الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

            1137 - إسحاق بن بشر [بن محمد] بن عبد الله بن سالم ، أبو حذيفة البخاري . مولى بني هاشم .

            ولد ببلخ ، واستوطن بخارى فنسب إليها ، وهو صاحب كتاب "المبتدأ" ، وكتاب "الفتوح" .

            حدث عن ابن إسحاق ، وابن جريج ، وابن أبي عروبة ، وجويبر ، ومقاتل بن سليمان ، [ومالك] ، والثوري ، وجماعة من العلماء بأحاديث باطلة .

            وكان يروي عن أقوام قد ماتوا قبل أن يولد ، فلم يلتفت المحدثون إلى روايته .

            وتوفي في رجب هذه السنة ببخارى .

            1138 - بهيم العجلي ، يكنى أبا بكر .

            يروي عن أبي إسحاق الفزاري . كان زاهدا في الدنيا كثير التعبد ، غزير البكاء ، عليه أثر الحزن والكآبة .

            عن معاذ بن زياد قال: لما اتخذت عبادان سكنها قوم نساك فيهم ، رجل يقال له: بهيم ، وكان رجلا حزينا ، يزفر الزفرة فيسمع زفيره .

            قال محمد : وحدثني مخول قال: جاءني بهيم يوما فقال لي: تعلم رجلا من إخوانك وجيرانك يريد الحج ، ترضاه يرافقني؟ قلت: نعم ، فذهبت به إلى رجل من الحي ، له صلاح ودين ، فجمعت بينهما وتواطئا على المرافقة . ثم انطلق بهيم إلى أهله ، فلما كان بعد ، أتاني الرجل فقال: يا هذا ، أحب أن تزوي عني صاحبك ويطلب رفيقا غيري . فقلت: ويحك ، ولم؟ فو الله ما أعلم بالكوفة له نظير في حسن الخلق والاحتمال .

            ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيرا . فقال: ويحك ، حدثت أنه طويل البكاء ، ولا يكاد يفتر ، فهذا ينغص علينا العيش [في] سفرنا كله . قال: قلت: ويحك ، إنما يكون البكاء أحيانا عند التذكرة ، يرق القلب فيبكي الرجل ، أو ما تبكي أنت أحيانا؟ قال: بلى ، ولكن [قد] بلغني عنه أمر عظيم جدا من كثرة بكائه . قال: قلت: اصحبه فلعلك أن تنتفع به . قال: أستخير الله .

            فلما كان اليوم الذي أرادا أن يخرجا فيه جيء بالإبل ، ووطئ لهما ، فجلس بهيم في ظل حائط ، فوضع يده تحت لحيته ، وجعلت دموعه تسيل على خديه ، ثم على لحيته ، ثم على صدره ، حتى والله رأيت دموعه [على] الأرض . قال: يقول لي صاحبي: يا مخول ، قد ابتدأ صاحبك ، ليس هذا لي برفيق . قال: قلت: أرفق ، فلعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق . فسمعنا بهيم فقال: والله يا أخي ما هو ذاك ، ولكني ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة . قال: وعلا صوته بالنحيب . قال: يقول لي صاحبي ، والله ما هي بأول عداوتك لي وبغضك إياي ، أنا ما لي ولبهيم ، وإنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين داود الطائي وسلام أبي الأحوص ، حتى يبكي بعضهم إلى بعض ، يشفون أو يموتون جميعا قال: فلم أزل أرفق به .

            قلت: ويحك ، لعلها خير سفرة سافرتها . قال: وكان كثير الحج ، رجلا صالحا ، إلا أنه كان تاجرا موسرا مقبلا على شأنه ، ولم يكن صاحب حزن ولا بكاء . قال: فقال لي: قد وقعت مرتي هذه ، ولعلها أن تكون خيرة . قال: وكل هذا الكلام لا يعلم به بهيم ، ولو علم بشيء منه ما صحبه . قال: فخرجا جميعا حتى حجا ورجعا ، ما يدري كل واحد منهما أن له أخا غير صاحبه ، فلما جئت أسلم على جاري قال لي: جزاك الله يا أخي عني خيرا ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بكر ، كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معدم وأنا موسر ، ويتفضل علي في الخدمة وأنا شاب قوي وهو شيخ ضعيف ، ويطبخ لي وأنا مفطر وهو صائم .

            قال: فقلت [له]: كيف كان أمرك معه في الذي تكرهه من طول بكائه قال: ألفت والله ذلك البكاء وسر قلبي حتى كنت أساعده عليه حتى يتأذى بنا أهل الرفقة . قال: ثم والله ألفوا ذلك ، فجعلوا إذا سمعونا نبكي بكوا ، وجعل بعضهم يقول لبعض: ما الذي جعلهم أولى بالبكاء منا والمصير واحد .

            قال: فجعلوا والله يبكون ونبكي قال: ثم خرجت من عنده فأتيت بهيما ، فسلمت عليه وقلت: كيف رأيت صاحبك؟ قال: خير صاحب ، كثير الذكر لله عز وجل ، طويل التلاوة للقرآن ، سريع الدمعة ، محتمل لهفوات الرفيق ، جزاك الله عني خيرا .

            1139 - جارود بن يزيد أخو الضحاك النيسابوري .

            حدث عن بهز بن حكيم ، وعمر بن ذر .

            روى عنه الحسن بن عرفة ، وقد ضعفوه .

            توفي في هذه السنة .

            1140 - حجاج بن محمد أبو محمد الأعور ، مولى سليمان بن مجالد ، مولى أبي جعفر المنصور . ترمذي الأصل .

            سمع ابن جريج ، وابن أبي ذئب ، وشعبة ، وحمزة الزيات ، والليث بن سعد .

            روى عنه أحمد بن حنبل ، ويحيى ، وابن أبي خيثمة ، وكان ضابطا ثقة ، إلا أنه تغير في آخر عمره ، وكان قد تحول إلى المصيصة بولده وعياله ، فأقام بها سنين ، ثم قدم بغداد فتوفي بها .

            1141 - داود بن المحبر بن قحذم بن سليمان بن ذكوان ، أبو سليمان الطائي البصري .

            نزل بغداد ، وحدث بها عن شعبة ، وحماد بن سلمة ، وصالح المري ، ومقاتل بن سليمان ، وإسماعيل بن عياش ، وغيرهم .

            روى عنه: البرجلاني وغيره .

            كان يحيى بن معين يثني عليه ويقول: هو ثقة ، وإنما صحب قوما من المعتزلة فأفسدوه .

            وقال أحمد بن حنبل : هو شبه لا شيء وكذلك قال البخاري : هو شبه لا شيء ، لا يدري ما الحديث .

            عن محمد بن علي الصوري قال: سمعت عبد الغني بن سعيد الحافظ يقول: قال لنا أبو الحسن علي بن عمر : كتاب "العقل" وضعه أربعة ، أولهم ميسرة بن عبد ربه ، ثم سرقه منه [داود بن المحبر ، وركبه بأسانيد غير أسانيد ميسرة ، وسرقه] عبد العزيز بن أبي رجاء وركبه بأسانيد أخرى ، ثم سرقه سليمان بن عيسى السجزي فركبه بأسانيد أخرى . أو كما قال الدارقطني .

            توفي داود ببغداد في جمادى الأولى من هذه السنة .

            1142 - شبابة بن سوار ، أبو عمرو الفزاري ، مولاهم .

            أصله من خراسان ، نزل المدائن ، وحدث بها وببغداد عن شعبة ، وجرير بن عثمان ، وابن أبي ذئب ، والليث .

            وروى عنه: أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأبو خيثمة .

            واسم أبيه مروان ، وإنما غلب عليه سوار ، وكان شبابة كثير الحديث . وكان أحمد بن حنبل يحمل عليه . وكان مرجئا ، لكنه رجع عن ذلك .

            وتوفي بمكة في هذه السنة .

            1143 [ - أبو جعفر ، محمد بن جعفر المدائني .

            سمع ورقاء بن عمر ، وشعبة ، وغيرهما .

            وروى عنه أحمد بن حنبل ، وعباس الدوري في آخرين .

            وقال أحمد وأبو داود : وليس به بأس .

            وتوفي في هذه السنة] .

            1144 - يزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت ، أبو خالد السلمي .

            من أهل واسط ، ولد سنة ثماني عشرة ومائة ، وسمع يحيى بن سعيد الأنصاري ، وسليمان التميمي ، وعاصما الأحول ، وحميدا الطويل ، وخلقا كثيرا .

            وكان ثقة [ثبتا] حافظا ، حدث ببغداد فحرر مجلسه تسعين ألفا .

            قال علي بن المديني : لم أر أحفظ من يزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت .

            عن أحمد بن أبي الطيب يقول سمعت يزيد بن هارون ، وقيل له إن هارون المستملي يريد أن يدخل عليك - يعني في حديثك - فتحفظ منه ، فبينما هو كذلك إذ دخل هارون فسمع يزيد نغمته ، فقال: يا هارون ، بلغني أنك تريد أن تدخل علي في حديثي ، فاجهد جهدك لا أرعى الله عليك إن أرعيت ، أحفظ ثلاثة وعشرين ألف حديث ولا بغي ، لا أقامني الله إن كنت لا أقوم بحديثي .

            قال أبو جعفر أحمد بن سنان : ما رأيت عالما قط أحسن صلاة من يزيد بن هارون ، يقوم كأنه أسطوانة ، كان يصلي بين المغرب والعشاء ، وبين الظهر والعصر ، ولم يكن يفتر من صلاة الليل والنهار هو وهشيم جميعا معروفين بطول الصلاة بالليل والنهار .

            عن أبي جعفر محمد بن إسماعيل الصائغ يقول: قال رجل ليزيد بن هارون : كم حزبك [من الليل] ؟ قال: وأنام من الليل شيئا؟ إذا لا أنام الله عيني .

            عن أحمد بن محمد بن الأزهر قال: سمعت الحسن بن عرفة يقول: رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو من أحسن الناس عينين ، ثم رأيته بعين واحدة ، ثم رأيته وقد ذهبت عيناه ، فقلت: يا أبا خالد ، ما فعلت العينان الجميلتان؟ فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار .

            عن ابن أكثم قال: قال لنا المأمون : لولا مكان يزيد بن هارون لأظهرت أن القرآن مخلوق فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين ، ومن يزيد حتى يتقى ؟ قال: ويحك ، إني أخاف أن يرد علي ، فيختلف الناس وتكون فتنة ، وأنا أكره الفتنة .

            فقال له الرجل: فأنا أخبر لك ذلك منه ، فقال له: نعم قال: فخرج إلى واسط ، فجاء إلى يزيد بن هارون ، فدخل عليه المسجد ، وجلس إليه فقال له: يا أبا خالد ، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك إني أريد أن أظهر أن القرآن مخلوق . فقال: كذبت على أمير المؤمنين ، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه ، فإن كنت صادقا فعد غدا إلى المجلس ، فإذا اجتمع الناس فقل ، قال: فلما كان الغد اجتمع الناس فقام ، فقال: يا أبا خالد ، رضي الله عنك ، إن أمير المؤمنين يقرئك السلام ويقول لك: إني أريد أن أظهر أن القرآن مخلوق ، فما عندك في ذلك؟ قال: كذبت في ذلك على أمير المؤمنين ، أمير المؤمنين لا يحمل الناس على ما لا يعرفونه وما لم يقل له أحد قال: فقدم فقال: يا أمير المؤمنين ، كنت أنت أعلم . [قال: ] وكان من القصة كيت وكيت . فقال له: ويحك ، تلعب بك . توفي يزيد بواسط غرة ربيع الآخر من هذه السنة .

            عن أبي نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان ، فقال أحدهما: يا أبا عبد الله ، رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له: يا أبا خالد ، ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي وشفعني وعاتبني . فقلت له: غفر لك وشفعك ، قد عرفت ، ففيم عاتبك؟ قال: قال لي: [يا يزيد] ، أتحدث عن جرير بن عثمان . قال: قلت: يا رب ، ما علمت إلا خيرا . قال: يا يزيد ، إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب . قال: وقال الآخر: وأنا والله رأيت يزيد بن هارون في المنام . فقلت [له]: هل أتاك منكر ونكير . قال: إي والله ، وسألاني من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فقلت: ألمثلي يقال هذا؟ وأنا كنت أعلم الناس بهذا في الدنيا فقالا لي: صدقت ، فنم نومة العروس [لا بأس عليك] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية