الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وتقطع يمينه ) أي السارق الذي له أربع إذ هو الذي يتأتى فيه الترتيب الآتي إجماعا ولو شلاء إن أمن نزف الدم ولأن البطش بها أقوى فكان البداءة بها أردع ، وإنما لم يقطع ذكر الزاني ؛ لأنه ليس له مثله وبه يفوت النسل المطلوب بقاؤه ، وقاطعها في غير القن هو الإمام أو نائبه فلو فوضه السارق لم يقع الموقع [ ص: 155 ] كذا نقله شارح عن الرافعي وهو مشكل بما يأتي من سقوطها بنحو آفة المصرح بوقوع فعله الموقع وإن لم يفوضه إليه الإمام ثم رأيت كلام الرافعي ليس نصا في ذلك وإنما هو عموم فقط وهو أن التوكيد في استيفاء الحد ممتنع ولا يقع الموقع فليحمل على غير هذا لما صرحوا به فيما يأتي أن القطع تعلق بعين اليمين فأجزأ سقوطها على أي وجه كان ( فإن سرق ثانيا بعد قطعها ) واندمل القطع الأول وفارق توالي قطعهما في الحرابة ؛ لأنهما ثم حد واحد ( فرجله اليسرى ) هي التي تقطع

                                                                                                                              ( و ) إن سرق ( ثالثا ) قطعت ( يده اليسرى و ) إن سرق ( رابعا ) قطعت ( رجله اليمنى ) لخبر الشافعي بذلك وله شواهد وصح ما ذكر في الثالثة عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من غير مخالف وحكمة قطع اليد والرجل أنهما آلة السرقة بالأخذ والنقل ، وقطع ما ذكر في الثانية والرابعة أن السرقة مرتين تعدل الحرابة شرعا وهما يقطعان في مرة منها كما يأتي ، أما قبل قطعها فسيأتي هذا كله حيث لا زائدة وشبهها على معصمه وإلا قطعت أصلية إن تميزت وأمكن استيفاؤها بدون الزائدة وإلا قطعتا ، كذا أطلقه شيخنا هنا في شرح الروض لكنه قدم فيه في الوضوء في أصلية وزائدة لم تتميز أنه تقطع إحداهما وهو الأوجه

                                                                                                                              ولك أن تقول لا تخالف بين عبارتيه ؛ لأن قوله هنا وإلا ، معناه وإلا يمكن استيفاؤها بدون الزائدة [ ص: 156 ] وحينئذ فمتى أمكن استيفاء الأصلية وحدها أو إحداهما إن لم تتميز الأصلية قطعت وعليه يحمل ما في الوضوء وإلا قطعتا وعليه يحمل ما هنا فلا نظر لتميز وعدمه بل لإمكان قطع واحدة وعدمه ، نعم في قوله كغيره ثم ، فإن لم تتميز الزائدة عن الأصلية بأن كانتا أصليتين أو إحداهما ولم تتميز غموض إذ كيف يعلم مع عدم التميز أنهما أصليتان تارة أو إحداهما فقط تارة أخرى ؟ وقد يجاب بتصور ذلك بأن يخلقا معا أو مرتبا ويستويا فيحكم على كل من الأوليين بالأصالة وعلى إحدى الأخريين بالأصالة فقط ، وليس مجرد التقدم مقتضيا للأصالة

                                                                                                                              فإن لم يكن له إلا زائدة قطعت وإن فقدت أصابعها ، وتقطع إحدى أصليتين في سرقة والأخرى في أخرى كزائدة صارت بعد قطع الأصلية أصلية بأن صارت عاملة فتقطع في سرقة أخرى وتعرف الزيادة بنحو فحش قصر ونقص أصبع وضعف بطش ( وبعد ذلك ) أي قطع الأربع إذا سرق أو سرق أولا ولا أربع له ( يعزر ) لأنه لم يرد فيه شيء وخبر قتله منكر ، ولو صح لكان منسوخا أو محمولا على أنه قتله بزنا أو استحلال كما قاله الأئمة أما إذا لم يكن له الأربع فيقطع في الأولى ما يؤخذ في الثانية بل الرابعة بأن لم يكن له إلا رجل يمنى ؛ لأنه لما لم يوجد ما قبلها تعلق الحق بها .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله إن أمن نزف الدم ) أي فإن لم يأمن نزف الدم قطعت رجله اليسرى بخلاف ما سيأتي آخر الباب أنه لو شلت بعد السرقة ولم يأمن نزف الدم فإن القطع يسقط لأنه بالسرقة تعلق بعينها فإذا تعذر قطعها سقط بخلافه هنا فإن الشلل موجود ابتداء فإذا تعذر قطعها لم يتعلق القطع بها بل بما بعدها م ر ( قوله فلو فوضه للسارق لم يقع الموقع ) في الروض في باب استيفاء القصاص قبيل الطرف الثاني ما نصه : ولو أذن الإمام لسارق أي في قطع يده فقطع يده جاز ويجزئ ا هـ قال في شرحه وما ذكره كأصله من الجواز نصه في أول الباب الثاني من أبواب الوكالة ا هـ [ ص: 155 ] قوله كذا نقله شارح عن الرافعي ) واقتصر عليه م ر ش ( قوله على أي وجه كان ) فيه أن من تلك الوجوه قطعها بالتوكيل في الاستيفاء ( قوله كذا أطلقه شيخنا هنا في شرح الروض لكنه قدم فيه في الوضوء إلخ ) اعتمد م ر أنه لا تقطع يدان مطلقا بسرقة واحدة حتى إذا لم يمكن قطع إحداهما بدون الأخرى انتقل لما بعدهما ( قوله معناه وإلا يمكن استيفاؤها بدون الزائدة ) أقول كون معناه ذلك مما لا شك فيه ولا تحتمل عبارته خلافه لأنه عقب قوله وإلا فيقطعان لقوله وإن لم يتميز قطعت إحداهما فقط انتهى وبذلك يعلم سقم النسخة الواقعة للشارح ويبقى ما إذا لم تتميز ولم يمكن استيفاء إحداهما بدون الأخرى وهو داخل في قول الشارح وإلا قطعتا [ ص: 156 ] قوله وقد يجاب بتصور ذلك بأن يخلقا معا أو مرتبا ويستويا فيحكم على كل من الأوليين بالأصالة وعلى إحدى الأخريين بالأصالة فقط إلخ ) أقول إن كان عدم تميز الزائدة من الأصلية صادقا بعدم الزيادة أو بزيادة إحداهما لأن السلب يصدق بنفي الموضوع فلا غموض ولا إشكال لأن العلم بأصالة الاثنتين أو إحداهما أمر سهل ، وإنما يثبت الغموض لو كان المراد أن إحداهما زائدة ولم تتميز من الأصلية وحينئذ لا يتأتى التصوير الأول الذي ذكره فتأمله .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله إجماعا ) إلى قوله وقاطعها في المغني ( قوله إن أمن نزف الدم ) أي : فإن لم يؤمن نزف الدم قطعت رجله اليسرى بخلاف ما سيأتي آخر الباب أنه لو شلت بعد السرقة ولم يؤمن نزف الدم فإن القطع يسقط ؛ لأنه بالسرقة تعلق القطع بعينها فإذا تعذر قطعها سقط بخلافه هنا فإن الشلل موجود ابتداء فإذا تعذر قطعها لم يتعلق القطع بها بل بما بعدها م ر سم على حج ا هـ ع ش ( قوله ولأن البطش إلخ ) عطف على قوله إجماعا ( قوله ؛ لأنه ليس له مثله ) أي : والسارق له مثل اليد غالبا فلم تفت عليه المنفعة بالكلية ا هـ مغني ( قوله وبه يفوت إلخ ) أي : غالبا ا هـ مغني وهو علة مستقلة كما هو صريح المغني ( قوله وقاطعها في غير القن ) أي : من حر ومبعض ومكاتب أما القن فقاطعها السيد والإمام ا هـ ع ش

                                                                                                                              ( قوله فلو فوضه ) أي : الإمام أو نائبه وقوله للسارق خرج به ما لو فوضه للمسروق منه فيقع الموقع وإن امتنع التفويض له مخافة أن يردد عليه الآلة فيؤدي إلى إهلاكه وخرج بفوض إليه ما لو فعله بلا إذن من الإمام أو نائبه فلا يقع حدا وإن امتنع القطع لفوات المحل ا هـ ع ش وقوله وخرج بفوض إليه إلخ فيه أن الحكم في التفويض كذلك فما معنى الخروج حينئذ على أنه يخالف قول الشارح الآتي فأجزأ سقوطها إلخ [ ص: 155 ] قوله كذا نقله شارح عن الرافعي ) واقتصر عليه النهاية وكتب عليه ع ش ما نصه قوله لا يقع الموقع أي : ويكون كالسقوط بآفة وسيأتي ما فيه ومنه سقوط القطع وعليه فيشكل الفرق بين القول بوقوع الموقع والقول بعدمه بأن كلا منهما يسقط القطع إلا أن يقال : إذا قلنا بوقوع الموقع كان قطعها حدا جابرا للسرقة من حيث حق الله تعالى وحيث قلنا لا يقع الموقع لم يكن سقوطها حدا لكنه تعذر الحد لفوات محله فلا يكون سقوطها جابرا للسرقة وإن اشتركت الصورتان في عدم لزوم شيء للسارق بعد ا هـ ويوافقه قول السيد عمر ما نصه قوله وهو مشكل بما يأتي إلخ قد يقال سقوط القطع لفوات محله لا ينافي عدم وقوعه الموقع أي : عن الحد كالساقط بآفة فإنه لا يقع عن الحد ويسقط به الحد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على أي : وجه كان ) فيه أن من تلك الوجوه قطعها بالتوكيل في الاستيفاء ا هـ سم ( قول المتن ثانيا بعد قطعها ) الأولى ليحسن عطف ما بعده عليه بعد القطع ثانيا ( قوله واندمل ) إلى قوله كما يأتي في المغني إلا قوله وله شواهد إلى وحكمه وإلى قوله هذا كله في النهاية .

                                                                                                                              ( قوله واندمل القطع إلخ ) عطف على جملة سرق ثانيا ولو أخره عن قول المصنف فرجله اليسرى لكان أولى ويندفع توهم الحالية عبارة النهاية واندمال القطع إلخ قال الرشيدي قوله واندمال القطع كان ينبغي التعبير بغير هذا ؛ لأنه يوهم أنه لا تقطع رجله اليسرى إلا إن سرق بعد قطع اليمنى واندمالها بخلاف ما لو سرق بعد القطع وقبل الاندمال ا هـ وعبارة المغني فإن سرق ثانيا بعد قطعها أي : يده اليمنى فرجله اليسرى إن برئت يده اليمنى وإلا أخرت للبراءة ا هـ وهي أحسن .

                                                                                                                              ( قوله واندمل القطع الأول ) فلو والى بينهما فمات المقطوع بسبب ذلك فلا ضمان أخذا مما تقدم في الحدود ا هـ ع ش ( قوله وفارق إلخ ) عبارة المغني وإنما لم يقطع الرجل إلا بعد اندمال اليد لئلا تفضي الموالاة إلى الهلاك وخالف موالاتهما في الحرابة ؛ لأن قطعهما فيها حد واحد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لخبر الشافعي إلخ ) أي : لما رواه الشافعي بإسناده عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { في السارق إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله } ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بالأخذ ) أي : باليد والنقل أي : بالرجل ( قوله وقطع ما ذكر في الثالثة ) لعله في الثانية فتأمل ا هـرشيدي ويؤيده قول المغني وإنما قطع من خلاف لئلا يفوت جنس المنفعة عليه فتضعف حركته كما في قطع الطريق ؛ لأن السرقة مرتين تعدل الحرابة شرعا والمحارب يقطع أولا يده اليمنى ورجله اليسرى وفي الثانية يده اليسرى ورجله اليمنى ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وشبهها ) لعله أراد به ما سيأتي في قوله أو مرتبا إلخ ( قوله كذا أطلقه شيخنا هنا إلخ ) اعتمد النهاية أي : والمغني أنه لا تقطع يدان مطلقا بسرقة واحدة حتى إذا لم يمكن قطع إحداهما بدون الأخرى انتقل لما بعدهما ا هـ سم ( قوله معناه وإلا يمكن استيفاؤها بدون الزائدة ) أقول كون معناه ذلك مما لا شك فيه ولا تحتمل عبارته غيره ؛ لأنه عقب قوله فيقطعان بقوله وإن لم تتميز قطعت إحداهما وبذلك يعلم سقم النسخة الواقعة للشارح ويبقى ما إذا لم تتميز ولم يمكن استيفاء إحداهما بدون الأخرى وهو داخل في قول الشارح وإلا قطعتا ا هـ سم عبارة شرح الروض .

                                                                                                                              فرع : لو كان له كفان على معصمه قطعت الأصلية منهما إن تميزت ا هـ زاد المغني هذا ما اختاره الإمام بعد أن نقل عن الأصحاب قطعهما مطلقا والذي في التهذيب أنه إن تميزت الأصلية قطعت وإلا فإحداهما فقط ولا تقطعان بسرقة واحدة قال الرافعي وهذا أحسن وقال المصنف إنه الصحيح المنصوص وجزم به في التحقيق وصوبه في شرح المهذب وصححه ابن الصلاح وعلى ما جرى عليه المصنف لو لم يمكن قطع الأصلية إلا بالزائدة أو لم يمكن قطع إحداهما عند الاشتباه فإنه يعدل إلى الرجل ا هـ [ ص: 156 ] قوله وحينئذ ) لا حاجة إليه ( قوله ثم ) أي : في باب الوضوء ( قوله بأن يخلقا معا أو مرتبا ويستويا فيحكم إلخ ) أقول إن عدم تميز الزائدة من الأصلية صادق بعدم الزيادة أو بزيادة إحداهما ؛ لأن السلب يصدق بنفي الموضوع فلا غموض ولا إشكال ؛ لأن العلم بأصالة الاثنين أو إحداهما أمر سهل وإنما يثبت الغموض لو كان المراد أن إحداهما زائدة ولم تتميز من الأصلية وحينئذ لا يتأتى التصوير الأول الذي ذكره فتأمل ا هـ سم ( قوله فإن لم يكن ) إلى قوله كما قاله الأئمة في النهاية إلا قوله وتقطع إلى وتعرف .

                                                                                                                              ( قوله وتقطع إحدى أصليتين في سرقة والأخرى في أخرى كزائدة إلخ ) أي : ولا يعدل إلى الرجل وأورد بعضهم هاتين المسألتين على قول المصنف فإن سرق ثانيا فرجله اليسرى وأجيب عنه بأنه إنما تكلم على الخلقة المعتادة الغالبة ا هـ مغني ( قول المتن وبعد ذلك يعزر ) وفي العباب يعزر ويحبس حتى يموت وظاهر المتن أنه لا يحبس ا هـ ع ش ( قوله إذا سرق ) كان الأولى تقديره بين الواو ومدخولها حتى يظهر عطف ما بعده عليه فتأمل ( قوله أو سرق أولا ) إلى قوله أما إذا لم يكن في المغني ( قوله ولا أربع له ) أي ولا واحدة له من الأطراف الأربع ( قوله ؛ لأنه لم يرد فيه شيء ) أي والسرقة معصية فتعين التعزير ا هـ مغني ( قوله أما إذا لم يكن ) إلى قول المتن وتقطع في النهاية إلا قوله واقتصر إلى واعتبر ( قوله ما قبلها ) أي : الرجل اليمنى ويحتمل أن مرجع الضمير الموجودة . .




                                                                                                                              الخدمات العلمية