الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فإن فقد المال ) بأن لم يكن لمالكه مال ولو ببلد القاضي فقط فيما يظهر والمالك حاضر ممتنع من إنفاقه ( أمره ) القاضي بإيجاره أي : إن وفى بمؤنته فيما يظهر أو [ ص: 367 ] بإزالة ملكه عنه ( ببيعه ، أو إعتاقه ) ، أو نحوهما فإن أبى باعه ، أو آجره عليه فإن لم يجد مشتريا ، ولا مستأجرا أنفق عليه من بيت المال أي : قرضا فيما يظهر أخذا مما مر في اللقيط فإن لم يكن فيه مال ، أو منع ناظره تعديا فعلى مياسير المسلمين ، وما اقتضاه [ ص: 368 ] كلامهما من أنه مخير بين البيع ، والإجارة ينبغي حمله كما هو معلوم من محله على ما إذا استوت مصلحتهما في نظره والأوجب فعل الأصلح منهما فقول جمع يجب الإيجار أو لا يحمل على ما إذا كان أصلح هذا كله في غير المستولدة ، أما هي فيخليها إن لم يزوجها ولا آجرها لتكتسب كفايتها فإن لم يكن لها كسب ، أو لم يف بها ففي بيت المال ثم المياسير .

                                                                                                                              ( تنبيه ) قضية كلامهم في الممتنع هنا الذي له مال أن القاضي لا يبيع عليه القن الممتنع من إنفاقه ، وإن رآه أصلح وأنه يبيع لكفايته بقية أمواله ولو رقيقا مكفيا بكسبه ، وهو مشكل لا سيما في الغائب المنوط التصرف في ماله بالأصلح ، ولو قيل : في الغائب يجوز لما ذكر دون الممتنع ؛ لأن امتناعه من بيعه يدل على قوة الرغبة في إمساكه دون غيره لم يبعد ، ثم رأيت كلامهم الآتي في الدابة وهو صريح في أن القاضي لو رأى بيعه أصلح باعه سواء الممتنع الذي له مال وغيره ولا فارق بين الدابة والقن في ذلك كما صرح به غير واحد

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : أي : قرضا ) ظاهره ، وإن كان فقيرا وسيأتي في الحاشية عن شرح البهجة تفصيل في نظيره من الدابة لا يقال : بل ليس كلامه إلا في الفقير لفرض المسألة فيما إذا لم يكن له مال ؛ لأنا نقول : قد قيد انتفاء المال بما يشمل انتفاءه ببلد القاضي فقط كما ترى وفي شرح الروض هنا قال الأذرعي : وظاهر كلامهم أنه ينفق عليه من بيت المال ، أو المسلمين مجانا وهو ظاهر إن كان السيد فقيرا ، أو محتاجا إلى خدمته لضرورته ، واقتصر م ر على نقل الأذرعي .

                                                                                                                              ( قوله : أخذا مما مر في اللقيط ) عبارة المتن والشرح ثم فإن لم يعرف له مال خاص ، ولا عام فالأظهر أنه ينفق عليه ولو محكوما بكفره من بيت المال من سهم المصالح مجانا فإن لم يكن في بيت المال شيء ، أو كان ثم ما هو أهم منه ، أو منع متوليه ظلما اقترض عليه الحاكم إن رآه ، وإلا قام المسلمون مياسيرهم بكفايته وجوبا قرضا وفي قول نفقة . ا هـ . باختصار وبينا هناك أن الوجه أن محل رجوع المسلمين عليه بناء على القرض ما لم يتبين أنه حين الإنفاق عليه فقير لا منفق له فليتأمل مع ذلك قوله : أخذا مما مر في اللقيط ( قوله : فعلى مياسير المسلمين ) قال القمولي : من نصفه حر ، ونصفه رقيق يجب نصف نفقته على سيده ، والنصف الآخر عليه فإن عجز عن القيام به فيجب نصف نفقته في بيت المال ، وقال الزركشي وغيره : نفقة المبعض أي : المعجوز عن نفقته في بيت المال إن لم يكن بينهما مهايأة وإلا فعلى من هي في نوبته . ا هـ . م ر .

                                                                                                                              قال في شرح الروض : وفيما قاله أي : الزركشي في الشق الثاني نظر . ا هـ . ولعل وجه النظر أن الفرض أنه معجوز عن نفقته وذلك يقتضي عجز ذي النوبة والوجه كما هو ظاهر أن يقال : إن نفقته الغير المعجوز عنها عليه وعلى سيده إن لم يكن مهايأة ، وإلا فعلى ذي النوبة والمعجوز عنها في بيت المال ، ثم على المياسير .

                                                                                                                              ( فرع ) في ملكه رقيقان ذكر وأنثى وقدر على نفقة أحدهما فقط ولو قسمت بينهما لم تسد مسدا فهل يتخير بينهما أو تقدم الأنثى ؛ لأنها أضعف كما قدموا الأم في النفقة على الأب ؛ لأنها أضعف ؟ فيه نظر والوجه وفاقا لمر الأول ، ويفارق ذلك مسألة الأم ؛ لأن الشارع أكد في حقها وجعل لها من البر ما ليس للأب ولا كذلك الرقيقة . ( تنبيه ) في باب الإجارة من تجريد المزجد ما نصه قال البغوي : لو لم ينفق السيد على عبده فله العمل بأجرة ، وينفق على نفسه من كسبه ، ولا شيء للمولى أي : على المستأجر قال الأذرعي : وفي إطلاقه نظر وينبغي فرضه إذا تعذر الحاكم لا مع إمكانه . ا هـ .

                                                                                                                              وقوله : فله العمل بأجرة هل هو ثابت ، وإن أمكن الإنفاق من بيت المال ، ثم من المسلمين ؛ لأنه مستغن بقدرته على الاكتساب فلا يجب إنفاقه على بيت المال ، أو المسلمين ، أو محله ما لم يمكن ذلك ؟ فيه نظر لكن الأوجه أن محل هذا التردد إن لم يكن حاكم وإلا فالوجه ثبوت ذلك ، وإن أمكن ما ذكر أخذا من قوله السابق : فإن لم يجد مشتريا ، ولا مستأجرا أنفق عليه من بيت المال إلخ ؛ لأنه دل على تأخير الإنفاق من بيت المال ، ثم من المسلمين عن بيعه ، وإيجاره وعند عدم الحاكم قد [ ص: 368 ] يقال : ينبغي الحكم هنا على الحر المعسر هل محل وجوب إنفاقه من بيت المال ، ثم من المسلمين إذا لم يقدر على الاكتساب ؟ والمتبادر نعم وقياسه ترجيح الأول من التردد إلا أن يفرق بأن الرقيق ليس من أهل الإيجار ، ولو نفسه بخلاف الحر فليس له إيجار نفسه إلا عند الضرورة بأن تعذر إنفاق بيت المال ، ثم المسلمين وظاهر كلام البغوي المتقدم عدم الفرق فليتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : ولو ببلد القاضي إلخ ) قضيته أنه لو كان له مال في غير بلد [ ص: 367 ] القاضي ، وأمكن إحضاره عن قرب لا ينتظر ، ويؤمر بإزالة ملكه عن العبد ولو قيل : إن القاضي يقترض عليه إلى أن يحضر ماله إذا رأى ذلك مصلحة لم يبعد . ا هـ . ع ش أقول : بل قد يصرح به ما مر أنه يجب على القاضي مراعاة المصلحة في حق المحجور وغيره ( قوله : أو آجره إلخ ) أو آذنه في العمل ، والإنفاق على نفسه من كسبه ، وقوله : فإن لم يجد مشتريا ، ولا مستأجرا أي : ولم يقدر على الاكتساب ، والإنفاق على نفسه من كسبه . ا هـ . سم ( قوله : أي قرضا إلخ ) أي : ما لم يكن السيد فقيرا محتاجا إلى خدمته الضرورية أخذا من كلام الشارح الآتي . ا هـ . ع ش عبارة الأسنى والنهاية والمغني قال الأذرعي : وظاهر كلامهم أنه ينفق عليه من بيت المال أو المسلمين مجانا وهو ظاهر إن كان السيد فقيرا ، ومحتاجا إلى خدمته الضرورية ، وإلا فينبغي أن يكون ذلك قرضا عليه انتهى . ا هـ .

                                                                                                                              قال سم ولا يقال : بل ليس كلام الشارح إلا في الفقير لفرض المسألة فيما إذا لم يكن له مال لأنا نقول : قد قيد انتفاء المال بما يشمل انتفاءه ببلد القاضي فقط كما ترى . ا هـ . ( قوله : أخذا مما مر في اللقيط ) حاصله أنه إن لم يعرف له مال ينفق عليه من بيت المال مجانا فإن لم يكن فيه شيء أو كان ثم ما هو أهم منه ، أو منع متوليه اقترض عليه الحاكم إن رآه وإلا قام مياسير المسلمين بكفايته وجوبا قرضا . ا هـ . وبينا هناك أن الوجه أن محل رجوع المسلمين عليه بناء على القرض ما لم يتبين أنه حين الإنفاق عليه فقير لا منفق له فليتأمل مع ذلك قوله : أخذا مما مر في اللقيط . ا هـ . سم ( قوله : فعلى مياسير المسلمين ) والدفع هنا يكون للسيد كما قاله ابن الرفعة [ ص: 368 ] ؛ لأن النفقة عليه لا للعبد مغني ونهاية ( قوله : كلامهما ) أي : قولهما ويبيع القاضي فيها ماله ، أو يؤجره إلخ ( قوله : مصلحتهما ) أي : البيع والإجارة ( قوله : هذا ) أي : كلام المصنف . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : في غير المستولدة إلخ ) أي : وفي غير المبعض ، أما هو فإن كان بينه ، وبين سيده مهايأة فالنفقة على صاحب النوبة ، وإلا فعليهما بحسب الرق ، والحرية مغني ونهاية وقال سم : هذا في غير المعجوز عن نفقته ، وأما المعجوز عنها فنفقته في بيت المال ، ثم على مياسير المسلمين .

                                                                                                                              ( فرع ) في ملكه رقيقان ذكر وأنثى وقدر على نفقة أحدهما ، ولو قسمت بينهما لم تسد مسدا فهل يتخير بينهما ، أو تقدم الأنثى ؛ لأنها أضعف كما قدموا الأم في النفقة على الأب لذلك ؟ فيه نظر والوجه وفاقا ل م ر الأول . ا هـ . ( قوله : يجوز ) أي : بيع القن المحتاج إلى النفقة ، وقوله : لما ذكر أي : إذا رآه أصلح ( قوله : دون غيره ) قد يتوقف فيه بأن القاضي لا يبيع الغير أيضا إلا بعد أمره ببيعه ، وامتناعه منه فليتأمل . ا هـ . سيد عمر ( قوله : بيعه ) أي : القن ( قوله : وغيره ) شامل للغائب والحاضر الذي لا مال له ( قوله : في ذلك ) أي : رعاية الأصلح ( قوله : به ) أي : بعدم الفرق .




                                                                                                                              الخدمات العلمية