الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              و ( المشمس ) ولو مغطى لكن كراهة المكشوف أشد يعني ما أثرت فيه الشمس بحيث قويت على أن تفصل بحدتها منه زهومة ماء كان أو مائعا وكل شروطه للمطولات ، وهي أن يكون بقطر حار وقت الحر في إناء منطبع ، وهو ما يمتد تحت المطرقة ولو بالقوة كبركة في جبل حديد [ ص: 75 ] غير نقد ومغشي به يمنع انفصال الزهومة بخلاف نقد غشي أو اختلط بما تتولد هي منه ولو غير غالب خلافا للزركشي وادعاءاتها لا تتولد إلا من غالب أو متحصل بالنار ممنوع ويؤيده قوله وإن رددته في شرح العباب بتولدها من الصداء بل هو شرط فيها عنده سواء النقد وغيره كما شملته عبارته ، وهي تخص الكراهة بكل إناء منطبع مصدي وأن يستعمل وهو حار ولو في ثوب لبسه رطبا في ظاهر أو باطن بدن حي كأبرص يخشى زيادة برصه وغير آدمي يخشى برصه ، وذلك للخبر الصحيح { دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } واستعماله مريب ؛ لأنه يخشى منه البرص كما صح عن عمر رضي الله عنه واعتمده بعض محققي الأطباء لقبض تلك الزهومة على مسام البدن فتنجس الدم ، ومحل هذا وما قبله حيث لم يظن بقول عدل أو بمعرفة نفسه ضرره له بخصوصه ، وإلا حرم فيلزم التيمم إن لم يجد غيره أو [ ص: 76 ] لم يتعين ، وإلا بأن لم يجد غيره وقد ضاق الوقت وجب استعماله وشراؤه ولا كراهة كمسخن بالنار ، ولو بنجس مغلظ ؛ لأنها تذهب الزهومة لقوتها بخلافها في الطعام المائع لاختلاطها بأجزائه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 75 ] قوله بل هو ) ضبب بينه وبين الصدر ، وكذا ضبب بينه وبين قوله عبارته وهي ( قوله بكل إناء منطبع ) قد يقال لا دلالة في هذه العبارة على تولدها من الصداء ( قوله وهو حار ) فلو برد زالت الكراهة كما صححهالمصنف وبقي ما لو برد ، ثم شمس أيضا في إناء غير منطبع فهل تعود الكراهة ؛ لأنها إنما زالت لفقد الحرارة وقد وجدت أولا تعود كما اقتضاه إطلاقهم فيه نظر ، وقد يوجه إطلاقهم باحتمال أن التبريد أزال الزهومة أو [ ص: 76 ] أزال تأثيرها أو أضعفه وإن وجدت الحرارة وأن الكراهة لا تثبت إلا بسببها ، وقد زالت بالتبريد ولم يوجد بعد سببها وهو التشميس بشروطه وباحتمال أن الحرارة المؤثرة مشروطة بحصولها بواسطة الإناء المنطبع لخصوصية فيه فليتأمل ( قوله ولم يتعين ) ضبب بينه وبين قوله لم يظن ( قوله ولا كراهة ) خالف ابن عبد السلام فصرح مع الوجوب ببقاء الكراهة ونظر الغزي فيه بأن الكراهة تنافي فرض العين دون فرض الكفاية قال الشارح في شرح العباب وهو تنظير ظاهر خلافا لمن زعم أن فيه نظرا نعم مر أن من يقول بأن الكراهة إرشادية يقول ببقائها مع التعين فإن كان ابن عبد السلام يقول بها فلا اعتراض عليه حينئذ انتهى وفي مجامعتها إذا كانت إرشادية للتعين نظر أيضا ( قوله كمسخن بالنار ) لو سخن بها في منطبع ثم بالشمس قبل أن يبرد فيحتمل أن يقال إن حصل بالشمس سخونة تؤثر الزهومة كره وإلا فلا فليتأمل ، ولا يكره استعماله أي المشمس في طعام جامد كخبز عجن به ؛ لأن الأجزاء السمية تستهلك في الجامد بخلافها في المائع وإن طبخ بالنار فإنه يكره ، ويؤخذ من ذلك أن المشمس إذا سخن بالنار لا تزول الكراهة وهو كذلك كما اعتمده شيخنا الشهاب الرملي إذ نار الطبخ أشد فإذا لم تزل الكراهة فنار التسخين أولى ، ويحمل قولهم لا يكره المسخن بالنار على الابتداء شرح م ر ( قوله بخلافها ) يتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله والمشمس ) عطف على قوله شديد حر ( قوله ولو مغطى ) إلى قوله ولا يكره الطهر في النهاية إلا قوله ولو غير غالب ، وأن يستعمل وما أنبه عليه ( قوله أشد ) أي لشدة تأثيرها فيه نهاية ( قوله يعني ما أثرت فيه الشمس إلخ ) أي بقصد وبدونه أي استعماله شرح بافضل عبارة النهاية أي ما سخنته الشمس كما قاله الشارح رادا على من قال إن حقه أن يعبر بمتشمس سواء أتشمس بنفسه أم لا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بحيث قويت إلخ ) عبارة النهاية والإيعاب وضابط المشمس أن تؤثر فيه السخونة بحيث تفصل من الإناء أجزاء سمية تؤثر في البدن لا مجرد انتقاله من حالة لأخرى بسببها ، وإن نقل في البحر عن الأصحاب الاكتفاء بذلك ا هـ أي خلافا للخطيب ع ش أي حيث اختار الاكتفاء بذلك في المغني والإقناع ( قوله منه ) أي الإناء نهاية ومنهج ( قوله زهومة ) تعلو الماء محلي ومنهج أي تظهر على وجه الماء مع كونها منبثة فيه أيضا ، ولذلك لو خرق الإناء من أسفله واستعمل الماء كره شيخنا وبجيرمي ( قوله ماء كان إلخ ) أي المشمس وقليلا كان أو كثيرا نهاية وشرح بافضل ( قوله أو مائعا ) دهنا كان أو غيره نهاية ( قوله ووكل إلخ ) أي المصنف ( قوله أن يكون بقطر حار إلخ ) أي كأقصى الصعيد واليمن والحجاز في الصيف لا بقطر معتدل كمصر أو بارد كالشام فلا يكره المشمس فيهما ولو في الصيف الصائف كما هو ظاهر كلامهم ؛ لأن تأثير الشمس فيهما ضعيف ، ولو خالفت بلدة قطرها حرارة أو برودة اعتبرت دونه كحوران بالشام والطائف بالحجاز فيكره المشمس في الأول دون الثاني شيخنا .

                                                                                                                              ( قوله ولو خالفت إلخ ) في ع ش والبجيرمي مثله ( قوله وقت الحر ) أي في الصيف ع ش ( قوله في إناء منطبع ) كالحديد والنحاس والرصاص بخلاف غيره كالخزف والخشب والجلد والحوض نهاية ومغني ( قوله كبركة إلخ ) مثال للمنطبع بالقوة عبارة الكردي عن الإيعاب أي ما من شأنه الانطباع [ ص: 75 ] أي الامتداد تحت المطرقة فشمل المشمس في بركة من جبل حديد مثلا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله غير نقد إلخ ) أي غير الذهب والفضة فلا يكره المشمس فيهما من حيث هو مشمس لصفاء جوهرهما وإن حرم من حيث استعمال آنية الذهب والفضة شيخنا ( قوله ومغشي به ) عطف على نقد أي وغير مطلي بالنقد كردي ( قوله يمنع انفصال الزهومة إلخ ) عبارة النهاية ولا فرق فيهما أي الذهب والفضة وفي المنطبع من غيرهما بين أن يصدأ أو لا .

                                                                                                                              وأما المموه بأحدهما فالأوجه فيه أن يقال إن كثر التمويه بحيث يمنع انفصال شيء من أصل الإناء لم يكره ، وإلا كره حيث انفصل منه شيء يؤثر ويجري ذلك في الإناء المغشوش ا هـ قال ع ش قوله م ر بين أن يصدأ أو لا ، أي فلا يكره في الذهب والفضة وإن صدئ ، ويكره في غيرهما ولا يقال إن الصداء في غيرهما مانع من وصول الزهومة إلى الماء ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله يمنع انفصال إلخ ) ظاهره سواء حصل منه شيء بعرضه على النار أم لا كما أشار إليه الكردي بخلاف قول النهاية المتقدم إن كثر التمويه إلخ فإن ظاهره اعتبار أن يحصل منه شيء بعرضه على النار كما حمله عليه البجيرمي ، وأشار الكردي إليه وإلى مخالفته لما في التحفة ( قوله بخلاف نقد غشي إلخ ) أي فيكره مطلقا سواء حصل من التمويه بنحو النحاس شيء يعرضه على النار أم لا على ما اعتمده شيخنا الزيادي بجيرمي ( قوله وادعاء أنها إلخ ) أي الزهومة ( قوله أو متحصل بالنار ) أي متحصل منه شيء بالنار ( قوله ويؤيده قوله ) أي يؤيد المنع قول الزركشي ( قوله وإن رددته في شرح العباب ) تقدم عن النهاية ما يوافقه ( قوله بتولدها ) متعلق بقوله والضمير للزهومة ( قوله بل هو ) أي الصداء سم ( قوله عنده ) أي الزركشي ( قوله كما شملته ) أي غير النقد وقوله وهي أي عبارة الزركشي سم ( قوله بكل إناء منطبع إلخ ) قد يقال لا دلالة في هذه العبارة على تولدها من الصداء سم .

                                                                                                                              ( قوله وهو حار ) فلو برد زالت الكراهة نهاية ومغني وبافضل وسم قال الشارح في حاشية فتح الجواد المراد زوال الحرارة المولدة للزهومة لا مطلقا فشمل ما لو نقصت حرارته بحيث عاد إلى حالة لو كان عليها ابتداء لم يكره انتهى ا هـ كردي قال سم بقي ما لو برد ، ثم شمس أيضا في إناء غير منطبع فهل تعود الكراهة ؛ لأنها إنما زالت لفقد الحرارة ، وقد وجدت أو لا تعود كما اقتضاه إطلاقهم فيه نظر ، وقد يوجه إطلاقهم باحتمال أن التبريد أزال الزهومة أو أزال تأثيرها أو أضعفه وإن وجدت الحرارة وما لو سخن بالنار في منطبع ، ثم بالشمس قبل أن يبرد فيحتمل أن يقال إن حصل بالشمس سخونة تؤثر الزهومة كره وإلا فلا فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                              وقال ع ش في المسألة الأولى واعتمده البجيرمي وشيخنا والأقرب عدم زوال الكراهة ؛ لأن الزهومة باقية ، وإنما خمدت بالتبريد فإذا سخن أثيرت تلك الزهومة الخامدة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في ظاهر إلخ ) متعلق بقوله يستعمل ( قوله أو باطن بدن إلخ ) كأكل وشرب نهاية ومغني ( قوله حي ) وكذا في الميت ؛ لأنه محترم مغني ونهاية وشرح بافضل وعميرة ( قوله يخشى زيادة برصه ) أي أو شدة تمكنه نهاية يعني فيما لو عمه البرص بحيث لم يبق للزيادة مجال بصري ( قوله يخشى برصه ) كالخيل أو أن يلحق الآدمي منه ضرر نهاية ومغني ( قوله وذلك إلخ ) أي كراهة المشمس ، وكان الأنسب أن يقدمه على بيان الشروط كما في النهاية والمغني ( قوله واستعماله ) أي المشمس ( قوله كما صح ) أي إيراثه البرص ( قوله فتحبس الدم ) أي فيحدث البرص ( فائدة )

                                                                                                                              ذكر الشارح في حاشيته هنا في أسباب الضرر كلاما طويلا ملخصه أن ما لا يتخلف مسببه عنه إلا معجزة أو كرامة لولي يحرم الإقدام عليه ، وكذا يحرم ما يغلب ترتب مسببه عليه وقد ينفك عنه نادرا .

                                                                                                                              وأما ما لم يترتب سببه عليه إلا نادرا كالشمس فيكره الإقدام عليه وكذا ما استوى طرفا حصوله وعدمه ا هـ كردي ( قوله ومحل هذا ) أي كراهة المشمس ( وما قبله ) أي كراهة شديد حر وبرد ( بقول عدل ) أي رواية نهاية ( قوله أو بمعرفة نفسه ) أي طبا لا تجربة ع ش ورشيدي ( قوله أو [ ص: 76 ] لم يتعين ) ضبب بينه وبين قوله لم يظن سم ولعل الأنسب ولم يتعين بالواو بصري أي كما في بعض النسخ ( قوله وإلا حرم ) أي وإن تعين ( قوله بأن لم يجد غيره إلخ ) أي ولم يظن ضرره بما مر كردي وشرح بافضل ( قوله وقد ضاق الوقت إلخ ) أي وإن لم يضق لم يجب ما ذكر لكن الأفضل تركه إن تيقن غيره آخر الوقت ع ش ( قوله وجب استعماله ) ، ويتجه أن يقتصر حينئذ على غسلة واحدة فيكره ما زاد عليها والغسل المسنون والوضوء المجدد لعدم وجوب ذلك قاله سم ا هـ بجيرمي .

                                                                                                                              ( قوله ولا كراهة ) خالف ابن عبد السلام فصرح مع الوجوب ببقاء الكراهة ، ونظر فيه الغزي بأن الكراهة تنافي فرض العين قال الشارح في شرح العباب وهو تنظير ظاهر ا هـ سم وكأن مدركه أن الكراهة والوجوب راجعان لجهة واحدة وهي الاستعمال ، والشيء إذا كان له جهة واحدة لا يجتمع فيه حكمان ، وأما الصلاة في أرض مغصوبة فلها جهتان ولذا كان لها حكمان الوجوب والحرمة بجيرمي ( قوله كمسخن بالنار إلخ ) أي إذا سخن بالنار ابتداء بخلاف المشمس إذا سخن بالنار قبل تبريده فإن الكراهة باقية كما لو طبخ به طعام مائع فإذا لم تزل الكراهة بنار الطبخ مع شدتها فلا تزول بنار التسخين من باب أولى زيادي وبجيرمي وشيخنا ويأتي عن النهاية والمغني مثله ( قوله ولو بنجس مغلظ ) بالوصف ( قوله بخلافها إلخ ) يتأمل سم .

                                                                                                                              ( قوله في الطعام المائع إلخ ) أي وإن طبخ بالنار فإنه يكره بخلاف الطعام الجامد كالخبز والأرز المطبوخ به لم يكره ، ويؤخذ من ذلك أن الماء المشمس إذا سخن قبل تبريده بالنار لا تزول الكراهة ، وهو كذلك نهاية ومغني ( قوله لاختلاطها إلخ ) وصورته أن الماء المشمس جعل حال حرارته في الطعام وطبخ به رشيدي .




                                                                                                                              الخدمات العلمية