الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فإن مات قبله ) أي الاختيار ( اعتدت حامل به ) أي بوضع الحمل - وإن كانت ذات أقراء - ( وذات أشهر وغير مدخول بها ) وإن كانت ذات أقراء ( بأربعة أشهر وعشر ) احتياطا لاحتمال الزوجية في كل منهن وذكر العشر تغليبا لليالي كما في الآية وجريا على قاعدتهم ومن ثم قال الزمخشري لو قيل وعشرة كان خارجا عن كلام العرب ( وذات أقراء بالأكثر من ) الباقي وقت الموت من ( الأقراء ) المحسوب ابتداؤها من حين إسلامهما إن أسلما معا وإلا فمن إسلام السابق ( وأربعة ) من الأشهر ( وعشر ) من الموت لأن كلا يحتمل كونها زوجة فتلزمها عدة الوفاة ومفارقة في الحياة فعليها الأقراء فوجب الاحتياط لتحل بيقين ( ويوقف ) فيما إذا مات قبل الاختيار ( نصيب زوجات ) أسلمن كلهن من ربع أو ثمن بعول أو دونه للعلم بأن فيهن أربع زوجات لكن جهلنا أعيانهن ( حتى ) تقر كل منهن لصاحبتها أنها هي الزوجة ثم تسألها ترك شيء من حقها فتسمح و ( يصطلحن ) على ذلك بتساو أو تفاضل لا من غير التركة نعم إن كان فيهن محجور عليها لم يجز لوليها أن يصالح على أقل من حصتها من عددهن كالثمن إذا كن ثمانية لأنا وإن لم نتيقن أنه حقها لكنها صاحبة يد على ثمن الموقوف ولو طلب بعضهن شيئا قبل الصلح أعطي اليقين وإن لم يبرأ من الباقي فلو كن ثمانيا فطلب أربع لم يعطين شيئا ، أو خمس أعطين ربع الموقوف لتيقن أن فيهن زوجة ، أو ست فالنصف وهكذا ولهن قسمة ما أخذنه والتصرف فيه ولا ينقطع به تمام حقهن أما إذا أسلم بعض والباقيات يصلحن للنكاح كثمان كتابيات أسلم منهن أربع ، أو أربع كتابيات وأربع وثنيات وأسلم الوثنيات فلا شيء [ ص: 344 ] للمسلمات لاحتمال أن الكتابيات هن الزوجات ( تنبيه )

                                                                                                                              ظاهر كلام الصيمري توقف صحة هذا الصلح على الإقرار فإنه لو قال وطريق الصلح ليقع على الإقرار أن تقول كل منهن لصاحبتها إنها هي الزوجة ثم تسألها ترك شيء من حقها ومقتضى كلام شيخنا وغيره هنا اعتماده وليس كذلك أما أولا فهو مشكل لأن فيه إلحاق ضرر عظيم بالمقرة لأنها قد تتورط بصدور الإقرار ثم تأبى المقرة لها أن تترك لها شيئا فيلزم ضياعها ، وأما ثانيا فقد ذكروا هنا صحة صلح الولي أنه يتعذر إقراره على موليه هذا صريح في أن هذا الصلح لا يتوقف على الإقرار فالوجه أن كلام الصيمري مقالة ضعيفة على أنه يمكن تأويله بأن مراده بقوله وطريق الصلح إلى آخره تصوير وقوع الصلح هنا على الإقرار لا أن الإقرار شرط لصحة هذا الصلح . وأما ثالثا فالأمر هنا منبهم انبهاما لا يرجى انكشافه بوجه فكيف نحمل كلا منهن على الإقرار بما يعلم كل أحد بطلانه فاتضح أن الوجه أنه لا يشترط هنا إقرار وأنه يصح الصلح بدونه لتعذره كما علمت .

                                                                                                                              ثم رأيت الشيخين صرحا بما ذكرته في نظير مسألتنا وهو ما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان ووقف لهما نصيب زوجة فاصطلحتا وكذا لو ادعيا وديعة في يد رجل فقال : لا أعلم لأيكما هي ثم اصطلحا فيها على شيء وكذا لو تداعيا دارا في يدهما وأقام كل بينة ثم اصطلحا ا هـ ولم يصرحا باستثناء هذه الثلاث من اشتراط الإقرار لكن كلامهما كالصريح في الاستثناء وبه صرح غيرهما ، ونقل الرافعي في الأولى عن الأصحاب أن ما فيها ليس صلحا على إنكار اعترضه الزركشي بتصريح القفال فيها بجواز الصلح وبكونه على إنكار لأن كل واحدة تقول : الموقوف لي وحدي قال وكذا في المسألتين الأخيرتين وفي مسألة ما لو أسلم على ثمان ا هـ ولك أن تقول : الإنكار هنا ضمني لكن عارضه ما هو أقوى منه وهو كون الموقوف تحت يد كلهن بالسوية من غير مرجح لإحداهن فساغ لهن الصلح وإن لم يوجد صريح الإقرار لتعذره كما مر ثم رأيتهم وجهوا الصلح في هذه المسائل بما يقرب مما وجهته به وهو أن من قبض شيئا يقول هو : ملكي ومقبضه يقول : هو هبة مني إليك وهذا في الحقيقة اختلاف في سبب الملك لا في أصله وهو لا يؤثر كما في لي عليك ألف ثمنا فقال بل قرضا ورأيت القاضي وجهه بعين ما ذكرته حيث قال : قال الخصوم : صاحبكم - أي الشافعي رضي الله عنه - جوز الصلح على الإنكار في مسائل وعددوا ما سبق قلنا ليس ما في هذه المسائل صلحا على إنكار لأن كل واحد يدعي جميع الحق لنفسه وينكر صاحبه واليد لهما ثابتة فإذا صالح ففي زعم كل واحد أنه ترك بعض الحق لصاحبه وتبرع به عليه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أي بوضع الحمل إلخ ) هو مفهوم من حامل ( قوله : وذكر العشر تغليبا لليالي كما في الآية إلخ ) قال البيضاوي في تفسير الآية ما نصه - [ ص: 344 ] وتأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر الشهور والأعوام ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله قط ذهابا إلى الأيام حتى إنهم يقولون صمت عشرا و يشهد له قوله : { إن لبثتم إلا عشرا } ثم إن لبثتم إلا يوما انتهى ولا منافاة بين قوله وتأنيث العشر وقول الشارح وذكر العشر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي الاختيار ) أي أو التعيين ( قوله : أي بوضع الحمل ) هو مفهوم من " حامل " ا هـ سم ( قول المتن : وذات أشهر ) أي لكونها صغيرة أو آيسة ا هـ ع ش ( قوله : وذكر العشر تغليبا لليالي إلخ ) وكأنها إنما غلبت لأنه لو قال : وعشرة لتوهم العشرة من الأشهر ا هـ رشيدي ( قوله : وجريا على قاعدتهم ) وهي أن العشر بلا تاء للمؤنث والليالي مؤنثة ا هـ كردي ( قوله : لو قيل إلخ ) أي لو قال الله تعالى في القرآن ا هـ ع ش ( قوله : كان خارجا عن كلام العرب ) قال سم عن البيضاوي ما معناه أن العرب لم يقع في كلامهم في مثل ذلك مراعاة الأيام أصلا ووجهه بأن الليالي غرر الأعوام والشهور ا هـ رشيدي عبارة ع ش أي لأنهم يغلبون الليالي على الأيام ومن ثم يؤرخون بها فيقولون لعشر ليال مضين من شهر كذا أو بقين منه ولعل الحكمة في ذلك أن الليالي سابقة على الأيام ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فعليها الأقراء ) أي الاعتداد بالأقراء ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : فوجب الاحتياط إلخ ) فإذا مضت الأقراء الثلاثة قبل تمام أربعة أشهر وعشر أكملتها وابتداؤها من الموت وإن مضت الأربعة والعشر قبل تمام الأقراء أتمت الأقراء وابتداؤها من حين إسلامها إن أسلما معا وإلا فمن حين إسلام السابق ا هـ مغني ( قوله : تقر كل منهن إلخ ) سيأتي تضعيفه فكان الأنسب السكوت عنه هنا ثم رأيت في نسخة صحيحة مقابلة على أصل الشارح أنه مضروب عليه ( قوله : لا من غير التركة ) عبارة المغني فيقسم الموقوف على ما يقع عليه الاتفاق بينهن من تفاضل أو تساو ؛ لأن الحق لهن نعم إلخ ( قوله : ثمانية ) الأولى ثمانيا لأن المعدود مؤنث ا هـ ع ش ( قوله : ولا ينقطع به تمام حقهن ) بناء على أنه لا يشترط في الدفع إليهن أن لا يبرأن عن الباقي وهو ما صححه الشيخان لأنا تيقنا أن فيهن من يستحق المدفوع فكيف يكلفن بدفع الحق إليهن إسقاط حق آخر إن كان ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أما إذا أسلم إلخ ) محترز قوله أسلمن كلهن ( قوله : فلا شيء - [ ص: 344 ] للمسلمات إلخ ) عبارة المغني فلا يوقف للزوجات شيء بل تقسم كل التركة بين باقي الورثة لأن استحقاق الزوجات الإرث غير معلوم لاحتمال أنهن الكتابيات وكذا لو كان تحته مسلمة وكتابية وقال : إحداكما طالق ومات ولم يبين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لاحتمال أن الكتابيات هن الزوجات ) أي وشرط الإرث تحقق موجبه ا هـ ع ش ( قوله : اعتماده ) أي التوقف ( قوله : ضياعها ) أي حق المقرة على حذف المضاف ( قوله : وهذا ) أي ما ذكروا هنا من صحة صلح الولي ( قوله : تأويله ) أي كلام الصيمري ( قوله : فكيف يحمل كلامهن ) كذا فيما رأينا من نسخ القلم ولعله من تحريف الناسخ والأصل نحمل كلا منهن كما في بعض نسخ الطبع أو يحمل كل منهن كما يؤيده ما قدمنا من قول المغني فكيف يكلف إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : بطلانه ) أي الإقرار أو المقر به ( قوله : أن الوجه أنه لا يشترط هنا إلخ ) وفاقا للمغني كما مر ( قوله : بما ذكرته ) أي من عدم اشتراط الإقرار وقوله : وهو نظير مسألتنا أو ما صرح به الشيخان ( قوله : انتهى ) أي قول الشيخين ( قوله : وبه ) أي باستثناء هذه الثلاث ( قوله : ونقل الرافعي إلخ ) مبتدأ خبره قوله : اعترضه الزركشي إلخ ( قوله : في الأولى ) أي في مسألة التطليق ( قوله : الموقوف ) أي النصيب الموقوف لزوجة ( قوله : قال ) أي الزركشي ( قوله : في المسألتين إلخ ) أي من الثلاث المتقدمة آنفا ( قوله : انتهى ) أي كلام الزركشي ( قوله : ولك أن تقول إلخ ) أي في توجيه استثناء هذه المسائل من اشتراط الإقرار ( قوله : وهو إلخ ) أي ما يقرب إلخ ( قوله : وهذا إلخ ) من تتمة توجيههم ( قوله : قال الخصوم ) كالحنفي ( قوله : وينكر ) أي كل فقوله : صاحبه بالنصب على المفعولية ( قوله : فإذا صالح ) أي كل صاحبه ويحتمل أنه من إسناد الفعل إلى ضمير المصدر أي وقع الصلح




                                                                                                                              الخدمات العلمية