الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            أسلم مولى عمر بن الخطاب

            وممن توفي في هذه السنة من الأعيان :

            أسلم مولى عمر بن الخطاب :

            وهو أبو زيد بن أسلم ، أصله من سبي عين التمر ، اشتراه عمر بمكة لما حج سنة إحدى عشرة ، وتوفي وعمره مائة وأربع عشرة سنة ، وروى عن عمر عدة أحاديث ، وروى عن غيره من أصحابه أيضا ، وله مناقب كثيرة ، رحمه الله .

            جبير بن نفير بن مالك الحضرمي

            جبير بن نفير بن مالك الحضرمي

            له صحبة ورواية ، وكان من علماء أهل الشام ، وكان مشهورا بالعبادة والعلم ، توفي بالشام وعمره مائة وعشرون سنة ، وقيل أكثر ، وقيل أقل .

            عبد الله بن جعفر بن أبي طالب

            عبد الله بن جعفر بن أبي طالب :

            ولد بأرض الحبشة وأمه أسماء بنت عميس وهو آخر من رأى النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وفاة ، سكن المدينة ، ولما استشهد أبوه جعفر بمؤتة أتى النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمهم فقال : ائتوني ببني أخي . فأتي بهم كأنهم أفرخ ، فدعا بالحلاق فحلق رءوسهم ، ثم قال : اللهم اخلف جعفرا في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقته فجاءت أمهم فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس لهم شيء ، فقال : أنا لهم عوضا من أبيهم . وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جعفر ، و عبد الله بن الزبير ، وعمرهما سبع سنين ، وهذا لم يتفق لغيرهما .

            وكان عبد الله بن جعفر من أسخى الناس ، يعطي الجزيل الكثير ويستقله ، وقد تصدق مرة بألفي ألف ، وأعطى مرة رجلا ستين ألفا ، ومرة أعطى رجلا أربعة آلاف دينار ، وقيل : إن رجلا جلب مرة سكرا إلى المدينة فكسد عليه ، فلم يشتره أحد ، فأمر ابن جعفر قيمه أن يشتريه ، وأن يهبه للناس . وقيل : إن معاوية لما حج ونزل المدينة في دار مروان قال يوما لحاجبه : انظر هل ترى بالباب الحسن أو الحسين أو ابن جعفر أو فلانا - وعد جماعة - فخرج فلم ير أحدا ، فقيل له : هم مجتمعون عند عبد الله بن جعفر يتغدون . فأتى معاوية فأخبره فقال : ما أنا إلا كأحدهم . ثم أخذ عصا فتوكأ عليها ، ثم أتى باب ابن جعفر ، فاستأذن عليه ، ودخل فأجلسه في صدر فراشه ، فقال له معاوية : أين غداؤك يا ابن جعفر ؟ فقال : وما تشتهي من شيء فادع به . فقال معاوية : أطعمنا مخا . فقال : يا غلام هات مخا . فجاء بصحفة فأكل معاوية ، ثم قال ابن جعفر لغلامه : هات مخا . فجاء بصحفة أخرى ملآنة مخا ، إلى أن فعل ذلك ثلاث مرات ، فتعجب معاوية وقال : يا ابن جعفر ما يسعك إلا الكثير من العطاء . فلما خرج معاوية أمر له بخمسين ألف دينار . وكان ابن جعفر صديقا لمعاوية ، وكان يفد عليه كل سنة فيعطيه ألف ألف درهم ، ويقضي له مائة حاجة ، ولما حضرت معاوية الوفاة أوصى ابنه يزيد به . فلما قدم ابن جعفر على يزيد قال له : كم كان أمير المؤمنين يعطيك كل سنة ؟ قال : ألف ألف . فقال له : قد أضعفناها لك . وكان يعطيه ألفي ألف كل سنة ، فقال له عبد الله بن جعفر : بأبي أنت وأمي ، ما قلتها لأحد قبلك ، ولا أقولها لأحد بعدك . فقال يزيد : ولا أعطاكها أحد قبلي ، ولا يعطيكها أحد بعدي .

            وقيل : إنه كان عند ابن جعفر جارية تغنيه تسمى عمارة ، وكان يحبها محبة عظيمة ، فحضر عنده يزيد بن معاوية يوما ، فغنت الجارية ، فلما سمعها يزيد افتتن بها ولم يجسر على ابن جعفر أن يطلبها منه ، خوفا أن يمنعه إياها ، فلم يزل في نفس يزيد منها حتى مات أبوه معاوية ، فبعث يزيد رجلا من أهل العراق ، ودفع إليه تجارة ، وأمره أن يتلطف في أمر هذه الجارية ، فقدم الرجل المدينة ، ونزل جوار ابن جعفر ، وأهدى إليه هدايا وتحفا كثيرة ، وأنس به ، ولا زال حتى أخذ الجارية ، وأتى بها يزيد ، وكان الحسن البصري يذم عبد الله بن جعفر على سماعه الغناء واللهو ، وشرائه المولدات ، ويقول : أما يكفيه هذا الأمر القبيح الذي هو متلبس به من هذه الأشياء وغيرها ؟ حتى زوج الحجاج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان الحجاج يقول : إنما تزوجتها لأذل بها آل أبي طالب . وقيل : إنه لم يصل إليها . وقد كتب عبد الملك إليه أن يطلقها فطلقها . أسند عبد الله بن جعفر ثلاثة عشر حديثا . أبو إدريس الخولاني

            أبو إدريس الخولاني

            اسمه عائذ الله بن عبد الله ، له أحوال ومناقب ، كان يقول : قلب نقي في ثياب دنسة خير من قلب دنس في ثياب نقية . وقد تولى القضاء بدمشق ، وقد ذكرنا ترجمته في كتابنا " التكميل " .

            معبد الجهني القدري

            معبد الجهني القدري

            يقال : إنه معبد بن عبد الله بن عكيم راوي حديث لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب وقيل غير ذلك في نسبه . سمع الحديث من ابن عباس ، وابن عمر ، ومعاوية ، وعمران بن حصين ، وغيرهم ، وشهد يوم التحكيم ، وسأل أبا موسى في ذلك ، ووصاه ، ثم اجتمع بعمرو بن العاص فوصاه في ذلك ، فقال له : إيها يا تيس جهينة ، ما أنت من أهل السر ولا العلانية ، وإنه لا ينفعك الحق ولا يضرك الباطل . وهذا توسم فيه من عمرو بن العاص ; ولهذا كان هو أول من تكلم في القدر ، ويقال : إنه أخذ ذلك عن رجل من النصارى من أهل العراق يقال له : سوسن . وأخذ غيلان القدر من معبد .

            وقد كانت لمعبد عبادة ، وفيه زهادة ، ووثقه ابن معين وغيره في حديثه .

            وقال الحسن البصري : إياكم ومعبدا ; فإنه ضال مضل . وكان ممن خرج مع ابن الأشعث ، فعاقبه الحجاج عقوبة عظيمة بأنواع العذاب ، ثم قتله ، وقال سعيد بن عفير : بل صلبه عبد الملك بن مروان في سنة ثمانين بدمشق ، ثم قتله . وقال خليفة بن خياط : مات قبل التسعين . فالله أعلم . وممن توفي في هذه السنة أيضا

            وفيها توفي محمد بن علي بن أبي طالب ، وهو ابن الحنفية . وفيها توفي جنادة بن أبي أمية ، وله صحبة ، وكان على غزو البحر أيام معاوية كلها .

            وفيها مات السائب بن يزيد بن أخت النمر ، وقيل : سنة ست وثمانين ، ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفيها توفي سويد بن غفلة ، ( بفتح الغين المعجمة والفاء ) .

            خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة

            خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة ، واسمه يزيد بن مالك الجعفي :

            أدرك علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعدي بن حاتم ، والنعمان بن بشير في آخرين من الصحابة .

            وكان عالما عابدا زاهدا ، ورث مائتي ألف درهم فأنفقها على الفقهاء والقراء .

            وعن الأعمش ، قال:

            ربما دخلنا على خيثمة فيخرج العسكر من تحت السرير عليها الخبيص والفالوذج ، فيقول: ما أشتهيه ، كلوا أما إني ما جعلته إلا لكم .

            وكان موسرا ، وكان يصر الدراهم ، فإذا رأى الرجل من أصحابه متخرق القميص أو الرداء أو به خلة تحينه ، فإذا خرج من الباب خرج هو من باب آخر حتى يلقى فيقول: اشتر قميصا ، اشتر رداء ، اشتر حاجة كذا .

            وقال:

            محمد بن خالد الضبي ،

            لم نكن ندري كيف يقرأ خيثمة القرآن حتى مرض فثقل ، فجاءته امرأته فجلست بين يديه فبكت ، فقال لها: ما يبكيك؟ الموت لا بد منه ، فقالت له المرأة: الرجال بعدك علي حرام ، فقال لها خيثمة: ما كل هذا أردت منك ، إنما كنت أخاف رجلا واحدا وهو أخي محمد بن عبد الرحمن ، وهو رجل فاسق يتناول الشراب فكرهت أن يشرب في بيتي الشراب بعد أن القرآن يتلى فيه كل ثلاث .

            وعن خيثمة أنه أوصى أن يدفن في مقبرة فقراء قومه .

            عبد الله بن أبي الهذيل

            عبد الله بن أبي الهذيل ، أبو المغيرة :

            سمع من عمار ، وخباب ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة وجرير ، وابن عباس ، وابن أبزى . وأرسل الحديث عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود .

            وكان شديد الخوف من الله تعالى ، كأنه مذعور .

            وعن عبد الله بن الهذيل أنه قال:

            لقد شغلت النار من يعقل عن ذكر الجنة .

            عبيد الله بن أبي بكرة

            عبيد الله بن أبي بكرة :

            ولي سجستان أيام زياد بن أبي سفيان ، وغزا رتبيل في أيام الحجاج .

            وتوفي في هذه السنة .

            وكان جوادا ، وذكر ابن قتيبة في المعارف : أن أول من قرأ بالألحان عبيد الله بن أبي بكرة .

            قال:

            كان عبيد الله بن أبي بكرة يوما جالسا مع أصحابه ، فأتي بوصيف ووصيفة أهديا إليه ، فقال لبعض جلسائه: خذهما إليك . ثم فكر فقال: إيثار بعض الجلساء على بعض قبيح ، فقال: يا غلمان ، يضم إلى كل واحد من جلسائنا وصيف ووصيفة ، فضم إليهم ثمانين بين وصيف ووصيفة .

            أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، أن شيخا من أهل الكوفة قال:

            أملقت حتى نقضت منزلي ، فلما اشتد علي الأمر جاءتني الخادمة فقالت: والله ما لنا دقيق ولا معنا ثمنه . فقلت: أسرجي حماري ، فأسرجته ، فخرجت هاربا حتى انتهيت إلى البصرة ، فلما شارفتها فإذا أنا بالموكب مقبل ، فدخلت في جملتهم ، فرجعت الخيل تريد البصرة ، فصرت معهم حتى دخلتها ، وانتهى صاحب الموكب إلى منزله ، فنزل ، ونزل الموكب ، ونزلت معهم ، ودخلنا فإذا الدهليز مفروش والناس جلوس مع الرجل ، فدعا بغداء ، فجاءوه بأحسن غداء ، فتغديت مع الناس ، ثم دعا بالغالية فضمخنا ، ثم قال: يا غلمان ، هاتوا سفطا ، فجاء غلمانه بسفط أبيض مشدود ، ففتح فإذا فيه أكياس مشدودة ، في كل كيس ألف درهم ، فبدأ يعطي فأمرها عليهم ، ثم انتهى إلي [فأعطاني كيسا ، ثم ثنى فأعطاني آخر ، ثم ثلث] فأعطاني آخر ، فأخذت الجماعة وبقي في السفط كيس واحد ، فأخذه بيده وقال: هاك يا هذا الذي لا أعرفه ، فأخذت أربعة أكياس ، وخرجت ، فقلت لإنسان: من هذا؟ فقال: عبيد الله بن أبي بكرة .

            وبلغنا أن رجلا انقطع إلى عبيد الله بن أبي بكرة ، فألحقه بحشمه ، وكفاه مئونته ، فبطر النعمة ، فسعى به إلى عبيد الله بن زياد ، فبلغ ذلك ابن أبي بكرة ، فأطرق مفكرا ، فقيل له: فيم فكرت ؟ فقال: أخاف أن أكون قصرت في الإحسان إليه فحملته على مساوئ أخلاقه .

            معاوية بن قرة بن إياس

            معاوية بن قرة بن إياس ، يكنى أبا إياس :

            روى عن أنس ، وابن عباس وغيرهما .

            عن معاوية بن قرة ، قال :

            أدركت سبعين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لو خرجوا فيكم اليوم ما عرفوا شيئا مما أنتم عليه إلا الآذان .

            وعن عبيد الله بن ميمون ، قال: سمعت معاوية بن قرة يقول :

            إن الله يرزق العبد رزق شهر في يوم واحد ، فإن أصلحه أصلح الله على يديه ، وعاش هو وعياله بقية شهرهم في خير ، وإن هو أفسده أفسد الله تعالى عليه وعاش هو وعياله بقية شهرهم بشر .

            همام بن الحارث النخعي

            همام بن الحارث النخعي :

            روى عن عمر ، وابن مسعود ، وأبي مسعود ، وحذيفة ، وأبي الدرداء ، وعدي بن حاتم ، وجرير ، وعائشة .

            وكان الناس يتعلمون من هديه وسمته . وكان طويل السهر .

            وعن إبراهيم ، عن همام بن الحارث:

            أنه كان يدعو: اللهم اشفني من النوم بالسهر ، وارزقني سهرا في طاعتك ، وكان لا ينام من الليل إلا هنيهة وهو قاعد .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية