختلف فالأكثر وإلا فبما دلت عليه القرائن وهو أنه ليس المراد بالشعائر هنا ما في الآية من علامات الدين لئلا يلزم عليه إلغاء شرطه إذ تفسيرهم بذلك يدخل جميع أرباب الوظائف لشمول علامات الدين لها والذي صرح به شرطه أن ثم وظائف تسمى أرباب شعائر ووظائف لا تسماه فتعين أن المراد بهم هنا من تعود أعمالهم بوضعها على نفع الوقف أو المسلمين ، ومجرد قراءة في جزء ليست كذلك بخلاف نحو تدريس وطلب وناظر ومشد وجاب وأوقع لبعضهم مخالفة في بعض هذا والوجه ما قررته .

                                                                                                                              وبحث بعضهم حرمة نحو بصاق وغسل وسخ في ماء مطهرة المسجد وإن كثر وأن ما وقف للفطر به في رمضان وجهل مراد الواقف ولا عرف له يصرف لصوامه في المسجد [ ص: 261 ] ولو قبل الغروب ولو أغنياء وأرقاء ولا يجوز الخروج به منه وللناظر التفضيل والتخصيص انتهى والوجه أنه لا يتقيد بمن في المسجد ؛ لأن القصد حيازة فضل الإفطار وهو لا يتقيد بمحل قال القفال وتبعوه ويجوز شرط رهن من مستعير كتاب وقف يأخذه الناظر منه ليحمله على رده وألحق به شرط ضامن فليس المراد منهما حقيقتهما وذكروا في الجعالة أنه يجوز أخذ العوض على النزول عن الوظائف نعم إن بان بطلان النزول رجع بما دفعه وإن كان قد أبرأ منه كما أفتى به بعضهم قال ؛ لأن الإبراء وقع في مقابلة استحقاق الوظيفة ولم تحصل فهو كما لو صالحه عن عشرة دراهم مؤجلة على خمسة حالة فالصلح باطل ؛ لأنه أبرأه من الخمسة في مقابلة حلول الباقي وهو لا يحل فلا يصح الإبراء انتهى وفي قياسه نظر ؛ لأن الصلح المذكور متضمن لاشتراط كون الإبراء في مقابلة الحلول فإذا انتفى الحلول انتفى الإبراء وفي مسألتنا لم يقع شرط ذلك لا صريحا ولا ضمنا وإنما وقع الإبراء مبتدأ مستقلا وذلك يقتضي التبرع وأنه لا يقبل قوله : صدته في مقابلة صحة النزول ؛ لأنه لو سكت عنه رجع فتصريحه به قرينة على التبرع ، والكلام في إبراء بعد تلف المعطي وإلا فالإبراء من الأعيان باطل اتفاقا ولو مات ذو وظيفة فقرر الناظر آخر فبان أنه نزل عنها لآخر لم يقدح ذلك في التقرير كما أفتى به بعضهم وهو ظاهر بل لو قرره مع علمه بذلك فكذلك ؛ لأن مجرد النزول سبب ضعيف إذ لا بد من انضمام تقرير الناظر إليه ولم يوجد فقدم المقرر .

                                                                                                                              وأفتى بعضهم في الوقف على النبي صلى الله عليه وسلم أو النذر له بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط أو على أهل بلد أعطي مقيم بها غاب عنها لحاجة غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا انتهى والأولى تأتي في النذر بزيادة .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط ) أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي وهذا إذا وقف عليه بعد مماته فيحمل على ما ذكر ويبقى ما لو وقف عليه في حياته فهل يصح الوقف أو لا لأنه صدقة وهي محرمة عليه ؟ وفي أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب للسيوطي ما نصه اختص صلى الله عليه وسلم بتحريم الزكاة والصدقة والكفارة عليه إلى أن قال والمنذورات قال البلقيني وخرجت على ذلك أنه كان يحرم عليه أن يوقف عليه معينا لأن الوقف صدقة تطوع وفي الجواهر للقمولي ما يؤيده فإنه قال صدقة التطوع كانت حراما عليه على الصحيح وعن أبي هريرة أن صدقة الأعيان كانت حراما عليه دون العامة كالمساجد ومياه الآبار . ا هـ . وبحث م ر في ذلك بأنه كان يمكن دعوى الجواز ؛ لأنه إنما يستحق في الموقوف بعد تمام الوقف وبتمامه ينتقل الملك إلى الله تعالى فانتفاعه بعد ذلك انتفاع بمملوك لله فلا ذل فيه وسيأتي في الهبة عن السبكي أن المنافع لم يملكها الموقوف عليه بتمليك الواقف . بل بتسليمه من جهة الله تعالى



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : فيه ) أي السدس ( قوله : ونقل الماء ) عطف على غير إلخ ( قوله : ولو للشرب ) أي ولو كان النقل له ( قوله : به ) أي لاستصحاب المقلوب ( قوله : كل من الأولين ) وهما العرف المطرد والأقرب إلى مقاصد الواقفين ( قوله المسميين ) بصيغة الجمع نعت للقراء وقياس علم التصريف إسقاط الياء الأولى ( قوله : وفيما مر ) أي أول الفروع وفي باب الإحياء قبيل فصل المعدن إلخ ( قوله : عليه ) أي ما تقرر إلخ ( قوله : أنه إن عرف إلخ ) بيان للحاصل ( قوله : فالأكثر ) الأنسب فيها الأكثر ( قوله : وهو إلخ ) أي ما دلت عليه القرائن ( قوله : شرطه ) أي تقديم أرباب الشعائر ( قوله : لا تسماه ) أي اسم أرباب شعائر ( قوله : بهم ) أي بأرباب الشعائر ( قوله : على نفع الوقف ) أي الواقف ( قوله : ومجرد قراءة إلخ ) الواو حالية ( قوله : كذلك ) أي عائدا بوضعها على نفع الوقف والمسلمين ( قوله : وإن كثر ) أي الماء ( قوله : وإن ما وقف إلخ ) عطف على حرمة إلخ ( قوله : ولا عرف له ) أي للموقوف للفطر ( قوله : في المسجد ) حال من [ ص: 261 ] الصوام ( قوله : ولو قبل الغروب إلخ ) غاية ليصرف ( قوله الخروج به منه ) أي بذلك الموقوف من المسجد يعني الصرف لهم في خارج المسجد ( قوله وهو ) أي فضل الأنظار ( قوله : ويجوز إلخ ) مقول قال ( قوله : كتاب وقف ) بالتوصيف أو الإضافة ( قوله : يأخذه ) أي الرهن و ( قوله : منه ) أي المستعير ( قوله : ليحمله ) أي الرهن المستعير والجار متعلق بشرط رهن إلخ ( قوله : منهما ) أي الرهن والضامن ( قوله : قد أبرأه ) أي الدافع الآخذ ( منه ) أي العوض ( قوله : وفي قياسه ) أي وفتواه المبني عليه كما يفيده آخر كلامه لكن القلب إلى الفتوى أميل ( قوله : شرط ذلك ) أي الإبراء عما دفعه في مقابلة النزول ( قوله : وأنه لا يقبل قوله : إلخ ) قياس نظائره تقييده بالظاهر فيقبل باطنا فليراجع .

                                                                                                                              ( قوله : قصدته ) أي وقوع الإبراء ( قوله : لو سكت عنه ) أي عن الإبراء ( قوله : المعطى ) بفتح الطاء ( قوله : أنه ) أي صاحب الوظيفة ( نزل ) أي في حياته و ( قوله : لآخر ) أي لغير ما قرره الناظر ( قوله : بذلك ) أي بالنزول لآخر ( قوله : فكذلك ) أي فالتقرير صحيح ( قوله : فقدم المقرر ) أي على المنزول له ( قوله : بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط ) أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي وهذا إذا وقف عليه بعد مماته فيحمل على ما ذكر وبقي ما لو وقف عليه في حياته فهل يصح الوقف أو لا ؛ لأنه صدقة وهي محرمة عليه وفي أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب للسيوطي ما نصه اختص صلى الله عليه وسلم بتحريم الزكاة والصدقة والكفارة عليه إلى أن قال والمنذورات قال البلقيني : وخرجت على ذلك أنه كان يحرم عليه أن يوقف عليه معينا ؛ لأن الوقف صدقة تطوع وفي الجواهر للقمولي ما يؤيده . ا هـ . ا هـ . سم أقول ويعلم من ذلك أنه يحرم على أهل بيته صلى الله عليه وسلم أن ينذر له معينا كما قاله ع ش وإن خالفه بعض المتأخرين وأطال في الرد عليه بتأليف مستقل بمجرد الفهم بدون نقل ( قوله : غاب إلخ ) يعني ولو غاب إلخ وإنما خصه بالذكر لكونه محل توهم ( قوله : والأولى ) أي مسألة الوقف أو النذر له صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية