الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( و ) مر أن محل ندب التعجيل ما لم تعارضه مصلحة راجحة فلذلك ( يسن الإبراد بالظهر ) أي إدخالها وقت البرد بتأخيرها دون أذانها عن أول وقتها إلى أن يبقى للحيطان ظل يمشي فيه قاصد الجماعة ولا يجاوز نصف الوقت ( في شدة الحر ) لخبر البخاري { إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم } أي غليانها وانتشار لهبها وخرج بالظهر الجمعة ؛ لأن تأخيرها معرض لفواتها لكون الجماعة شرطا فيها وما في الصحيحين مما يخالف ذلك حمل على بيان الجواز ( ، والأصح اختصاصه ) أي سن الإبراد ( ببلد حار ) أي شديد الحر كالحجاز وبعض العراق ، واليمن ( وجماعة مسجد ) أو محل آخر غيره ( يقصدونه ) كلهم ، أو بعضهم بمشقة في طريقهم إليه شديدة بحيث تسلب خشوعهم كأن يأتوه ( من بعد ) في الشمس لمشقة التعجيل حينئذ بخلاف وقت بارد أو معتدل وإن كان ببلد حار وبلد باردة ، أو معتدلة وإن وقع فيها شدة حر أي ؛ لأنه عارض لوضعها فلم يعتبر ويؤخذ منه أن البلد لو خالفت قطرها في أصل وضعه بأن كان شأنه الحرارة دائما وشأنها البرودة كذلك كالطائف بالنسبة لقطر الحجاز أو عكسها لم يعتبر القطر هنا ، بل تلك البلد التي هو فيها وبهذا يجمع بين من عبر ببلد ومن عبر بقطر فالأول في بلد خالفت وضع القطر

                                                                                                                              والثاني في بلد لم تخالفه كذلك لكن قد يعرض لها مخالفته وعلى هذا يحمل قول الزركشي اشتراط شدة الحر مخالف لتعليل الرافعي إلا أن يريد بقوله في شدة الحر أي من حيث الجملة لا بالنسبة إلى أفراد البقاع ، والأشخاص ا هـ [ ص: 434 ] فالحاصل أنه لا بد من كونه وقت الحر وإن تخلف بالنسبة لبقعة ، أو شخص وبلد حار وضعا ومن يصلي ببيته منفردا أو جماعة وجمع بمصلى يأتونه بلا مشقة ، أو حضروه ولم يأتهم غيرهم أو يأتيهم من غير مشقة عليه لنحو قرب منزله ، أو وجود ظل يمشي فيه فلا يسن الإبراد لهؤلاء لعدم المشقة نعم نحو إمام محل الجماعة المقيم به يسن له تبعا لهم للاتباع والذي يتجه أن الأفضل له فعلها أولا ، ثم معهم ؛ لأن سن الإبراد في حقه بطريق التبع كما تقرر فشمل ذلك قولهم : يسن لراجي الجماعة أثناء الوقت فعلها أوله ، ثم معهم وعدم نقل الإعادة عنه صلى الله عليه وسلم لا يستلزم عدم ندبها وفرق بعضهم بين ما هنا وقولهم يسن إلى آخره بما لا يصح فاحذره

                                                                                                                              وكذا يسن الإبراد لمن يقصد المسجد للصلاة فيه منفردا كما بحثه الإسنوي وغيره وفي كلام الرافعي إشعار به

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : ويؤخذ منه أن البلد لو خالفت قطرها ) عبارة الإرشاد في قطر حر بشدته ا هـ وهي مصرحة بأن شدة الحر في غير قطر الحر لا أثر له ( قوله : ولم يأتهم غيرهم ) مفهومه سن الإبراد لهم إذا كان يأتيهم غيرهم ففي [ ص: 434 ] الاقتصار على الإمام في قوله نعم إلخ فيه ما فيه ( قوله : نعم إلخ ) عبارته في شرح الإرشاد ولو حضر موضع الجماعة أول الوقت ، أو كان مقيما به ولكن ينتظر غيره سن له إماما كان أو مأموما الإبراد كما قاله الإسنوي والأذرعي واقتضاه كلام الرافعي وهو ظاهر النص ا هـ وقوله نحو إمام شامل للإمام وغيره فقوله والذي يتجه أن الأفضل له فعلها أولا جماعة فإن كان كذلك فقد يقال يلزم فوات المقصود فليتأمل ( قوله : المقيم به ) قد يقال ، وكذا غير المقيم إذا حضر متحملا المشقة وقد يريد بالمقيم من حضر أول الوقت

                                                                                                                              ( قوله : بطريق التبع ) قضية هذا أن غير المقيم به لا يكون الأفضل له فعلها أولا في منزله ، ثم معهم وفيه تأمل ( قوله : وفرق بعضهم إلخ ) مشى على الفرق [ ص: 435 ] في شرح الإرشاد



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : ومر أن محل ندب التعجيل ) أشار به إلى أن قول المصنف ويسن الإبراد إلخ مستثنى من قوله ويسن تعجيل الصلاة إلخ لكن محل هذا الاستثناء في غير أيام الدجال أما هي فلا يسن الإبراد فيها ؛ لأنه لا يرجى فيها زوال الحر في وقت يذهب فيه لمحل الجماعة مع بقاء الوقت المقدر كما نقل عن الزيادي معللا له انتفاء الظل ، وأما البوادي التي ليس فيها نحو حيطان يمشي في ظلها طالب الجماعة فالظاهر كما هو قضية إطلاقهم سن الإبراد فيها ؛ لأنه وإن لم يوجد فيها الظل تنكسر سورة الحر ع ش

                                                                                                                              ( قوله : بتأخيرها دون أذانها ) عبارة النهاية وخرج بالصلاة الأذان كما أفهمه كلامهم وصرح به في المطلب وحمل أمره صلى الله عليه وسلم بالإبراد به على ما إذا علم من حال السامعين حضورهم عقب الأذان لتندفع عنهم المشقة ، ثم قال وحمله بعضهم على الإقامة ولا بعد فيه وإن ادعى بعده ففي رواية الترمذي التصريح بتأخير الإقامة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : إلى أن يبقى ) أي : يصير نهاية ومغني ( قوله : ولا يجاوز نصف إلخ ) أي : لا يؤخرها عنه مغني قول المتن ( في شدة الحر ) أي : لا في شدة البرد إلى أن يخف قياسا على شدة الحر ؛ لأن الإبراد في الحر رخصة فلا يقاس عليه م ر ا هـ سم على المنهج أقول الأولى ؛ لأن الحر له وقت تنكسر سورته فيه بخلاف البرد وإنما قلنا هذا أولى ؛ لأن الصحيح جواز جريان القياس في الرخص ع ش وحلبي ( قوله : فأبردوا بالظهر ) الباء للتعدية وقيل زائدة ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين فتح الباري ا هـشوبري

                                                                                                                              ( قوله : من فيح جهنم ) قال في النهاية أخرجه مخرج التشبيه ، والتمثيل أي كأنه نار جهنم في حرها انتهى ا هـ ع ش ( قوله : أي غليانها إلخ ) هو من كلام الراوي و ( قوله : وانتشار إلخ ) عطف تفسير ع ش ( قوله : وما في الصحيحين إلخ ) أي : من { أنه صلى الله عليه وسلم كان يبرد بها } نهاية ومغني ( قوله : حمل على بيان الجواز ) جمعا بين الأدلة نهاية زاد المغني مع أن الخبر رواه الإسماعيلي في صحيحه في الظهر فتعارضت الروايتان فيعمل بخبر الصحيحين عن سلمة { كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس } لعدم المعارض ا هـ قول المتن ( قوله : ببلد حار ) رجح السبكي عدم اختصاصه ببلد حار وقال شدة الحر كافية ولو في أبرد البلاد ابن شهبة ا هـ بصري عبارة النهاية ، والمغني ومقابل الأصح لا يختص بذلك فيسن في كل ما ذكر لإطلاق الخبر ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : أو محل آخر إلخ ) كرباط ومدرسة ولو عبر بمصلى بدل مسجد لشمل ما قدرناه إلا أن يراد بالمسجد موضع الاجتماع للصلاة فيشمل ما ذكر مغني ( قوله : أو بعضهم ) صادق بواحد بصري وبجيرمي ( قوله : بحيث تسلب خشوعهم ) أي : أو كما له نهاية ومغني وهل يعتبر خصوص كل واحد على انفراده من المصلين حتى لو كان بعضهم مريضا ، أو شيخا يزول خشوعه بمجيئه في أول الوقت ولو من قرب يستحب له الإبراد ، أو العبرة بغالب الناس فلا يلتفت لمن ذكر فيه نظر ولا يبعد الثاني ، ثم رأيت حج صرح به ع ش قول المتن ( من بعد ) ضابط البعد ما يتأثر قاصده بالشمس مغني عبارة النهاية ما يذهب معه الخشوع أو كماله لتأثره بالشمس ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وبلدة باردة ) أي : كالشام وقوله ، أو معتدلة أي كمصر قليوبي ( قوله : وإن وقع إلخ ) أي : اتفق نهاية ومغني

                                                                                                                              ( قوله : ؛ لأنه ) أي : وقوع شدة الحر فيها ( قوله : ويؤخذ منه ) أي : من التعليل ( قوله : لو خالفت ) أي : وضعه ( قوله : دائما ) أي : في وقت الحر كالصيف ( قوله : كذلك ) أي دائما ( قوله : أو عكسها ) أي : كحوران بالنسبة للشام وبقي ما لو كان بلدة شأن بعض شهورها كالأسد الحرارة دائما وعدمها في غيره فهل يسن الإبراد فيها في ذلك الشهر الحار أم لا وظاهر كلام الشارح الأول ( قوله : وبهذا ) أي : المأخوذ ( قوله : بين من عبر ) أي : عند ذكر شروط سن الإبراد وقوله ببلد أي كالمصنف ( قوله : في بلد خالفت إلخ ) أي : لأجل إدخالها ( قوله : وعلى هذا ) أي : الثاني ( قوله : إلا أن يريد ) أي : المصنف كالرافعي ( قوله : أي من حيث الجملة إلخ ) يعني أن [ ص: 434 ] اشتراط شدة الحر بالنسبة إلى جملة البلد ومجموعه من حيث الجملة وإن لم يكن جميع البقاع كذلك ، أو على جميع الأشخاص كذلك كردي وقوله إلى جملة البلد لعل المناسب إلى جملة القطر

                                                                                                                              ( قوله : فالحاصل ) أي : حاصل قول الزركشي بعد الإجمال وقوله من كونه أي الإبراد كردي ( قوله : وبلد إلخ ) عطف على قوله وقت الحر على توهم اقترانه بفي ( قوله : ومن يصلي إلخ ) عطف على قوله وقت بارد ، وكذا ( قوله : وجمع إلخ ) معطوف عليه ( قوله : وجمع بمصلى يأتونه بلا مشقة إلخ ) عبارة النهاية ، والمغني وشرح بأفضل ، أو بمحل حضره جماعة لا يأتيهم غيرهم ، أو يأتيهم غيرهم من قرب أو من بعد لكن يجد ظلا إلخ ( قوله : ولم يأتهم غيرهم ) مفهومه سن الإبراد لهم إذا كان يأتيهم غيرهم ففي الاقتصار على الإمام في قوله نعم إلخ فيه ما فيه سم

                                                                                                                              ( قوله : نعم نحو إمام إلخ ) عبارة النهاية ولو حضر موضع جماعة أول الوقت ، أو كان مقيما به لكن ينتظر غيره سن له الإبراد إماما كان ، أو مأموما كما اقتضاه كلام الرافعي وهو ظاهر النص ا هـ .

                                                                                                                              وفي سم بعد ذكر مثله عن شرح الإرشاد للشارح ما نصه وقوله نحو الإمام شامل للإمام وغيره فقوله والذي يتجه إلخ هل المراد منه إذا كان مع الإمام غيره أن الأفضل فعلها أولا جماعة فإن كان كذلك فقد يقال يلزم فوات المقصود فليتأمل وقوله المقيم به قد يقال ، وكذا غير المقيم إذا حضر متحملا المشقة وقد يريد بالمقيم من حضر أول الوقت ا هـ عبارة السيد البصري قوله نعم إلخ ما محل هذا الاستدراك بعد قوله السابق ، أو بعضهم ، ثم قوله والذي يتجه إلخ يظهر أنه يتأتى فيمن يكون في معناه من المقيمين بالمسجد ، بل يظهر أنه يتأتى في كل من حضر قبل استيفاء الجماعة فليتأمل ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : للاتباع ) أي ؛ لأن بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان عند المسجد وفيه كثير من أهل الصفة مقيمون فيه ومع ذلك كانوا يبردون انتظارا للغائبين كردي ( قوله : أن الأفضل له إلخ ) فإن قلت غير الإمام لا محذور يترتب على إعادته بخلاف الإمام فإن إعادته تحمل على اقتداء المفترض بالمتنفل وفيه خلاف قلت ذكروا في صلاة بطن نخل أن الخلاف محله في غير المعادة ؛ لأنه قيل أن الثانية هي الفرض ع ش وفيه توقف فليراجع ( قوله : بطريق التبع ) قضية هذا أن غير المقيم به لا يكون الأفضل له فعلها أولا في منزله ، ثم معهم وفيه تأمل ا هـ سم ( قوله : فشمل ذلك ) أي : نحو الإمام المذكور

                                                                                                                              ( قوله : الإعادة ) الأولى فعلها أولا ( قوله : وفرق بعضهم إلخ ) أي : قائلا بعد أفضلية ما تقدم قال سم ومشى الشارح على الفرق في شرح الإرشاد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بين ما هنا ) أي : بين نحو الإمام المذكور ( قوله : وكذا يسن إلخ ) هو المعتمد خلافا لما يقتضيه كلام المصنف نهاية ومغني




                                                                                                                              الخدمات العلمية