الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولئن أذقناه نعماء كصحة وأمن وجدة بعد ضراء مسته كسقم وخوف وعدم، وفي إسناد الإذاقة إليه تعالى دون المس إشعار بأن إذاقة النعمة مقصودة بالذات دون مس الضر بل هو مقصود بالعرض، ومن هنا قال بعضهم: إنه ينبغي أن تجعل –من- في قوله سبحانه: (منه) للتعليل أي نزعناها من أجل شؤمه وسوء صنيعه وقبح فعله ليكون منا، و (منه) مشيرا إلى هذا المعنى ومنطبقا عليه كما قال سبحانه: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ولا يخفى أن تفسير (منه) بذلك خلاف الظاهر المتبادر ولا ضرورة تدعو إليه، وإنما لم يؤت ببيان تحول النعمة إلى الشدة وبيان العكس على طرز واحد بل خولف التعبير فيهما حيث بدئ في الأول بإعطاء النعمة وإيصال الرحمة ولم يبدأ في الثاني بإيصال الضر على نمطه تنبيها على سبق الرحمة على الغضب واعتناء بشأنها، وفي التعبير عن ملابسة الرحمة والنعماء بالذوق المؤذن على ما قيل بلذتهما وكونهما مما يرغب فيه وعن ملابسة الضراء بالمس المشعر بكونها في أدنى ما يطلق عليه اسم الملاقاة من مراتبها من اللطف ما لا يخفى، ولعله يقوي عظم شأن الرحمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر البعض أن في لفظ الإذاقة والمس بناء على أن الذوق ما يختبر به الطعوم، والمس أول الوصول تنبيها على أن ما يجد الإنسان في الدنيا من المنح والمحن نموذج لما يجده في الآخرة، وأنه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء ليقولن ذهب السيئات عني أي المصائب التي تسوؤني ولن يعتريني بعد أمثالها إنه لفرح [ ص: 16 ] بطر بالنعمة مغتر بها، وأصله فارح إلا أنه حول لما ترى للمبالغة، وفي البحر أن فعلا بكسر العين هو قياس اسم الفاعل من فعل اللازم، وقرئ (فرح) بضم الراء كما تقول: ندس، ونطس، وأكثر ما ورد الفرح في القرآن للذم، فإذا قصد المدح قيد كقوله سبحانه: فرحين بما آتاهم الله من فضله ، فخور متعاظم على الناس بما أوتي من النعم مشغول بذلك عن القيام بحقها، واللام في (لئن) في الآيات الأربع موطئة للقسم وجوابه ساد مسد جواب الشرط كما في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها وأمكنني منها إذن لا أقيلها

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية