الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو أقر ) به ( ثم رجع ) عنه قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو كذبت أو رجعت أو ما زنيت ، وإن قال بعده كذبت في رجوعي أو كنت فاخذت فظننته زنا ، وإن شهد حاله بكذبه فيما يظهر بخلاف ما أقررت ؛ لأنه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به ( سقط ) الحد ؛ لأنه { صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع } فلولا أنه يفيد لما عرض له به بل لما قالوا له إنه عند رجمه طلب الرد إليه فلم يسمعوا قال هلا تركتموه لعله يتوب أي يرجع إذ التوبة لا تسقط الحد هنا مطلقا فيتوب الله عليه ومن ثم سن له الرجوع وأفهم قوله : سقط أي عنه بقاء الإقرار بالنسبة لغيره كحد قاذفه فلا يجب برجوعه بل يستصحب حكم إقراره فيه من عدم حده لثبوت عدم إحصانه ولو وجد إقرار وبينة اعتبر الأسبق [ ص: 114 ] ما لم يحكم بالبينة وحدها ولو متأخرة فلا يقبل الرجوع وكالزنا في قبول الرجوع عنه كل حد لله تعالى كشرب وسرقة بالنسبة للقطع وأفهم كلامه أنه إذا ثبت بالبينة لا يتطرق إليه رجوع ، وهو كذلك لكنه يتطرق إليه السقوط بغيره كدعوى زوجية وملك أمة كما يأتي في السرقة وظن كونها حليلة ونحو ذلكوكإسلام ذمي بعد ثبوت زناه ببينة فإنه يسقط حده ( ولو قال ) المقر اتركوني أو ( لا تحدوني أو هرب ) قبل حده أو في أثنائه ( فلا ) يكون رجوعا ( في الأصح ) ؛ لأنه لم يصرح به نعم يخلى وجوبا حالا فإن صرح فذاك وإلا أقيم عليه للخبر السابق هلا تركتموه فإن لم يخل لم يضمن ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم شيئا ولو أقر زان بنحو بلوغ أو إحصان ثم رجع وقال أنا صبي أو بكر فهل يقبل محل نظر وعدم القبول أقرب وليس في معنى ما مر لأنه ثم رفع السبب بالكلية بخلافه هنا ولو ادعى المقر أن إماما استوفى منه الحد قبل ، وإن لم ير له ببدنه أثر كما أفهمه ما مر آخر البغاة وعلى قاتل الراجع دية لا قود لشبهة الخلاف في سقوط الحد بالرجوع

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : ولو أقر ثم رجع سقط ) هل تسقط عدالته بإقراره بالزنا ثم يعود حكمها برجوعه فيه نظر ( قوله : ؛ لأنه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به ) أي بإقراره ( قوله : بل لما قالوا إنه عند رجمه طلب الرد إليه ) ليس رجوعا ( قوله : ولو وجد إقرار وبينة اعتبر الأسبق ) المعتمد اعتبار البينة ، وإن تأخرت ؛ لأن البينة في حقوق الله أقوى من الإقرار عكس حقوق الآدميين م ر ش .

                                                                                                                              ( قوله : أيضا اعتبر الأسبق ) المعتبر البينة مطلقا ما لم يسند الحكم إلى الإقرار [ ص: 114 ] وحده م ر ( قوله : ما لم يحكم إلخ ) يدخل فيه ما لو حكم بهما أو بالإقرار وحده وتأخر والحاصل أنه إن أسند الحكم إلى البينة أو الإقرار اعتبر وإلا اعتبرت البينة لأنها في حقوق الله أقوى من الإقرار والإقرار في حقوق الآدميين أقوى منها م ر ( قوله : وكإسلام ذمي بعد ثبوت زناه ببينة فإنه يسقط حده ) المعتمد عند شيخنا الشهاب الرملي عدم السقوط قال ونص الشافعي على السقوط مفرع على قوله المرجوح وهو سقوط الحد بالتوبة



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : قبل الشروع ) إلى قوله وأفهم في المغني إلا قوله ، وإن قال بعده كذبت في رجوعي وقوله وإن شهد إلى بخلاف وإلى قوله ولو وجد في النهاية ( قوله : أو بعده ) فإن رجع في أثنائه فكمل الإمام متعديا بأن كان يعتقد سقوطه بالرجوع فمات هل يجب عليه نصف الدية ؛ لأنه بمضمون وغيره أو توزع الدية على السياط ؟ قولان أقربهما كما قال شيخنا الثاني كما لو ضربه زائدا على حد القذف ا هـ مغني ( قوله : أو رجعت ) أي عما أقررت به ا هـ مغني ( قوله : أو ما زنيت ) أي فإقراري به كذب فلا تكذيب فيما ذكر للشهود فإنهم إنما شهدوا بالإقرار ، وهو لم يكذبهم فيه ا هـ ع ش ( قوله : وإن قال بعده ) أي بعد رجوعه ( قوله : أو كنت إلخ ) عطف على كذبت الأول ( قوله : بخلاف ما أقررت ) أي فلا يكون رجوعا فلا يسقط به الحد ا هـ ع ش ( قوله : لأنه مجرد تكذيب إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه ولو شهدوا بإقراره بالزنا فكذبهم كأن قال ما أقررت لم يقبل تكذيبه ؛ لأنه تكذيب للشهود والقاضي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : الشاهدة به ) أي بإقراره ا هـ سم ( قوله : أنه ) أي الرجوع ( قوله : قالوا ) أي المباشرون برجمه له أي صلى الله عليه وسلم إنه أي ماعزا وقوله إليه أي صلى الله عليه وسلم ( قوله : طلب الرد إلخ ) ومجرد طلب الرد ليس رجوعا ا هـ سم ( قوله : فلم يسمعوا ) أي لم يجيبوا لما طلبه ا هـ ع ش ( قوله : فقال هلا تركتموه إلخ ) الوجه حذف الفاء من فقال ا هـ رشيدي أقول قد صرح العصام بأنه قد يكون جواب " لما " ماضيا مقرونا بالفاء ( قوله : إذ التوبة إلخ ) علة للتفسير ( قوله : مطلقا ) أي سواء ثبت الزنا بالإقرار أو بالبينة ( قوله : فيتوب الله عليه ) من تتمة الحديث ( قوله : ومن ثم ) أي من أجل ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الرجوع ( قوله : سن له الرجوع ) عبارة المغني والروض مع شرحه ويسن لمن أقر بزنا أو شرب مسكر الرجوع كالستر ابتداء ولو قال زنيت بفلانة فأنكرت أو قالت كان تزوجني فمقر بالزنا وقاذف لها فيلزمه حد الزنا وحد القذف فإن رجع سقط حد الزنا وحده ، وإن قال : زنيت بها مكرهة لزمه حد الزنا لا القذف ولزمه لها مهر فإن رجع عن إقراره سقط الحد لا المهر ؛ لأنه حق آدمي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بقاء الإقرار إلخ ) سيأتي أنه يضمن بالدية إذا قتل فليس قوله : بالنسبة لغيره على عمومه ا هـ ع ش ( قوله : فلا يجب إلخ ) أي حد قاذفه سواء قذفه قبل الرجوع أو بعده ؛ لأنه سقطت حصانته بإقراره بالزنا ، وغير المحصن لا يحد قاذفه ا هـ ع ش ( قوله : فيه ) أي في قاذفه ( قوله : ولو وجد إقرار وبينة ) أي ثم رجع عن الإقرار مغني ونهاية .

                                                                                                                              ( قوله : اعتبر الأسبق ) وينبغي كما قال شيخي أن المعول على البينة حيث وجدت ؛ لأن البينة في هذا الباب أقوى كما أن الإقرار في المال أقوى إلا إذا أسند [ ص: 114 ] الحكم للإقرار وحده فإنه يعمل به قدمت البينة عليه أو تأخرت مغني ونهاية ( قوله : ما لم يحكم بالبينة وحدها ) يدخل ما لو حكم بهما أو بالإقرار وحده وتأخر والمعتمد أن المعتبر البينة مطلقا ما لم يسند الحكم إلى الإقرار وحده م ر ا هـ سم ( قوله : وكالزنا ) إلى قوله " وملك أمة " في المغني وإلى قوله وكإسلام في النهاية ( قوله : بالنسبة للقطع ) أي أما المال فيؤخذ منه ا هـ ع ش ( قوله : لا يتطرق إليه رجوع ) انظر ما المراد من هذا ا هـ رشيدي ( أقول ) المراد لا يسقط بالرجوع عبارة الروض والحد الثابت بالبينة لا يسقط بالرجوع ا هـ وعبارة المغني قد يفهم كلام المصنف عدم سقوط الحد بعد ثبوته بالبينة وهو كذلك فلا يسقط بالرجوع كما لا يسقط هو ولا الثابت بالإقرار بالتوبة لكن استثني منه صورتان الأولى ما إذا أقيمت عليه البينة ثم ادعى الزوجية الثانية الإسلام إلخ ( قوله : بغيره ) أي غير الرجوع وقوله كدعوى زوجية أي لمن زنى بها وظاهره ولو بالبينة وكانت المزني بها متزوجة بغيره ا هـ ع ش ( قوله : وملك أمة ) وقوله وظن كونها إلخ معطوفان على قوله " زوجية " ( قوله : وظن كونها إلخ ) أي وتصدق في ذلك وقوله " ونحو ذلك " أي كدعوى الإكراه ا هـ ع ش ( قوله : ببينة ) وكذا بالإقرار لكن يقبل رجوعه عنه ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : فإنه يسقط حده ) وفاقا للمغني وخلافا للنهاية عبارته لم يسقط حده وما ذكره المصنف في الروضة عن النص من سقوطه مفرع على سقوط الحد بالتوبة والأصح خلافه ا هـ وعبارة سم المعتمد عند شيخنا الشهاب الرملي عدم السقوط ا هـ ( قوله : اتركوني ) إلى قول المتن ويستوفيه في النهاية إلا قوله للخبر السابق هلا تركتموه ( قوله : لأنه ) إلى قوله ولو أقر زان في المغني إلا قوله للخبر السابق هلا تركتموه ( قوله : به ) أي الرجوع ( قوله : فإن صرح ) أي بالرجوع ( قوله : للخبر إلخ ) علة للاستثناء ( قوله : فإن لم يخل ) أي فمات ا هـ مغني ( قوله : وقال أنا صبي إلخ ) تفسير للرجوع ( قوله : فهل يقبل ) إلى قوله وليس إلخ عبارة النهاية فالمتجه عدم قبوله ا هـ ( قوله : وليس ) أي قوله : أنا صبي أو بكر ( قوله : في معنى ما مر ) أي في شرح ثم رجع إلخ من قوله نحو كذبت إلخ ( قوله : رفع السبب ) وهو الإقرار بالزنا ( قوله : أن إماما إلخ ) أي أو نائبه لما تقدم أن المراد بالإمام حيثما أطلق ما يشمل نحو القضاة ( قوله : وإن لم ير له ببدنه إلخ ) ظاهره وإن عين للحد زمنا يبعد معه زوال أثر الضرب ا هـ ع ش ( قوله : وعلى قاتل الراجع إلخ ) وفاقا للمغني والروض وشرحه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية