الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ومن عليه دين ) لله ، أو لآدمي ( أو له من تلزمه نفقته يستحب ) له ( أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه ) تقديما للأهم ، وعبارة أصله كالروضة وغيرها لا يستحب له أن يتصدق والأولى أولى ؛ لأن أهمية الدين إن لم تقتض الحرمة على هذا القول فلا أقل من أن تقتضي طلب عدم الصدقة [ ص: 181 ] قال الأذرعي وهذا ليس على إطلاقه إذ لا يقول أحد فيما أظن : إن من عليه صداق ، أو غيره إذا تصدق بنحو رغيف مما يقطع بأنه لو بقي لم يدفعه لجهة الدين أنه لا يستحب له التصدق به ، وإنما المراد أن المسارعة لبراءة الذمة أولى وأحق من التطوع على الجملة . ( قلت : الأصح تحريم صدقته ) ومنها فيما يظهر إبراء مدين له موسر مقر ، أو له به بينة ( بما يحتاج إليه ) حالا كما ارتضاه ابن الرفعة ، وينبغي أن مراده به يومهم وليلتهم ( لنفقة ) ومؤنة ( من تلزمه نفقته ، أو لدين ) ولو مؤجلا لله ، أو لآدمي ( لا يرجو ) أي : يظن ( له وفاء ) حالا في الحال ، وعند الحلول في المؤجل من جهة ظاهرة .

                                                                                                                              ( والله أعلم ) ؛ لأن الواجب لا يجوز تركه لسنة ومع حرمة التصدق يملكه الآخذ خلافا لكثيرين اغتروا بكلام ابن الرفعة وغيره ، وغفلوا عن كلام الشافعي والأصحاب ، وقد بينت ذلك أتم بيان ، وأوضحه في كتابي قرة العين ببيان أن التبرع لا يبطله الدين ، قيل : قضية المتن جوازه بما يحتاجه لنفقة نفسه وبه صرح في الروضة ، وصحح في المجموع التحريم مطلقا . ا هـ ، ويعلم مما يأتي حمل الأول على ما إذا صبر على الإضافة وعليه يحمل قولهم : يجوز للمضطر إيثار مضطر آخر مسلم ، والثاني على ما إذا لم يصبر ، وعليه حمل قولهم : في التيمم يحرم على عطشان إيثار عطشان آخر ولا يرد على المتن ؛ لأن من تلزمه نفقته يشمل نفسه أيضا ، واستشكل جمع ذلك بأن كثيرين من الصحابة والسلف تصدقوا بما يحتاجونه لعيالهم ، ويجاب بحمله على علمهم من عيالهم الكاملين الرضا والصبر والإيثار ، ثم رأيت ابن الرفعة جمع بحمل المنع على الكفاية حالا ، والحل عليها للأبد ، وما ذكرته أولى كما لا يخفى ، ويؤيد ما ذكرته قول جمع لو كان من تلزمه نفقته بالغا عاقلا ، ورضي بذلك كان الأفضل التصدق ، أما إذا ظن وفاء الدين من جهة ظاهرة ، ولو عند حلول المؤجل فلا بأس بالتصدق حالا ، بل قد يسن . نعم إن وجب أداؤه فورا لطلب صاحبه له ، أو لعصيانه بسببه مع عدم علم رضا صاحبه بالتأخير حرمت الصدقة قبل وفائه مطلقا كما تحرم صلاة النفل على من عليه فرض فوري

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : [ ص: 181 ] قال الأذرعي إلخ ) كذا شرح م ر . ( قوله : ومنها فيما يظهر ) كذا م ر . ( قوله : في المتن بما يحتاج إليه ) لم يضبط الحاجة بالنسبة لنفسه فهل هي ما يدفع الضرر ، أو ما يدفع المشقة التي لا تحتمل عادة ؟ ( قوله : ومؤنة ) يشمل الكسوة لكن لا يناسب بالنسبة إليهما التقييد بيومهم ، وليلتهم . ( قوله في المتن : من ) يشمل نفسه كما سيأتي . ( قوله : ويعلم مما يأتي إلخ ) قد يقال : كيف يعلم هذا مع اختلاف الفرض فإن الكلام هنا فيما يحتاج إليه حالا ، وفيما يأتي فيما فضل عن حاجته حالا ؟ ( قوله : والثاني إلخ ) قد يقال : بين قوله : والثاني إلخ ، وقوله : ولا يرد على المتن إلخ تناف لاقتضاء الأول أن يعتبر في التحريم عدم الصبر ، والثاني الاكتفاء فيه بمجرد الحاجة .

                                                                                                                              ( قوله : كما تحرم صلاة النفل إلخ ) ينبغي إلا رواتب ذلك الفرض الفوري



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : لله ) إلى قول المتن وفي استحباب في النهاية إلا قوله خلافا لكثيرين إلى قيل وقوله ثم رأيت إلى ويؤيده وقوله كما ارتضاه إلى المتن ( قوله : والأولى أولى ) - [ ص: 181 ] ؛ لأن التصدق عليها خلاف الأولى وعلى عبارة المحرر وغيره غير مستحب فيحتمل أن يكون واجبا أو حراما ، أو مكروها فإن ذلك كله غير مستحب . ا هـ . مغني ( قوله : قال الأذرعي إلخ ) هل يتأتى ذلك على القول بالحرمة الآتي ، أو لا يتأتى ؛ لأن فيه - وإن قل - إسقاط شيء من الدين عن الذمة محل تأمل . ا هـ . سيد عمر ولعل الأول هو الظاهر إذ القول بحرمة التصدق بما ذكر أبعد منه بكراهته كما لا يخفى ثم رأيت ع ش أنه جزم بالثاني كما يأتي ( قوله : إبراء مدين ) ( فرع ) أبرأ لظن إعساره فتبين غناه نفذت البراءة ، أو بشرط الإعسار فتبين غناه بطلت م ر . ا هـ . سم على حج . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : أو له به بينة ) ينبغي ، أو كان ثم قاض عالم به ، وهو ممن يقضي بعلمه كما ذكره في محال متعددة . ا هـ . سيد عمر ( قول المتن بما يحتاج إليه ) لم يضبط الحاجة بالنسبة لنفسه فهل هي ما يدفع الضرر ، أو ما يدفع المشقة التي لا تحتمل عادة . ا هـ . سم أقول الظاهر الأول وينبغي أن محل ذلك ما لم يترتب عليه ضرر لعياله ، وإن لم يصل إليه ضرر ، أو وصل إليه الضرر من جانبهم ، وإن لم يتضرروا . ا هـ . ع ش أقول : المتبادر من الجمع الآتي ، بل مآل قوله : وينبغي إلخ الثاني ( قوله : ومؤنة إلخ ) يشمل الكسوة لكن لا يناسب بالنسبة إليها التقييد بيومهم وليلتهم . ا هـ . سم عبارة السيد عمر قوله : ومؤنة شامل للمسكن فيما يظهر وينبغي أن يتأتى ما سيأتي فلا تغفل . ا هـ . ( قول المتن : من تلزمه إلخ ) يشمل نفسه كما سيأتي . ا هـ . سم ( قوله : من جهة ظاهرة ) ظاهره ، وإن لم يطلبه صاحبه ويؤيده ما يأتي له في قوله نعم إن وجب إلخ . ا هـ . ع ش ( قوله : قيل ) إلى قوله واستشكل في المغني إلا قوله يعلم مما يأتي ( قوله : مطلقا ) أي : بما يحتاجه لممونه من نفسه وغيره .

                                                                                                                              ( قوله : ويعلم مما يأتي إلخ ) قد يقال : كيف يعلم هذا مع اختلاف الغرض ؟ فإن الكلام هنا فيما يحتاجه حالا وفيما يأتي فيما فضل عن حاجته حالا . ا هـ . سم ( قوله : ولا يرد ) أي : ما في المجموع المحمول على غير الصابر ، وقوله : على المتن أي : قوله لنفقة إلخ ( قوله : بحمله على علمهم إلخ ) عبارة المغني فمحمول على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين حينئذ إلى الأكل وإنما قال أي : الأنصاري فيه أي : في الخبر لأمهم نوميهم خوفا من أن يطلبوا الأكل على عادة الصبيان في الطلب من غير حاجة . ا هـ . ( قوله : وللأبد ) أي : للمستقبل ( قوله : ورضي بذلك ) ولا بد من إذنه . ا هـ . بجيرمي عن الحلبي ( قوله : أما إذا ظن ) إلى قوله : كما تحرم في المغني إلا قوله ولو عند حلول الأجل وقوله : بل قد يسن ( قوله : نعم إلخ ) عبارة المغني إلا إن حصل بذلك تأخير وقد وجب وفاء الدين على الفور إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : حرمت الصدقة ) أي : بما يمكن أنه يدفع من الدين ، وإن قل كحديد مثلا ، وقوله مطلقا أي : له جهة يرجو الوفاء منها أم لا . ا هـ . ع ش ( قوله : مطلقا ) أي : ظن الوفاء من جهة ظاهرة أم لا ( قوله : كما تحرم صلاة النفل ) ينبغي إلا رواتب ذلك الفرض الفوري انتهى سم أقول وكذا لو خاف فوت راتب الحاضرة فيقدمه على القضاء ، وإن كان فوريا ؛ لأن الاشتغال بها لا يعد تقصيرا . ا هـ . ع ش وقال السيد عمر بعد ذكر كلام سم المار ما نصه : وهو محل تأمل وكلامهم [ ص: 182 ] في باب الصلاة كالصريح في رده فليراجع . ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية