الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( والدفع عن غيره ) مما مر بأنواعه ( كهو عن نفسه ) جوازا ووجوبا ما لم يخش على نفسه ، نعم لو صال كافر على كافر لم يلزم المسلم دفعه عنه وإن لزمه دفعه عن نفسه ، ولو صيل على ما بيده كوديعة لزمه الدفع عنه ؛ لأنه التزم حفظه ، بل جزم الغزالي بوجوبه عن مال الغير مطلقا إن أمكنه من غير مشقة بدن أو خسران مال أو نقص جاه ، قال وهو أولى من وجوب رد السلام ووجوب أداء شهادة يعلمها ولو تركها ضاع المال المشهود به ، ويجاب بمنع الأولوية إذ ترك الرد والأداء يورث عادة ضغائن مع عدم المشقة فيهما بوجه بخلاف ما هنا ، ( وقيل : يجب ) الدفع عن الغير إذا كان آدميا محترما ولم يخش على نفس ( قطعا ) ؛ لأن له الإيثار بحق نفسه دون حق غيره ، واختاره جمع لخبر أحمد { : من أذل عنده مسلم فلم ينصره وهو يقدر أن ينصره أذله الله على رءوس الخلائق يوم القيامة . } ومحل الخلاف في غير النبي فيجب الدفع عنه قطعا وفي غير الإمام ونوابه ؛ لوجوب ذلك عليهم قطعا .

                                                                                                                              وبحث البلقيني عدم سقوط الوجوب [ ص: 186 ] بالخوف على نفسه في قتال الحربيين والمرتدين ، قال الإمام : ولا يختص الخلاف بالصائل ، بل من أقدم على محرم فهل للآحاد منعه حتى بالقتل ؟ قال الأصوليون : لا . وقال الفقهاء : نعم . قال الرافعي : وهو المنقول حتى قالوا لمن علم شرب خمر أو ضرب طنبور في بيت شخص : أن يهجم عليه ويزيل ذلك فإن أبوا قاتلهم ، فإن قتلهم فلا ضمان عليه ويثاب على ذلك . وظاهر أن محل ذلك ما لم يخش فتنة من وال جائر ؛ لأن التغرير بالنفس والتعرض لعقوبة ولاة الجور ممنوع

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : كهو عن نفسه ) قد يقتضي أنه يجب الدفع عن مال الغير إذا كان مرهونا أو مؤجرا كما في مال نفسه كما تقدم ، والظاهر عدم الوجوب ؛ لأنه بالنسبة لمالكه مال الغير وبالنسبة للمرتهن لا يزيد على ملكه الذي لا يجب الدفع عنه ، والمالك وجب الدفع عن مال نفسه المرهون أو المؤجر لتوجه حق الغير عليه ، وهذا لم يتوجه الحق عليه بل على مالك ذلك المال ويحتمل خلافه فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله : نعم لو صال كافر على كافر ) عبارة م ر لو صال حربي على حربي إلخ وهو أوجه ؛ لأن الأوجه وجوب دفع الكافر عن الذمي خصوصا إذا أراد قتله ؛ لأنه لا ينقص عن حمار ، والحمار يجب دفع من يريد قتله حتى مالكه م ر . ( قوله : بل جزم الغزالي بوجوبه ) كذا شرح م ر . ( قوله : بخلاف ما هنا ) هذا تحكم بل مكابرة [ ص: 186 ] واضحة



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : عن غيره مما مر إلخ ) عبارة المغني عن نفس غيره إذا كان آدميا محترما ، ولو رقيقا ا هـ . ( قول المتن : كهو عن نفسه ) قد يقتضي أنه يجب الدفع عن مال الغير إذا كانا مرهونا أو مؤجرا كما في مال نفسه كما تقدم ، والظاهر عدم الوجوب سم على حج ، وهو ظاهر إن كان المراد أنه مرهون عند غير الدافع أما إن كان مرهونا تحت يد الدافع فقد يقال : بوجوب الدفع ؛ لأنه التزم حفظه بقبضه فأشبه الوديعة الآتية ا هـ . ع ش

                                                                                                                              . ( قوله : جوازا ) إلى قوله : وظاهر في المغني إلا قوله : ويجاب إلى المتن . ( قوله : ما لم يخش إلخ ) قيد في الوجوب كما علم مما مر ا هـ . رشيدي عبارة المغني فيجب حيث يجب وينتفي حيث ينتفي ، ومحل الوجوب إذا أمن من الهلاك كما صرح به في أصل الروضة ا هـ . وقضية هذا أن جواز الدفع لا يشترط بذلك مطلقا جاز الاستسلام أم لا . ( قوله : نعم لو صال إلخ ) عبارة النهاية لو صال حربي على حربي إلخ ، وهو أوجه ؛ لأن الأوجه وجوب دفع الكافر عن الذمي خصوصا إذا أراد قتله ؛ لأنه لا ينقص عن حمار ، والحمار يجب دفع من يريد قتله حتى مالكه م ر سم على حج ، وهذا مخالف لما مر في قول الشارح : ووجوب الدفع عن الذمي إلخ إلا أن يحمل ما هنا على ما مر ا هـ . ع ش . ( قوله : كافر على كافر ) عبارة المغني شخص على غير محترم حربي ا هـ . وهي موافقة لعبارة النهاية المتقدمة بل أحسن منها . ( قوله : كوديعة إلخ ) عبارة المغني قال الغزالي : وإن كان أي : المال الذي لا روح فيه مال محجور عليه أو وقف أو مالا مودوعا وجب على من هو بيده الدفع عنه انتهى ا هـ . وكذا في الرشيدي لكنه نقله عن الأذرعي لا الغزالي . ( قوله : لزمه الدفع إلخ ) أي : إذا أمن على نحو نفسه ا هـ . رشيدي . ( قوله : بل جزم الغزالي إلخ ) ضعيف ا هـ . ع ش . ( قوله : مطلقا ) أي : سواء كان بيده كوديعة أم لا . ( قوله : ولو تركها إلخ ) جملة حالية . ( قوله : ويجاب بمنع الأولوية ) معتمد ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : بخلاف ما هنا ) هذا تحكم بل مكابرة واضحة سم على حج وذلك ؛ لأن صاحب المال إذا علم أن غيره قدر على دفع آخذه بلا مشقة بوجه يتألم بذلك أشد من تألمه بعدم رد السلام عنه ومن عدم أداء الشهادة له ؛ لإمكان الوصول إلى حقه بدون أدائه باحتمال أن من عليه الحق يقر عند عرض اليمين عليه مثلا ا هـ . ع ش ، عبارة الرشيدي فيه أن فرض كلام الغزالي أن لا مشقة ، وأما عدم الضغائن فممنوع ا هـ . ( قوله : الدفع ) إلى المتن في النهاية إلا قوله : واختاره إلى ومحل الخلاف . ( قوله " من أذل " ) ببناء المفعول . ( قوله : فيجب الدفع عنه ) أي : ولو ميتا فيمتنع من يتعرض له بالسب ا هـ . ع ش . ( قوله : لوجوب ذلك ) أي : الدفع عن الغير عليهم أي : الإمام ونوابه . ( قوله : وبحث ) إلى قوله : قال الإمام : كان الأولى ذكره قبيل قوله : نعم لو صال إلخ كما في المغني . ( قوله : وبحث البلقيني عدم سقوط الوجوب إلخ ) ضعيف ا هـ . ع ش عبارة ، وهذا البحث ظاهر إذا كان في الصف ، وكانوا مثليه فأقل ، وإلا فلا ولا يلزم العبد الدفع عن سيده عند الخوف على روحه ، بل السيد في ذلك كالأجنبي حكاه الرافعي عن الإمام ويؤخذ منه كما قال الزركشي : إنه [ ص: 186 ] لا يلزم الابن الدفع عن أبيه أيضا ولم يتعرضوا له أي : لوضوحه ا هـ . مغني . ( قوله : بالخوف على نفسه ) أي : نفس الدافع ا هـ . ع ش . ( قوله : فهل للآحاد منعه إلخ ؟ ) عبارة النهاية للآحاد منعه خلافا للأصوليين حتى لو علم شرب خمر إلخ ، وعبارة المغني ، بل من أقدم على محرم من شرب خمر أو غيره فلبعض الآحاد منعه ، ولو أتى على النفس كما قال الرافعي إنه الموجود في كتب المذهب حتى قالوا إلخ والغزالي ومن تبعه عبروا هنا بالوجوب ولا ينافيه تعبير الأصحاب بالجواز إذ ليس مرادهم أنه مخير فيه بل أنه جائز بعد امتناعه قبل ارتكاب ذلك ، وهو صادق بالوجوب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أن يهجم عليه إلخ ) أي : على متعاطيه لإزالته نهيا عن المنكر ا هـ . مغني . ( قوله : إن محل ذلك ) أي : قولهم لمن علم شرب الخمر إلخ . ( قوله : لأن التغرير بالنفس ) أي : تعريضها للهلكة ا هـ . قاموس . ( قوله : والتعرض إلخ ) عطف تفسير ا هـ . ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية