الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا وهو متضمن للإنكار على عدم وقوع الصبر منه عليه السلام فأدركه عند ذلك الحلم قال لا تؤاخذني بما نسيت اعتذار بنسيان الوصية على أبلغ وجه، كأن نسيانه أمر محقق عند الخضر عليه السلام لا يحتاج أن يفيده إياه استقلالا وإنما يلتمس منه ترك المؤاخذة به، فما مصدرية والباء صلة المؤاخذة؛ أي: لا تؤاخذ بنسياني وصيتك في ترك السؤال عن شيء حتى تحدث لي منه ذكرا، والتمس ترك المؤاخذة بالنسيان لأن الكامل قد يؤاخذ به وهي مؤاخذة بقلة التحفظ التي أدت إليه كما وقعت لأول ناس وهو أول الناس وإلا فالمؤاخذة به نفسه لا تصح لأنه غير مقدور، وقيل: الباء للسببية وهي متعلقة بالفعل، والنسيان وإن لم يكن سببا قريبا للمؤاخذة بل السبب القريب لها هو ترك العمل بالوصية لكنه سبب بعيد لأنه لولاه لم يكن الترك، وجوز أن تكون متعلقة بمعنى [ ص: 338 ] النهي كما قيل في: بنعمة ربك من قوله تعالى: ما أنت بنعمة ربك بمجنون إنه متعلق بمعنى النفي فيكون النسيان سببا للنهي عن المؤاخذة بترك العمل بالوصية، وزعم بعضهم تعين كونها للملابسة ويجوز في «ما» أن تكون موصولة وأن تكون موصوفة؛ أي: لا تؤاخذني بالذي أو بشيء نسيته وهو الوصية لكن يحتاج هذا ظاهرا إلى تقدير مضاف؛ أي: بترك ما نسيته لأن المؤاخذة بترك الوصية؛ أي: ترك العمل بها لا بنفس الوصية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: قد لا يحتاج إلى تقدير المضاف فإن الوصية سبب للمؤاخذة؛ إذ لولاها لم يكن ترك العمل ولا المؤاخذة، ونظير ذلك ما قيل في قوله تعالى: ففسق عن أمر ربه ثم كون ما ذكر اعتذارا بنسيان الوصية هو الظاهر وقد صح في البخاري أن المرة الأولى كانت نسيانا.

                                                                                                                                                                                                                                      وزعم بعضهم أنه يحتمل أنه عليه السلام لم ينس الوصية وإنما نهى عن مؤاخذته بالنسيان موهما أن ما صدر منه كان عن نسيانها مع أنه إنما عنى نسيان شيء آخر، وهذا من معاريض الكلام التي يتقى بها الكذب مع التوسل إلى الغرض كقول إبراهيم عليه السلام: هذه أختي، وإني سقيم، وروى هذا ابن جرير عن أبي بن كعب وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يكون النسيان مجازا عن الترك؛ أي: لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة ولا ترهقني لا تغشني ولا تحملني من أمري وهو اتباعه إياه عسرا أي: صعوبة وهو مفعول ثان لترهقني، والمراد: لا تعسر علي متابعتك ويسرها علي بالإغضاء وترك المناقشة، وقرأ أبو جعفر: «عسرا» بضمتين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية