الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقد مكر الكفار الذين خلوا من قبلهم من قبل كفار مكة بأنبيائهم وبالمؤمنين كما فعل هؤلاء وهذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا عبرة بمكرهم ولا تأثير بل لا وجود له في الحقيقة ولم يصرح سبحانه بذلك اكتفاء بدلالة القصر المستفاد من تعليله أعني قوله تعالى : فلله المكر أي جنس المكر جميعا لا وجود لمكرهم أصلا إذ هو عبارة عن إيصال المكروه إلى الغير من حيث لا يشعر به وحيث كان جميع ما يأتون ويذرون بعلمه وقدرته سبحانه وإنما لهم مجرد الكسب من غير فعل ولا تأثير حسبما يبينه قوله تعالى : يعلم ما تكسب كل نفس ومن قضيته عصمة أوليائه سبحانه وعقاب الماكرين بهم توفية لكل نفس جزاء ما كسبت ظهر أن ليس لمكرهم بالنسبة إلى من مكروا بهم عين ولا أثر وإن المكر كله لله تعالى حيث يؤاخذهم بما كسبوا من فنون المعاصي التي من جملتها مكرهم من حيث لا يحتسبون كذا قاله شيخ الإسلام وقد تكلف قدس سره في ذلك ما تكلف وحمل الكسب على ما هو الشائع عند الأشاعرة والله تعالى لا يفرق بينه وبين الفعل وكذا رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم والصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعون واللغويون وقيل : وجه الحصر أنه لا يعتد بمكر غيره سبحانه لأنه سبحانه هو القادر بالذات على إصابة المكروه المقصود منه وغيره تعالى إن قدر على ذلك فبتمكينه تعالى وإذنه فالكل راجع إليه جل وعلا وفي الكشاف أن قوله تعالى : يعلم ما تكسب كل نفس .. إلخ تفسير لقوله سبحانه : فلله المكر جميعا لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها فهو له المكر لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة مما يراد بهم وقيل : الكلام على حذف مضاف أي فلله جزاء المكر وجوز في أل أن تكون للعهد أي له [ ص: 175 ] تعالى المكر الذي باشروه جميعا لا لهم على معنى أن ذلك ليس مكرا منهم بالأنبياء بل هو بعينه مكر من الله تعالى بهم وهم لا يشعرون حيث لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله وسيعلم الكفار حين يأتيهم العذاب لمن عقبى الدار . (42) . أي العاقبة الحميدة في الفريقين وإن جهل ذلك قبل وقيل : السين لتأكيد وقوع ذلك وعلمه به حينئذ والمراد من الكافر الجنس فيشمل سائر الكفار وهذه قراءة الحرميين وأبي عمرو وقرأ باقي السبعة ( وسيعلم الكفار ) بصيغة جمع التكسير .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن مسعود ( الكافرون ) بصيغة جمع السلامة وقرأ أبي ( الذين كفروا ) وقرأ ( الكفر ) أي أهله وقرأ جناح بن حبيس ( وسيعلم ) بالبناء للمفعول من أعلم أي سيخبر واللام للنفع وجوز أن تكون للملك على معنى سيعلم الكفرة من يملك الدنيا آخرا وفسر عطاء الكافر بالمستهزئين وهم خمسة والمقسمين وهم ثمانية وعشرون وقال ابن عباس : يريد بالكافر أبا جهل وما تقدم هو الظاهر ولعل ما ذكر من باب التمثيل

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية