الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ، والإمامة أفضل منه في الأصح ) لمواظبته صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين عليها ولأن الصحابة احتجوا بتقديم الصديق للإمامة على أحقيته بالخلافة ولم يقولوا بذلك في بلال وغيره ( قلت الأصح أنه ) مع الإقامة لا وحده كما اعتمده خلافا لمن نازع فيه ( أفضل والله أعلم ) لقوله تعالى [ ص: 474 ] { ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله } قالت عائشة هم المؤذنون ولا ينافيه قول ابن عباس هو النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه الأحسن مطلقا وهم الأحسن بعده ولا كون الآية مكية ؛ لأنه لا مانع من أن المكي يشير إلى فضل ما سيشرع بعد ولما صح { أنه صلى الله عليه وسلم دعا له بالمغفرة وللإمام بالإرشاد } ، والمغفرة أعلى ومن ثم قال الماوردي دعا للإمام بالإرشاد خوف زيفه وللمؤذن بالمغفرة لعلمه بسلامة حاله وأنه جعله أمينا ، والإمام ضامنا ، والأمين خير من الضامن وأنه قال { المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس } وأخذ ابن حبان من خبر { من دل على خير فله مثل أجر فاعله } أن المؤذن يكون له مثل أجر من صلى بأذانه وإنما لم يواظب صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه عليه لاحتياج مراعاة الأوقات فيه إلى فراغ وكانوا مشغولين بأمور الأمة ومن ثم قال عمر رضي الله عنه لولا الخليفى أي الخلافة لأذنت واعترض بأن الاشتغال بذلك إنما يمنع الإدامة لا الفعل في بعض الأحيان لا سيما أوقات الفراغ كما اعترض الجواب بأنه لو أذن لقال إني رسول الله وهو لا يجزئ ، أو أن محمدا رسول الله ولا جزالة فيه بأنه في غاية الجزالة ككل إقامة ظاهر مقام مضمر لنكتة على أنه صح { أنه أذن مرة في السفر راكبا } فقال ذلك

                                                                                                                              { ونقل عنه في تشهد الصلاة أنه كان يأتي بأحدهما تارة وبالآخر أخرى } على ما يأتي ثم فالأحسن الجواب بأن عدم فعله للأذان لا دلالة فيه لأحد القولين لاحتماله وقد تفضل سنة الكفاية على فرضها كابتداء السلام على جوابه وقيل إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فهو وقضيته ، بل صريحة أن كلا من الوجهين الأولين قائل بأفضلية ما رآه على الإطلاق

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : والإمامة أفضل إلخ ) هي شاملة لإمامة الجمعة وقضية ذلك أنه أفضل منها عند المصنف ، والمتبادر أن إمامة الجمعة أفضل من خطبتها وقضيته أن الأذان أفضل من الخطبة وفيه شيء ( قوله : كما اعتمده ) ينبغي أن الإمامة أفضل من الإقامة وحدها عند المصنف ( قوله : خلافا لمن نازع فيه ) [ ص: 474 ] اعتمد م ر المنازعة ( قوله : رحمه الله تعالى { ومن أحسن قولا } ) لقائل أن يقول قضية التمييز ب " قولا " تفضيل الأذان على الأقوال دون الأفعال كالإمامة فليتأمل وأيضا فقد اعتبر مع الدعاء إلى الله تعالى ما عطفه عليه ا هـ فليتأمل ( قوله : إنما يمنع الإدامة ) قد يقال ولا يمنع الإدامة لإمكان أن يرتب من يرصد له الوقت ( قوله : بأنه في غاية ) متعلق بقوله اعترض الجواب ( قوله : أذن مرة في السفر ) كذا جزم به المصنف وعزاه لخبر الترمذي لكن [ ص: 475 ] اعترض بأن أحمد أخرجه في مسنده من طريق الترمذي بلفظ فأمر بلالا فأذن وبه يعلم اختصار رواية الترمذي وأن معنى أذن فيها أمر بالأذان كأعطى الخليفة فلانا كذا



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( قلت الأصح أنه إلخ ) شمل إمامة الجمعة فالأذان أفضل منها أيضا ويظهر أن إمامتها أفضل من خطبتها ويلزم من تفضيل الأذان على إمامتها تفضيله على خطبتها بطريق الأولى نهاية ومغني قال سم وفيه شيء ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : مع الإقامة إلخ ) ينبغي أن الإمامة أفضل من الإقامة وحدها عند المصنف سم ( قوله : كما اعتمده إلخ ) وفاقا للمنهج وخلافا للنهاية ، والمغني حيث قالا ، واللفظ للثاني وصحح المصنف في نكته أن الأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة وجرى على ذلك بعض المتأخرين ، والمعتمد ما في الكتاب ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : خلافا لمن نازع فيه ) اعتمد م ر المنازعة سم ، وكذا اعتمدها المغني كما مر آنفا ( قوله : [ ص: 474 ] لقوله تعالى { ومن أحسن } إلخ ) لقائل أن يقول قضية التمييز ب " قولا " تفضيل الأذان على الأقوال دون الأفعال كالإمامة فليتأمل وأيضا فقد اعتبر مع الدعاء إلى الله تعالى ما عطفه عليه فليتأمل سم ( قوله : ولا ينافيه إلخ ) محل تأمل إذ لفظ المروي عن ابن عباس المراد به النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الصيغة تقتضي الحصر فيه ومقتضى ما ذكره الشارح أن يكون المراد الأعم من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤذن فليتأمل وفيه أيضا أن هذا الترتيب الذي ادعاه ما مأخذه بصري ( قوله : ؛ لأنه الأحسن إلخ ) تعليل لعدم المنافاة ( قوله : ولا كون الآية مكية ) أي : والأذان إنما شرع بالمدينة وقوله : لأنه لا مانع إلخ لكن الظاهر ، والأصل خلافه وهذا القدر كاف في ترجيح التفسير المروي عن ابن عباس بصري ( قوله : ولما صح إلخ ) عطف على لقوله تعالى إلخ ( قوله : خوف زيغه ) أي بعدم رعاية حقوق الإمامة ( قوله : وأنه قال إلخ ) عطف على قوله إنه صلى الله عليه وسلم إلخ

                                                                                                                              ( قوله : { يغفر له مدى صوته } ) معناه أن ذنوبه لو كانت أجساما ما غفر له منها قدر ما يملأ المسافة التي بينه وبين منتهى صوته وقيل تمتد له الرحمة بقدر مدى الصوت وقال الخطابي يبلغ غاية المغفرة إذا بلغ غاية رفع الصوت ذكره المجموع ا هـ حج في شرح العباب ا هـ ع ش ( قوله : ويشهد له ) أي : بالأذان ومن لازمه إيمانه لنطقه بالشهادتين فيه ع ش ( قوله : وإنما لم يواظب إلخ ) جواب عن دليل الأول المار ( قوله : لولا خليفى ) بكسر الخاء ، واللام المشددة وفتح الفاء مصدر خلفه بتشديد اللام لإرادة المبالغة رشيدي ، والمقرر في علم الصرف أن فعيلى من أوزان مبالغة المصدر من الثلاثي وعبارة ع ش وفي النهاية الخليفى بالكسر ، والتشديد ، والقصر الخلافة وهو وأمثاله من الأبنية كالرمي ، والدليل مصادر تدل على معنى الكثرة يريد به كثرة اجتهاده في ضبط الأمور وتصريف أعنتها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : إنما يمنع الإدامة ) قد يقال ولا يمنع الإدامة لإمكان أن يترتب من ترصد له الوقت سم ( قوله : واعترض ) أي ذلك الجواب ( قوله : بأنه إلخ ) صلة الجواب ( قوله : وهو لا يجزئ ) لا يخفى ما في هذا من الفساد ؛ لأنه لو فرض صدوره منه صلى الله عليه وسلم فأنى يتوهم عدم الإجزاء ، والإجزاء وعدمه إنما يؤخذان من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم وزاده فضلا وشرفا بصري ويقال إن مراده أنه لا يقول الأول لعدم إجزائه كما علم من أدلة الأذان من أن كلماته تعبدية لا يجوز تغييرها

                                                                                                                              ( قوله : بأنه في غاية إلخ ) صلة اعتراض الجواب إلخ ع ش ( قوله : { أذن مرة في السفر } إلخ ) كذا جزم به المصنف وعزاه لخبر الترمذي لكن اعترض بأن أحمد أخرجه في مسنده من طريق الترمذي بلفظ فأمر بلالا فأذن وبه علم اختصار رواية الترمذي ومعنى أذن فيها أمر بالأذان كأعطى الخليفة فلانا ألفا سم عبارة النهاية بعد كلام على أن معنى أذن عند بعضهم أمر كما في رواية أخرى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فقال ذلك ) أي : إن محمدا رسول الله ( قوله : على ما يأتي ، ثم ) أي في بحث تشهد الصلاة ( قوله : فالأحسن الجواب ) أي : عن توجيه أفضلية الإمامة بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم ، والخلفاء على الإمامة وعدم الأذان وقوله لأحد القولين أي القول بأفضلية الأذان ، والقول بأفضلية الإمامة ع ش ( قوله : وقد تفضل إلخ ) جواب عما يتوهم وروده على ما اختاره المصنف من تفضيل السنة على الفرض

                                                                                                                              ( قوله : كابتداء السلام إلخ ) وإبراء المعسر على إنظاره مع أن الأول فيهما سنة ، والثاني فرض ويسن لمن صلح للأذان ، والإمامة الجمع بينهما وأن يتطوع المؤذن بالأذان وأن يكون الأذان بقرب المسجد وأن لا يكتفي أهل المساجد المتقاربة بأذان بعضهم ، بل يؤذن في كل مسجد فإن أبى أي المؤذن من الأذان تطوعا رزقه الإمام من مال المصالح ولا يجوز أن يرزق مؤذنا وهو يجد متبرعا فإن تطوع به فاسق وثم أمين أو أمين [ ص: 475 ] وثم أمين أحسن صوتا منه وأبى الأمين في الأولى ، والأحسن صوتا في الثانية رزقه الإمام من سهم المصالح عند حاجته بقدرها ، أو من ماله ما شاء ويجوز للواحد من الرعية أن يرزقه من ماله وأذان صلاة الجمعة أهم من غيره ولكل من الإمام وغيره الاستئجار عليه أي الأذان ، والأجرة على جميعه ويكفي الإمام لا غيره إن استأجر من بيت المال أن يقول استأجرتك كل شهر بكذا فلا يشترط بيان المدة كالجزية ، والخراج بخلاف ما إذا استأجر من ماله ، أو استأجر غيره فإنه لا بد من بيانها على الأصل في الإجارة وتدخل الإقامة في الاستئجار على الأذان ضمنا فيبطل إفرادها إذ لا كلفة فيها وفي الأذان كلفة لرعاية الوقت نهاية

                                                                                                                              زاد المغني وللإمام أن يرزقهم وإن تعددوا بعدد المساجد وإن تقاربت وأمكن جمع الناس بأحدها لئلا تتعطل ويبدأ وجوبا إن ضاق بيت المال وندبا إن اتسع بالأهم ا هـ قال ع ش قوله م ر رزقه الإمام أي وجوبا وقوله م ر عند حاجته بقدرها يعني إن كان محتاجا يأخذ بقدر حاجته وإلا أخذ بقدر أجرة مثله وقوله ، والأجرة على جميعه وفائدة ذلك تظهر فيما لو أخل به في بعض الأوقات فيسقط ما يقابله من المسمى بقسطه أما لو أخل ببعض كلماته فلا شيء له في مقابلة هذا الأذان لبطلانه بجملته بترك بعضه وقوله وتدخل الإقامة في الاستئجار فيسقط ما يقابلها عند تركها ، وأما ما اعتيد من فعل المؤذنين من التسبيحات ، والأدعية بعد الصلوات فليس داخلا في الإجارة على الأذان فإذا لم يفعله لا يسقط من أجرته للأذان شيء وقوله إذ لا كلفة فيها ويؤخذ منه أنه لو كان فيها كلفة كأن احتاج في إسماع الناس إلى صعود محل عال وفي صعوده مشقة ، أو مبالغة في رفع الصوت ، والتأني في الكلمات ليتمكن الناس من سماعه صحت الإجارة لها ا هـ ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية