الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وتصح ) الوصية ( بحج تطوع ) أو عمرته أو هما ( في الأظهر ) بناء على الأظهر من جواز النيابة فيه ، ويحسب من الثلث أما الفرض فيصح قطعا ( ويحج من بلده أو ) من ( الميقات ) أو من غيرهما إن كان أبعد من الميقات ( كما قيد ) عملا بوصيته هذا إن وفى ثلثه بالحج مما عينه قبل الميقات وإلا فمن حيث يفي نعم لو لم يف بما يمكن الحج به من الميقات أي ميقات الميت كما علم مما مر في الحج بطلت الوصية وعاد للورثة قطعا ؛ لأن الحج لا يتبعض بخلاف ما مر في العتق ( وإن أطلق ) الوصية ( فمن الميقات ) يحج عنه ( في الأصح ) حملا على أقل الدرجات ( وحجة الإسلام ) أو النذر أي في الصحة كما قاله جمع وإلا فمن الثلث ( من رأس المال ) وإن لم يوص بها كسائر الديون ، ويحج عنه من الميقات فإن قيد بأبعد منه ووفى به الثلث فعل ولو عين شيئا ليحج به عنه حجة الإسلام لم يكف إذن الورثة أي ولا الوصي لمن يحج عنه بل لا بد من الاستئجار ؛ لأن هذا عقد معاوضة لا محض وصية ذكره البلقيني رحمه الله وظاهر أن الجعالة كالإجارة نعم لو قال إذا أحججت له غيرك فلك كذا فاستأجر لم يستحق ما عينه الميت ولا أجرة للمباشر بإذنه على التركة [ ص: 70 ] كما لو حج عن غيره بغير عقد بل على مستأجره ( فإن أوصى بها من رأس المال أو ) من ( الثلث عمل به ) أي بقوله .

                                                                                                                              ويكون في الأول للتأكيد وفي الثاني لقصد الرفق بورثته إذا كان هناك وصايا أخر ؛ لأن حجة الإسلام تزاحمهما حينئذ فإن وفى بها ما خصها وإلا كملت من رأس المال فإن لم يكن وصايا فلا فائدة في نصه على الثلث قال الجلال البلقيني رحمه الله ولو ضاف الوصية الزائدة على أجرة المثل إلى رأس المال كأحجوا عني من رأس مالي بخمسمائة ، والأجرة من الميقات مائتان فهما من رأس المال والثلثمائة من الثلث ( وإن أطلق الوصية بها فمن رأس المال وقيل من الثلث ) ؛ لأنها من رأس المال أصالة فذكرها قرينة على إرادته الثلث ، ويرده أنه كما يحتمل ذلك يحتمل أنه أراد التأكيد ، وإذا وقع التردد وجب الرجوع للأصل على أن الاحتمال الثاني أرجح ؛ لأن تقصير الورثة في أداء حق الميت الغالب عليهم يرجح إرادة التأكيد ( ويحج ) عنه ( من الميقات ) ؛ لأنه الواجب فإن عين أبعد منه ووسعه أو أقرب منه الثلث فعل وإلا فمن الميقات ، ولو قال أحجوا عني زيدا بكذا لم يجز نقصه عنه حيث خرج من الثلث ، وإن استأجره الوصي بدونه أو وجد من يحج بدونه ومحله كما هو ظاهر إن كان المعين أكثر من أجرة المثل لظهور إرادة الوصية له والتبرع عليه حينئذ .

                                                                                                                              وإلا جاز نقصه عنه ولو كان المعين وارثا فالزيادة على أجرة المثل وصية لوارث ففي الجواهر في أحجوا عني زيدا بألف يصرف إليه الألف ، وإن زادت على أجرة المثل حيث وسعها الثلث إن كان أجنبيا ، وإلا توقف الزائد على أجرة المثل على الإجازة ، ولو حج غير المعين أو استأجر الوصي المعين بمال نفسه أو بغير جنس الموصى به أو صفته رجع القدر الذي عينه الموصي لورثته ، وعليه في الثانية بأقسامها أجرة الأجير من ماله ، ولو عين قدرا فقط فوجد من يرضى بأقل منه ، قال ابن عبد السلام جاز إحجاجه والباقي للورثة ، وقال الأذرعي الصحيح وجوب صرف الجميع له ويتعين الجمع بما ذكرته أولا [ ص: 71 ] بأن يحمل الأول على ما إذا كان المعين قدر أجرة المثل عادة ، والثاني على ما إذا زاد عنها ثم رأيت في الجواهر فيما لو عين قدرا فقط زائدا على أجرة المثل قيل يحج بأجرة المثل فقط ، وقيل يحج بالمعين كله إن وسعه الثلث وبه يشعر نصه في الأم ، وأجاب به الماوردي واختاره ابن الصلاح ا هـ .

                                                                                                                              ولو عين الأجير فقط أحج عنه بأجرة المثل فأقل إن رضي ذلك المعين على الأوجه أو شخصا لا سنة فأراد التأخير إلى قابل ففيه تردد ، وبحث الأذرعي أنه إن مات عاصيا لتأخيره متهاونا حتى مات أنيب غيره رفعا لعصيان الميت ولوجوب الفورية في الإنابة عنه وإلا أخرت إلى اليأس من حجه ؛ لأنها كالتطوع ولو امتنع أصلا ، وقد عين له قدر أو لا أحج غيره بأقل ما يوجد ولو في التطوع ، وفيما إذا عين قدرا إن خرج من الثلث فواضح ، وإلا فمقدار أقل ما يوجد من أجرة مثل حجه من الميقات من رأس المال ، والزائد من الثلث

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله أي في الصحة ) يرجع للنذر ( قوله ؛ لأن هذا عقد معاوضة إلخ ) قضية هذا التعليل أن الأمر كذلك وإن لم يعين ما يحج به ولا كانت الحجة حجة الإسلام فليراجع ( قوله نعم لو قال إلخ ) استدراك على قوله وظاهر أن الجعالة كالإجارة ( قوله [ ص: 70 ] لو حج عن غيره بغير عقد ) انظر لو أذن الغير وذكر عوضا ( قوله ؛ لأن الواجب ) قال في شرح الروض ولهذا لو مات وعليه كفارة يمين لا يجوز أن يخرج من ماله إلا أقل الخصال انتهى ( قوله أو أقرب منه ) عطف على الهاء في وسعه وقوله والثلث فاعل وسعه ( قوله وإلا فمن الميقات ) ظاهره أنه لو وسع الثلث الأبعد أو الأقرب منه إلى الميقات فقط حج من الميقات وفيه وقفة فهلا صرفه من الثلث على ما قبل الميقات ثم من رأس المال على الباقي فيكون الحج مما قبل ( قوله وإن استأجره الوصي بدونه إلخ ) إن أريد أن هذا الاستئجار صحيح ويجب دفع الزائد إليه أيضا فينبغي الاحتياج للقبول ؛ لأنه وصية وهل يجري فيما يستحقه زيد هنا إذا المعين أكثر من أجرة المثل التفصيل المشار إليه فيما يأتي عن العباب من قوله في الفرع ينبغي إلحاقه إلخ أو يفرق فيه نظر فإن كان هذا مصورا بالإيصاء بحج معين تعين الجريان وعبارة العباب ولو قال أحجوا عني بمائة من يراه زيد فعين زيد رجلا فامتنع فهل له تعيين آخر وجهان فمن قال لوكيله ادفع هذا إلى من رأيته أولا فرأى رجلا فأبى قبضه ففي جواز دفعه لمن رآه ثانيا وجهان ( فرع )

                                                                                                                              لو أوصى أن يحج عنه بألف فاستأجر الوصي بخمسمائة وجهل الأجير الحال ثم علم فهل له طلب الباقي ينبغي إلحاقه بما لو أوصى بشراء عبد زيد بألف وإعتاقه فاشتراه [ ص: 71 ] الوصي بخمسمائة وأعتقه وجهل البائع الوصية فإن ساوى العبد ألفا فالباقي للورثة أو بخمسمائة فللبائع أو بينهما كثمانمائة فله ما زاد على قيمة المثل وهو مائتان وللوارث الزائد على الثمن الناقص عن قيمة المثل وهو ثلثمائة انتهت عبارة العباب



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله وتصح الوصية بحج ) إلى قول المتن : ويحج من الميقات في النهاية ( قوله أو هما ) الأولى بهما ( قوله فيه ) أي تطوع النسك ( قوله ويحسب ) أي النسك الموصى به ( قوله أما الفرض ) أي الوصية بالنسك الفرض ( قوله إن كان ) أي الغير وقوله من الميقات أي ميقات الميت بل وميقات من ينوب عنه ( قوله هذا ) أي كون الحج مما قيده به ( قوله ثلثه ) أي أو ما يخص الحج منه وقوله بالحج أي بأجرته وقوله نعم إلخ استدراك على قوله فمن حيث يفي الشامل لما بعد الميقات أيضا ( قوله لو لم يف ) إلى قوله ويحج عنه من الميقات في المغني ( قوله بما يمكن الحج به ) الأخصر الأوضح بالحج ( قوله بطلت الوصية إلخ ) محله في النفل أما الفرض فإنه يكمل من رأس المال تأمل سلطان ومثله م ر ا هـ بجيرمي ( قوله وعاد للورثة قطعا ؛ لأن الحج إلخ ) فيه وقفة ؛ لأن الإحرام من الميقات ليس من الحج إذ غايته أنه واجب فيه فلا يأتي هذا التعليل ، ثم رأيت شيخنا م ر رجع عنه ومشى على الصحة خلافا لحج فقوله من الميقات ليس بقيد والصحيح أنه يحج عنه ولا تبطل الوصية كما في سم وقليوبي ا هـ بجيرمي .

                                                                                                                              ( قوله ؛ لأن الحج لا يتبعض إلخ ) عبارة المغني وفرق بينه وبين ما لو أوصى بالعتق ولم يف ثلثه بجميع ثمن الرقبة حيث يعتق بقدره على وجه بأن عتق البعض قربة كالكل والحج لا يتبعض ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فمن الميقات يحج عنه ) هذا إذا قال أحجوا عني من ثلثي فإن قال أحجوا عني بثلثي فعل ما يمكن به ذلك من حجتين فأكثر فإن فضل ما لا يمكن أن يحج كان للوارث مغني ونهاية وروض ( قول المتن وحجة الإسلام إلخ ) وكذا كل واجب بأصل الشرع كالعمرة والزكاة والكفارة سواء أوصى في الصحة أم في المرض ا هـ مغني ( قوله أي في الصحة ) يرجع للنذر ا هـ سم ( قوله وإلا ) أي بأن وقع النذر في المرض ( قوله فإن قيد إلخ ) قد يغني عنه ما مر آنفا ( قوله ووفى به ) أي بالتفاوت بين أجري حجة من الميقات وحجة من الأبعد الذي قيد به فيما يظهر وإن أوهمت عبارته خلافه هذا ويظهر أيضا أن يأتي هنا نظير ما مر آنفا من أنه حيث لم يف الثلث بما عينه فيحج عنه من حيث يفي ا هـ سيد عمر .

                                                                                                                              ( قوله لم يكف ) أي في استحقاق من يحج بالشيء المعين ا هـ كردي ( قوله ؛ لأن هذا عقد معاوضة إلخ ) قضية هذا التعليل أن الأمر كذلك وإن لم يعين ما يحج به ولا كانت الحجة حجة الإسلام فليراجع سم على حج أقول كلتا القضيتين معتبرة فيما يظهر فإنهما من مفهوم الأولى كما هو واضح سيد عمر ع ش ( قوله ؛ لأن هذا إلخ ) انظر ما مرجع الإشارة فإن كان هو ما صدر من الموصي فلا خفاء في عدم صحته إذ لم يقع منه ذلك ، وإن كان هو ما يفعله الوصي أو الوارث كان من تعليل الشيء بنفسه ا هـ رشيدي أي فكان ينبغي حذف عقد ، وقد يجاب بأن الوصية نفسها يسمونها عقدا كما مر في الشارح غير مرة ( قوله نعم إلخ ) استدراك على قوله وظاهر أن الجعالة إلخ ا هـ سم ( قوله لو قال ) أي الوارث ا هـ ع ش أي أو الوصي أو غيرهما ( قوله لم يستحق ) أي المخاطب الواسطة بين الوارث والمباشر ا هـ ع ش ( قوله ما عينه الميت ) أي بل [ ص: 70 ] ما عينه المجاعل .

                                                                                                                              ( قوله كما لو حج عن غيره بغير عقد ) أي لو أذن الغير وذكر عوضا ا هـ سم ( قوله ويكون ) أي قوله المذكور ( قوله وصايا أخر ) الأولى الإفراد ( قوله ؛ لأن حجة الإسلام تزاحمها إلخ ) راجع المغني أو البجيرمي إن رمت صورة المزاحمة المتوقفة على الجبر والمقابلة ( قوله ما خصها ) فيه حذف المفعول مع حذف الجار والإيصال والأصل خصه بها ( قول المتن وإن أطلق الوصية بها ) أي حجة الإسلام بأن لم يقيدها برأس مال ولا ثلث فمن رأس المال كما لو لم يوص ، وتحمل الوصية بها على التأكيد أو التذكار بها ا هـ مغني ( قوله ويرده ) أي تعليل القليل ( قوله الغالب ) أي التقصير ( قول المتن ويحج من الميقات ) مفرع على القولين ا هـ مغني ( قوله أو أقرب منه ) عطف على الهاء في وسعه وقوله الثلث فاعل وسعه ا هـ سم ( قوله أو أقرب من الثلث ) أي أو وسع الثلث أقرب من الأبعد إلى مكة وأبعد من الميقات ا هـ كردي ( قوله وإلا فمن الميقات ) ظاهره أنه لو وسع الثلث الأبعد أو الأقرب منه إلى الميقات فقط حج من الميقات ، وفيه وقفة فهلا صرف من الثلث على ما قبل الميقات ، ثم من رأس المال على الباقي فيكون الحج مما قبله ا هـ سم .

                                                                                                                              أقول ويؤيده قول المغني فإن أوصى أن يحج عنه من دويرة أهل امتثل نعم إن أوصى بذلك من الثلث ، وعجز عنه فمن حيث أمكن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولو قال أحجوا عني ) إلى قوله ومحله في المغني وإلى قوله وأما بحث بعضهم في النهاية إلا قوله ثم رأيت في الجواهر إلى ولو عين الأجير ( قوله وإن استأجره الوصي بدونه ) أي بدون ما عينه الموصي ، ويدفع له جميع الموصى به كما لو أوصى بشيء لإنسان من غير سبب ا هـ ع ش وقضيته أنه لا فرق بين كون الإجارة صحيحة وكونها فاسدة فليراجع ( قوله وإن استأجره الوصي إلخ ) إن أريد أن هذا الاستئجار صحيح ، ويجب دفع الزائد إليه أيضا فينبغي الاحتياج إلى القبول ؛ لأنه وصية ا هـسم وقد يقال يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع نظير ما مر من عدم اشتراط القبض في المحاباة بالبيع على أن قبول الإجارة متضمن لقبول الوصية ( قوله ومحله ) أي عدم جواز النقص ( قوله ففي الجواهر ) أي للقمولي ، وهذا استدلال على ما قاله ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أجنبيا ) يعني غير وارث ( قوله وعليه ) أي الوصي وقوله وفي الثانية هي قوله استأجر إلخ ( قوله أجرة الأجير إلخ ) ظاهره وإن قلت مما عينه الموصي وفيه وقفة بل مخالفة لقوله السابق لم يجز نقصه إلخ وقوله الآتي ، ويمكن الجمع إلخ إلا أن يحمل ما هنا على ما إذا لم يرد المعين على أجرة المثل ، وسكت عن التقييد بذلك اكتفاء بما تقدم وما يأتي ثم الظاهر أن المراد بأجرة الأجير إلخ ما إن عينه في القسم الأول وأجرة المثل في الأخيرين ع ش وكردي ( قوله فقط ) أي دون من [ ص: 71 ] يحج عنه ا هـ ع ش ( قوله بأن يحمل الأول ) أي قول ابن عبد السلام ( قوله قدر أجرة المثل ) أي أو أقل المعلوم بالأولى ( قوله والثاني ) أي قول الأذرعي ( قوله فقط ) أي دون قدر الأجرة ( قوله أو شخصا لا سنة ) إلى قوله كالتطوع زاد المغني عقبه قال أي الأذرعي وفيه احتمال لما في التأخير من الغرر انتهى ، وهذا أظهر ا هـ فتبين أن ميل المغني إلى الفورية مطلقا ا هـسيد عمر

                                                                                                                              ( قوله أو شخصا إلخ ) أي عين قدرا أو لا ( قوله فأراد ) أي ذلك الشخص وقوله أنه إن مات أي الموصي ا هـ ع ش ( قوله لعصيان الميت ) أي دوامه ( قوله وإلا ) أي بأن لم يكن استقر الحج عليه في حياته ا هـ مغني ( قوله أخرت ) أي الإنابة ( قوله ولو امتنع ) إلى الفرع في المغني ( قوله وقد عين له قدرا أو لا ) الأولى إسقاط أو لا كما في النهاية أو وقد ( قوله وفيما عين قدرا ) أي عين شخصا أو لا




                                                                                                                              الخدمات العلمية