الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فإن تولوا تلوين للخطاب وتوجيه له إليه صلى الله تعالى عليه وسلم تسلية له، أي فإن أعرضوا عن الإيمان بك فقل حسبي الله فإنه يكفيك معرتهم ويعينك عليهم لا إله إلا هو استئناف كالدليل لما قبله لأن المتوحد بالألوهية هو الكافي المعين عليه توكلت فلا أرجو ولا أخاف إلا منه سبحانه وهو رب العرش أي الجسم المحيط بسائر الأجسام ويسمى بفلك الأفلاك وهو محدد الجهات العظيم الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا الله تعالى وفي الخبر أن الأرض بالنسبة إلى السماء الدنيا كحلقة في فلاة وكذا السماء الدنيا بالنسبة إلى السماء التي فوقها وهكذا إلى السماء السابعة وهي بالنسبة إلى الكرسي كحلقة في فلاة وهو بالنسبة إلى العرش كذلك . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه لا يقدر قدره أحد وذكر أهل الإرصاد أن بعد مقعر الفلك الأعظم من مركز العالم ثلاثة وثلاثون ألف ألف وخمسمائة وأربعة وعشرون ألفا وستمائة وتسع فراسخ وأن بعد محدبه منه قد بلغ مرتبة لا يعلمها إلا الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وهو بكل شيء عليم وقد يفسر العرش هنا بالملك وهو أحد معانيه كما في القاموس وقرئ (العظيم) بالرفع على أنه صفة الرب وختم سبحانه هذه السورة بما ذكر لأنه تعالى ذكر فيها التكاليف الشاقة والزواجر الصعبة فأراد جل شأنه أن يسهل عليهم ذلك ويشجع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على تبليغه وقد تضمن من أوصافه صلى الله تعالى عليه وسلم الكريمة ما تضمن وقد بدأ سبحانه من ذلك بكونه من أنفسهم لأنه كالأم في هذا الباب ولا ينافي وصفه صلى الله تعالى عليه وسلم بالرأفة والرحمة بالمؤمنين تكليفه إياهم في هذه السورة بأنواع من التكاليف الشاقة لأن هذا التكليف أيضا من كمال ذلك الوصف من حيث إنه سبب للتخلص من العقاب المؤبد والفوز بالثواب المخلد ومن هذا القبيل معاملته صلى الله تعالى عليه وسلم للثلاثة الذين خلفوا كما علمت وما أحسن ما قيل:

                                                                                                                                                                                                                                      فقسا ليزدجروا ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم

                                                                                                                                                                                                                                      وهاتان الآيتان على ما روي عن أبي بن كعب آخر ما نزل من القرآن لكن روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه أنه قال: آخر آية نزلت: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وآخر سورة نزلت براءة

                                                                                                                                                                                                                                      وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما آخر آية نزلت واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله وكان بين نزولها وموته صلى الله تعالى عليه وسلم ثمانون يوما وقيل: تسع ليال وحاول بعضهم التوفيق بين الروايات في هذا الشأن بما لا يخلو عن كدر ويبعد ما روي عن أبي ما أخرجه ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا له: إنك نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا . قال: ولم سألتم هذا؟ قالوا: نطلب الأمن فأنزل الله تعالى هذه الآية لقد جاءكم إلخ والله تعالى أعلم بحقيقة الحال

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكروا لقوله سبحانه فإن تولوا الآية ما ذكروا من الخواص وقد أخرج أبو داود عن أبي الدرداء موقوفا وابن السني عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من قال حين أصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات كفاه الله تعالى ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة . وأخرج ابن النجار في تاريخه عن الحسين رضي الله تعالى عنه قال: من قال حين يصبح سبع مرات: حسبي الله لا إله إلا هو إلخ لم [ ص: 54 ] يصبه في ذلك اليوم ولا تلك الليلة كرب ولا نكب ولا غرق . وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: خرجت سرية إلى أرض الروم فسقط رجل منهم فانكسرت فخذه فلم يستطيعوا أن يحملوه فربطوا فرسه عنده ووضعوا عنده شيئا من ماء وزاد فلما ولوا أتاه آت فقال له: ما لك ههنا؟ قال: انكسرت فخذي فتركني أصحابي . فقال: ضع يدك حيث تجد الألم وقل: فإن تولوا الآية فوضع يده فقرأها فصح وركب فرسه وأدرك أصحابه وهذه الآية ورد هذا الفقير ولله الحمد منذ سنين نسأل الله تعالى أن يوفق لنا الخير ببركتها إنه خير الموفقين

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية