الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الحق من ربك استئناف كلام قصد به رد الكاتمين، وتحقيق أمر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ولذا فصل، و الحق إما مبتدأ خبره الجار، واللام إما للعهد إشارة إلى ما جاء به النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، ولذا ذكر بلفظ المظهر، أو الحق الذي كتمه هؤلاء ووضع فيه المظهر موضع المضمر؛ تقريرا لحقيته وتثبيتا لها، أو للجنس، وهو يفيد قصر جنس ( الحق ) على ما ثبت من الله؛ أي أن ( الحق ) ذلك كالذي أنت عليه لا غيره كالذي عليه أهل الكتاب، وإما خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو الحق، أو هذا الحق، و من ربك خبر بعد خبر أو حال مؤكدة، واللام حينئذ للجنس، كما في ذلك الكتاب ومعناه أن ما يكتمونه هو الحق لا ما يدعونه ويزعمونه، ولا معنى حينئذ للعهد؛ لأدائه إلى التكرار، فيحتاج [ ص: 14 ] إلى تكلف. وقرأ الإمام علي - كرم الله تعالى وجهه - الحق بالنصب على أنه مفعول يعلمون أو بدل، و من ربك حال منه، وبه يحصل مغايرته للأول وإن اتحد لفظهما، وجوز النصب بفعل مقدر ( كالزم ) وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة من إظهار اللطف به - صلى الله تعالى عليه وسلم - ما لا يخفى . فلا تكونن من الممترين 147 أي: الشاكين أو المترددين في كتمانهم الحق عالمين به، أو في أنه من ربك ، وليس المراد نهي الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - عن ذلك؛ لأن النهي عن شيء يقتضي وقوعه أو ترقبه من المنهي عنه، وذلك غير متوقع من ساحة حضرة الرسالة - صلى الله تعالى عليه وسلم -، فلا فائدة في نهيه؛ ولأن المكلف به يجب أن يكون اختياريا، وليس الشك والتردد مما يحصل بقصد واختيار، بل المراد إما تحقيق الأمر، وأنه بحيث لا يشك فيه أحد كائنا من كان، أو الأمر للأمة بتحصيل المعارف المزيلة لما نهى عنه، فيجعل النهي مجازا عن ذلك الأمر، وفي جعل امتراء الأمة امتراءه – صلى الله تعالى عليه وسلم - مبالغة لا تخفى، ولك أن تقول : إن الشك ونحوه وإن لم يكن مقدور التحصيل، لكنه مقدور لإزالة البقاء، ولعل النهي عنه بهذا الاعتبار، ولهذا قال الله تعالى : فلا تكونن من الممترين دون فلا تمتر، ومن ظن أن منشأ الإشكال إفحام الكون؛ لأنه هو الذي ليس مقدورا، فلا ينهى عنه دون الشك والتردد لم يأت بشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية