الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وعليه ) أي : مالك دواب لم يرد بيعها ولا ذبح ما يحل منها ( علف ) [ ص: 371 ] بالسكون كما بخطه وهو الفعل وبفتحها وهو المعلوف ( دوابه ) المحترمة ، وإن وصلت إلى حد الزمانة المانعة من الانتفاع بها بوجه ( وسقيها ) وسائر ما ينفعها ، وكذا ما يختص به من نحو كلب محترم كما هو ظاهر ، ثم رأيت الأذرعي صرح بذلك مع زيادة فقال : إما أن يكفيه ، أو يدفعه لمن ينفقه ، أو يرسله انتهى . وقد يشكل على ذلك قول الشيخين يلزمه ذبح شاته لكلبه إذا اضطر إلا أن يحمل على ما إذا لم يرد إرساله ، أو على ما قبل الاضطرار على أنه في المجموع .

                                                                                                                              نقل عن القاضي أن الأصح منع وجوب ذبحها له وذلك لحرمة الروح هذا إن لم تألف الرعي ويكفيها وإلا كفى إرسالها له حيث لا مانع وعليه أول الشبع والري لا نهايتهما نظير ما مر في البعض بل أولى فإن لم يكفها الرعي لزمه التكميل ( فإن امتنع ) من علفها وإرسالها ولا مال له آخر أجبر على إزالة ملكه ، أو ذبح المأكولة ، أو الإيجار صونا لها عن التلف فإن أبى فعلى الحاكم الأصلح من ذلك ، أو وله مال ( أجبر في المأكول على ) مزيل ملك بنحو ( بيع ) [ ص: 372 ] إذا لم يكن إجارته ، أو يفي بمؤنته ( أو علف ) بالسكون كما بخطه أيضا ( أو ذبح وفي غيره على بيع ) بشرطه ( أو علف ) صيانة لها عن الهلاك فإن أبى فعلى الحاكم الأصلح من ذلك ، أو بيع بعضها ، أو إيجارها فإن تعذر ذلك كله أنفق عليها من بيت المال ، ثم المياسير ، فإن لم يجد إلا ما يغصبه غصبه إن لم يخف مبيح تيمم كما هو ظاهر

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : المحترمة ) قال في شرح الإرشاد : وخرج بالمحترمة الفواسق الخمس . ا هـ . ومن الواضح أنه ليس له حبسها مع تعذيبها بنحو جوع ، أو عطش بل إما أن يكفيها ، أو يرسلها ، وأما امتناع الاقتناء ، أو جوازه في نحو الكلب فمسألة أخرى ، ولا يشكل على جواز كفايتها بإطعامها وسقيها ما تقرر في التيمم من عدم اعتبار الحاجة لعطش غير المحترم لمعارضة حق الله تعالى هناك وهو الطهارة بقي ما لو كانت تضيع بإرسالها بحيث يحصل تعذيبها بالجوع ، والعطش فهل يجوز له إرسالها ، أو تجب كفايتها ، أو قتلها ؟ فيه نظر .

                                                                                                                              ( قوله : على ما إذا لم يرد إرساله إلخ ) أو على ما إذا لم يحصل بالإرسال ما يدفع ضرره قال م ر في شرحه وعلى مقتني الكلب المباح اقتناؤه أن يطعمه ، أو يرسله ليأكل لا كسوائب الجاهلية ، أو يدفعه لمن له الانتفاع به ، ولا يحل له حبسه ليهلك جوعا ، ولا يجوز حبس الكلب العقور ليهلك جوعا بل يحسن قتله بحسب ما يمكنه ، ويحرم تكليفها على الدوام ما لا تطيق الدوام عليه ، ولا يحل له ضربها إلا بقدر الحاجة قال الأذرعي : هل يجوز الحرث على الحمير ؟ الظاهر إذا لم يضرها جاز وإلا فلا والظاهر أنه يجب أن يلبس الخيل ، والحمير ، والبغال ما يقيها من الحر ، والبرد الشديدين إذا كان ذلك يضرها ضررا بينا اعتبارا بكسوة الرقيق ولم أر فيه نصا . ا هـ . وهو ظاهر . وفي كتب الحنابلة وهو جار على القواعد أنه يجوز أن ينتفع بالحيوان في غير ما خلق له كالبقر للركوب ، أو الحمل والإبل ، والحمير للحرث وقوله صلى الله عليه وسلم { بينما رجل يسوق بقرة إذ أراد أن يركبها فقالت إنا لم نخلق لذلك } متفق عليه المراد أنه معظم منافعها ، ولا يلزم منه منع غير ذلك م ر ش .

                                                                                                                              ( فرع ) لو كان عنده حيوان يؤكل وآخر لا يؤكل ، ولم يجد إلا نفقة أحدهما ، وتعذر بيعهما فهل يقدم نفقة ما لا يؤكل ، ويذبح المأكول أو يسوي بينهما ؟ فيه احتمالان لابن عبد السلام قال فإن كان المأكول يساوي ألفا ، وغيره يساوي درهما ففيه نظر واحتمال كذا في شرح الروض ولو لم يجد شيئا مطلقا فالوجه وجوب ذبح المأكول ، وإطعامه غير المأكول وقد تقدم قريبا قول الشارح عن الشيخين يلزمه ذبح شاة لكلب إذا اضطر ( قوله في المتن : على بيع ، أو علف ) ينبغي ، أو إيجار [ ص: 372 ] قوله : فإن تعذر ذلك كله أنفق عليها من بيت المال ، ثم المياسير ) قال في شرح الروض كنظيره في الرقيق ويأتي فيه ما مر ثم . ا هـ . وقال ثم الأذرعي : وظاهر كلامهم أنه ينفق عليه من بيت المال ، أو المسلمين مجانا وهو ظاهر إن كان السيد فقيرا ، أو محتاجا إلى خدمته الضرورية وإلا فينبغي أن يكون ذلك قرضا عليه انتهى . ولا يخفى إشكال التعبير بأو في قوله : أو محتاجا إلى خدمته ( قوله : أنفق عليها من بيت المال ثم المياسير ) قال في شرح البهجة : وهذا ظاهر إن كان المالك فقيرا ، وإلا فينبغي أن يكون ذلك قرضا كما في اللقيط . ا هـ . واعلم أن الذي تقدم في اللقيط أن نفقته على بيت المال بلا رجوع ، ثم على مياسير المؤمنين قرضا فلهم الرجوع إذا ظهر له مال ، أو منفق ، وبينا في ذلك المحل أن الوجه المأخوذ من كلام شرح الروض أنه إذا بان حين الإنفاق عليه أن لا مال له ، ولا منفق لا رجوع وحينئذ فقول شرح البهجة : وهذا ظاهر إذا كان المالك فقيرا قضيته أنه لا رجوع عليه حينئذ لا لبيت المال ، ولا للمياسير وهذا موافق لما في اللقيط بالنسبة لبيت المال ، وكذا بالنسبة للمياسير على ما قلنا : إنا بيناه وقوله وإلا فينبغي أن يكون ذلك قرضا على وفق ما في اللقيط بالنسبة للمياسير لا بالنسبة لبيت المال على ما هو قضية كلامهم ، وصريح فرق الشارح ثم بين كونها على المياسير قرضا وعلى بيت المال مجانا فراجعه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : لم يرد بيعها إلخ ) يعني : أما إذا أراد ذلك حالا بأن كان شارعا في البيع في الأولى ومتعاطيا لأسباب الذبح في الثانية فلا يجب عليه العلف بمعنى أنه يحرم عليه البيع أو الذبح حتى يعلف . ا هـ . رشيدي وقوله : إنه يحرم إلخ لعل لا سقطت من قلم الناسخ وأصله لا يحرم ( قول المتن : علف دوابه ) ويحرم تكليفها على الدوام ما لا تطيق الدوام عليه ، ولا يحل له ضربها إلا بقدر الحاجة قال الأذرعي : هل يجوز الحرث على الحمر ؟ والظاهر أنه إن لم يضرها جاز وإلا فلا . ا هـ . وفي كتب الحنابلة وهو جار على القواعد أنه يجوز الانتفاع بالحيوان في غير ما خلق له كالبقر للركوب ، أو الحمل ، والإبل ، والحمير للحرث وقوله صلى الله عليه وسلم { بينما رجل يسوق بقرة إذ أراد أن يركبها فقالت : إنا لم نخلق لذلك } متفق عليه المراد به معظم منافعها ، ولا يلزم منه منع غير ذلك شرح م ر . ا هـ . سم ومثل الضرب النخس حيث اعتيد به فيحوز بقدر الحاجة [ ص: 371 ] ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وبفتحها إلخ ) ويجوز هنا الأمران . ا هـ . مغني ( قوله : المحترمة ) خرج بها غيرها كالفواسق الخمس نهاية ومغني وعلى مقتني الكلب المباح اقتناؤه أن يطعمه ، أو يرسله أي : ليأكل لا كسوائب الجاهلية ، أو يدفعه لمن له الانتفاع به ، ولا يحل له حبسه ليهلك جوعا ولا يجوز حبس الكلب العقور ليهلك جوعا بل يحسن القتلة بحسب ما يمكنه شرح م ر . ا هـ . سم ( قوله : وسائر ما ينفعها ) قال الأذرعي : والظاهر أنه يجب أن يلبس الخيل ، والبغال ، والحمير ما يقيها من الحر ، والبرد الشديدين إذا كان ذلك يضرها ضررا بينا اعتبارا بكسوة الرقيق ، ولم أر فيه نصا انتهى . وهو ظاهر نهاية ومغني قال ع ش قوله : الخيل ، والبغال إلخ أي : ونحوها حيث لم يندفع الضرر إلا به . ا هـ . ( قوله فقال إلخ ) اعتمده المغني والنهاية وقوله : لمن ينفقه عبارتهما لمن يحل له الانتفاع به . ا هـ . ( قوله : على ذلك ) أي : قوله ، أو يرسله ( قوله : قول الشيخين يلزمه إلخ ) سيأتي اعتماده عن المغني وسم ( قوله : إلا أن يحمل على ما إذا لم يرد إرساله إلخ ) أو على ما إذا لم يحصل بالإرسال ما يدفع ضرره . ا هـ . سم ( قوله : وذلك ) إلى المتن في المغني إلا قوله : حيث لا مانع ، وقوله : نظير ما مر في البعض بل أولى ( قوله : وذلك ) الإشارة هنا وفي قوله الآتي : هذا إلى قول المصنف وعليه علف دوابه إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : وإلا كفى إرسالها إلخ ) ولو لم يمكنه علفها فيخليها للرعي مع علمه أنها لا تعود إليه فينبغي أن لا يحرم ذلك ، وأن لا يكون من تسييب السوائب المحرم ؛ لأن هذا لضرورة ومن ذلك ما لو ملك حيوانا باصطياد ، وعلم أن له أولادا يتضررون بفقده فالوجه جواز تخليته ليذهب لأولاده وفي الحديث ما يدل له ، وبقي الكلام فيما لو خلاها للرعي وعلم أنها لا تعود بنفسها لكن يمكنه أن يتبعها في المراعي ، ويرجع بها هل يجب عليه ذلك ويتجه الوجوب حيث لا مشقة دون ما إذا كان مشقة فليحرر و سم على منهج . ا هـ . ع ش ( قوله : وعليه أول الشبع ) المراد بأول الشبع هنا الشبع عرفا بدون المبالغة فيه . ا هـ . ع ش ( قوله : أو وله مال إلخ ) عطف على قوله : ولا مال له إلخ ( قول المتن : على بيع أو علف ) ينبغي ، أو إيجار . ا هـ . سم أقول قد أفاده قول الشارح إذا لم يمكن إجارته إلخ ( قوله : مزيل ملك إلخ ) [ ص: 372 ] الأولى إزالة ملك إلخ .

                                                                                                                              ( قوله : إذا لم يكن إلخ ) عبارة المغني قال الأذرعي : ويشبه أن لا يباع ما أمكن إجارته ، وحكي عن كلام الشافعي والجمهور . ا هـ . ( قوله : أو يفي بمؤنته ) كذا في أصله بخطه بياء آخر يفي سيد عمر أي : وقضية عطفه على المجزوم وحذف الياء ( قوله : أيضا ) أي : مثل ما تقدم ( قول المتن : وفي غيره على بيع إلخ ) ويحرم ذبحه للنهي عن ذبح الحيوان إلا لأكله . ا هـ . مغني ( قوله : بشرطه ) أي : إذا لم يمكن إجارته إلخ ( قوله : صيانة ) إلى المتن في النهاية والمغني ( قوله : صيانة لها عن الهلاك ) .

                                                                                                                              ( فرع ) لو كان عنده حيوان يؤكل ، وآخر لا يؤكل ، ولم يجد إلا نفقة أحدهما ، وتعذر بيعهما فهل يقدم نفقة ما لا يؤكل ، ويذبح المأكول أم يسوي بينهما ؟ فيه احتمالان لابن عبد السلام قال : فإن كان المأكول يساوي ألفا ، وغيره يساوي درهما ففيه نظر واحتمال انتهى . والراجح تقديم غير المأكول أي : بأن يذبح له المأكول في الحالين . ا هـ . نهاية عبارة المغني : وينبغي أن لا يتردد في ذبح المأكول فقد قالوا في التيمم : إنه يذبح شاة لكلبه المحترم فإذا كان الذبح لنفس الكلب فبالأولى أن يذبح ليؤكل وتعطى النفقة لغيره نعم إن اشتدت حاجته للمأكول لم يجز ذبحه كأن كان جملا وهو في برية متى ذبحه انقطع فيها . ا هـ . وعبارة سم ولو لم يجد شيئا مطلقا فالوجه وجوب ذبح المأكول ، وإطعامه غير المأكول ، وقد تقدم قريبا قول الشارح عن الشيخين : يلزم ذبح شاته لكلبه إذا اضطر . ا هـ . ( قوله : أو بيع بعضها إلخ ) عطف على ذلك ( قوله : فإن تعذر إلخ ) راجع لكل من قسمي لا مال له آخر ، وله مال آخر كما هو صريح صنيع المغني ( قوله : أنفق عليها من بيت المال إلخ ) كنظيره في الرقيق ويأتي فيه ما مر ثم أسنى ونهاية ومغني أي : من كونه مجانا إذا كان المالك فقيرا ، وقرضا إذا لم يكن فقيرا ع ش وسم ( قوله : فإن لم يجد إلخ ) عبارة المغني ويجوز غصب العلف للدابة ، وغصب الخيط لجراحتها ولكن بالبدل إن تعينا ولم يباعا . ا هـ . زاد النهاية بل يجب كل منهما حيث لم يخف مبيح تيمم كما هو ظاهر . ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية