الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وما لا يمتنع منها ) أي من صغار السباع ( كشاة ) وعجل وفصيل وكسير إبل وخيل ( يجوز التقاطه ) للحفظ و ( للتملك في القرية والمفازة ) زمن الأمن والنهب ولو لغير القاضي كما اقتضاه إطلاق الخبر وصونا له عن الضياع ( ويتخير آخذه ) أي المأكول للتملك ( من مفازة ) بين ثلاثة أمور ( فإن شاء عرفه ) وينفق عليه ( وتملكه ) بعد التعريف كغيره ( أو باعه ) بإذن الحاكم إن وجده بشرطه الآتي ( وحفظ ثمنه ) كالأكل بل أولى ( وعرفها ) أي اللقطة بعد بيعها لا الثمن ولذا أنث الضمير هنا حذرا من إيهام عوده على الثمن وذكره في أكله ؛ لأنه لا إيهام فيه ( ثم تملكه ) أي الثمن ( أو ) تملكه حالا ثم ( أكله ) إن شاء إجماعا ويفرق بين احتياجه لإذن الحاكم في البيع لا هنا كما يصرح به كلامهم بأن البيع فيه رعاية مصلحة المالك وهي منوطة بنظر الحاكم والتملك المصلحة فيه الناجزة للملتقط فقط فلم يتوقف على نظر حاكم ولا يجوز له أكله قبل تملكه نظير ما يأتي فيما يسرع فساده .

                                                                                                                              ( وغرم قيمته ) يوم تملكه لا أكله كما يصرح به آخر الباب خلافا لمن وهم فيه لمالكه ( إن ظهر مالكه ) ولا يجب تعريفه في هذه الخصلة على الظاهر عند الإمام [ ص: 327 ] وسيأتي عنه نظيره بما فيه وعلل ذلك بأن التعريف إنما يراد للتملك وهو قد وقع قبل الأكل واستقر به بدله في الذمة ومن ثم لم يلزمه إفرازه بل لا يعتد به ؛ لأن بقاءه بذمته أحفظ وليس له بيع بعضه للإنفاق لئلا تستغرق النفقة باقيه ولا الاستقراض على المالك لذلك وفارق ما مر في هرب الجمال بأنه ثم يتعذر بيع العين ابتداء لتعلق الإجارة بها وعدم الرغبة فيها غالبا حينئذ ولا كذلك اللقطة ولا يرجع بما أنفق إلا إن أذن له الحاكم إن أمكنت مراجعته وإلا كأن خاف عليه أو على ماله فيما يظهر أشهد على أنه ينفق بنية الرجوع وأولاهن الأولى ؛ لأن فيها حفظ العين على مالكها ثم الثانية لتوقف استباحة الثمن على التعريف والأكل تتعجل استباحته قبله ومحل ذلك إن لم يكن أحدهما أحظ للمالك وإلا تعين كما قاله الماوردي ويؤيده ما يأتي بل وزاد رابعة هي تملكها حالا ليستبقها حية لدر أو نسل ؛ لأنه أولى من الأكل وله إبقاؤه لمالكه أمانة إن تبرع بإنفاقه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ويفرق بين احتياجه إلخ ) عندي أن هذا الذي فرق به لا يصلح للفرق وذلك ؛ لأن مصلحة المالك مقدمة على مصلحة الملتقط وكل من الأمور الثلاثة قد يكون فيه مصلحة المالك وقد يكون في خلافه فكما احتيج في الأول إلى نظر الحاكم ليأذن فيه إن رأى فيه مصلحة ويمنعه إن رأى المصلحة في خلافه فليحتج في البقية إلى نظره لذلك وتحقق مصلحة ناجزة في بعضها للملتقط لا ينافي ذلك بل يؤكده ؛ لأنه إذا نيط بنظره ما لا حظ فيه حالا لغير المالك ففيما فيه حظ لغيره حالا أولى فليتأمل ولا يسوغ الإعراض عن النظر في أن ذلك البعض مصلحة للمالك فيسوغ أولا فيمتنع فتأمله فإنه في غاية الحسن والدقة ( قوله يوم ) معمول لقيمته وقوله لا أكله [ ص: 327 ] عطف على تملكه ش ( قوله بل لا يعتد به إلخ ) كذا شرح م ر ويتأمل مع قول الروض فإن نقل أي أفرزها استقلالا إن لم يجد حاكما أو بإذنه إن وجده فالمفرز أمانة لا يضمن إلا بتفريط ويتملكه بعد التعريف ا هـ .

                                                                                                                              قال في شرحه هذا يقتضي صيرورة المفرز ملكا لمالك اللقطة ولهذا لو تلف بلا تقصير سقط حقه صرح به الأصل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بأنه ثم يتعذر بيع العين ابتداء ) أي مع كونه المتسبب في ذلك والمورط لنفسه فيه ( قوله لتعلق الإجارة بها ) قد يقال التعلق لا يمنع البيع ؛ لأن البيع ينحط عليها مسلوبة المنفعة ( قوله ولا يرجع بما أنفق إلا إن أذن الحاكم إلخ ) قد يستشكل جواز الإنفاق بإذن الحاكم ثم الإشهاد والرجوع حينئذ بما أنفق يمنع بيع الحر والاستقراض مع جريان علة منعهما هنا وقد يفرق بأن خوف الضرر هناك أتم وأقرب وذلك ؛ لأن كلا من الثمن والقرض يصير في يده أمانة فقد يتلف قبل صرفه في الإنفاق وهو غير مضمون لكونه أمانة كما ذكر فيفوت على المالك في الأول ويلزمه بدله في الثاني من غير حصول المقصود بهما بخلاف الإنفاق فإنه لا يلزم المالك إلا بعد تحققه حصول المقصود به فلا يتطرق إليه فوات عليه بلا فائدة فليتأمل ( قوله وإلا ) أي وأن لا تمكن مراجعته ش ( قوله ويؤيده ما يأتي إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله إن تبرع بإنفاقه ) يوجه اعتبار ذلك هنا دون ما تقدم بأن الإنفاق هنا دائما وفيه ضرر كبير بخلافه فيما تقدم فإنه مدة التعريف فقط وقد يؤخذ من ذلك أنه لو التقط للحفظ أبدا كان كما هنا بل هذا من أفراد ما للحفظ أبدا أو في معناه إن كان الفرض أنه التقط للتملك ثم أراد إبقاءه لمالكه أمانة كما هو مقتضى أن فرض [ ص: 328 ] هذا التخيير أنه التقط للتملك فليتأمل



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله زمن الأمن إلخ ) ظاهره وإن اعتيد إرساله فيهما بلا راع وندر وجود السباع وفيه وقفة قول المتن ( ويتخير ) فيما لا يمتنع آخذه بمد الهمزة بخطه ا هـ مغني ( قوله وينفق عليه ) أي في مدة التعريف ( قوله إن وجده ) أي وإن لم يجده باعه استقلالا ا هـ محلي ولم يتعرض للإشهاد ويوجه بأنه مؤتمن وأن المغلب في اللقطة من حيث هي الكسب ولكن ينبغي استحبابه ا هـ ع ش ( قوله بشرطه الآتي ) أي في شرح فإن شاء باعه عبارة المغني أي وإن شاء باعه مستقلا إن لم يجد حاكما وبإذنه إن وجده في الأصح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كالأكل ) تعليل لجواز البيع قول المتن ( وعرفها ) أي بمكان يصلح للتعريف ا هـ مغني ( قوله حذرا ) علة للعلية ( قوله أو تملكه ) أي المأكول ( قوله ويفرق إلخ ) استشكله سم ( قوله كما يصرح به ) أي بعدم الاحتياج ( قوله يوم تملكه ) معمول لقيمته وقوله لا أكله عطف على تملكه ش ا هـ سم عبارة المغني والقيمة المعتبرة قيمة يوم الآخذ إن أخذ للأكل وقيمة يوم التملك إن أخذ للتعريف كما حكياه عن بعض الشروح وأقراه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في هذه الخصلة ) أي التملك حالا ا هـ ع ش ( قوله عند الإمام ) ؛ لأنه لا فائدة فيه وصححه في الشرح الصغير قال الأذرعي لكن الذي يفهمه إطلاق الجمهور أنه يجب أيضا ولعل مراد الإمام أنها لا تعرف بالصحراء لا مطلقا [ ص: 327 ] انتهى وهذا هو الظاهر مغني ا هـ سيد عمر ( قوله وسيأتي عنه ) أي في المفازة ا هـ ع ش أي يأتي في شرح وقيل إن وجده إلخ ( قوله نظيره بما فيه ) ويعلم مما سيأتي للشارح م ر ثم إنه يعتمد كلام الإمام ا هـ رشيدي ( قوله وعلل ) أي الإمام ( ذلك ) أي عدم الاحتياج إلى التعريف ( قوله إنما يراد إلخ ) هذا الحصر ظاهر المنع فإن من فوائد التعريف ظهور المالك ( قوله بل لا يعتد به ) كذا شرح م ر ويتأمل مع قول الروض فإن نقل أي أفرزها استقلالا إن لم يجد حاكما أو بإذنه إن وجده فالمفرز أمانة لا يضمن إلا بتفريط ويتملكه بعد التعريف ا هـ قال في شرحه وهذا يقتضي صيرورة المفرز ملكا لمالك اللقطة ولهذا لو تلف بلا تقصير سقط حقه صرح به الأصل انتهى ا هـ سم ( قوله وليس له بيع بعضه ) لو كانت اللقطة مما تؤجر كجمل مثلا هل يجوز له إيجاره أم لا فيه نظر والأقرب الأول ؛ لأن فيه مصلحة للمالك ولو كانت عبدا وأنفق عليه اللاقط على اعتقاد أنه عبد فتبين أنه حر هل له الرجوع بما أنفق أم لا فيه نظر أيضا والأقرب الثاني ؛ لأنه أنفق ليرجع على السيد وتبين أنه لا ملك له عليه والعبد نفسه لم يقصد بالإنفاق عليه حتى يرجع عليه بما أنفقه ا هـ ع ش ( قوله وعدم الرغبة إلخ ) هو محط التعليل .

                                                                                                                              ( قوله إن أمكنت مراجعته ) أي من مسافة قريبة وهي ما دون مسافة العدوى ويحتمل أن المراد ما يجب طلب الماء منه بأن كان بحد القرب ا هـ ع ش ( قوله وإلا ) أي وأن لا تمكن مراجعته ش ا هـ سم ( قوله كأن خاف عليه ) أي على الملتقط اسم مفعول ويحتمل على اللاقط ( قوله على ماله ) أي وإن قل ا هـ ع ش ( قوله أشهد على أنه ينفق بنية الرجوع ) أي أو نواه عند فقد الشهود أخذا مما يأتي قريبا في الفرع ا هـ سيد عمر و ع ش ( قوله وأولاهن ) أي الخصال الثلاث ا هـ مغني ( قوله تتعجل ) ببناء المفعول من باب التفعل والأولى يعجل ببناء الفاعل من باب التفعيل ( قوله ومحل ذلك ) إلى الفرع في المغني ( قوله استباحته ) نائب فاعل تتعجل ( قوله قبله ) أي التعريف ( قوله ومحل ذلك إن لم يكن إلخ ) عبارة المغني تنبيه التخيير بين هذه الخصال ليس تشهيا بل عليه فعل الأحظ ا هـ وهي أحسن ( قوله ما يأتي ) أي قول المتن فإن كانت الغبطة إلخ ( قوله بل وزاد إلخ ) الأولى إسقاط بل ( قوله وزاد رابعة ) هي داخلة فيما حل به الشارح كلام المصنف في الثالثة ا هـ سيد عمر أي بناء على رجوع قوله إن شاء على قوله ثم أكله كما هو الظاهر بخلاف رجوعه على مجموع قوله أو تملكه حالا إلخ .

                                                                                                                              ( قوله لدر أو نسل ) أي فإن ظهر مالكها فاز بهما الملتقط ا هـ ع ش ( قوله ؛ لأنه أولى ) قضيته امتناع هذه الخصلة في غير المأكول ويكاد أن يصرح به قوله الآتي أو كان غير مأكول إلخ ولكن نقل عن [ ص: 328 ] شيخنا الزيادي جواز تملكه في هذه الحالة للاستبقاء أيضا وبوجه بأن العلة في جواز أكل المأكول في الصحراء عدم تيسر من يشتريه ثم غالبا وهذا موجود في غير المأكول ا هـ ع ش وهذا وجيه لكن كلام المغني وشرح المنهج كالصريح في الامتناع كما يأتي




                                                                                                                              الخدمات العلمية