الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين نوع تفصيل لما أجمل في قوله تعالى : وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم إلى قوله سبحانه : وأهلكنا المسرفين [الأنبياء : 7 . 9] وإشارة إلى كيفية إنجائهم وإهلاك أعدائهم ، وتصديره بالتوكيد القسمي لإظهار كمال الاعتناء بمضمونه ، والمراد بالفرقان التوراة وكذا بالضياء والذكر ، والعطف كما في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم



                                                                                                                                                                                                                                      ونقل الطيبي أنه أدخل الواو على ضياء وإن كان صفة في المعنى دون اللفظ كما يدخل على الصفة التي هي صفة لفظا كقوله تعالى : إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض [الأنفال : 49 ، الأحزاب : 12] وقال سيبويه : إذا قلت مررت بزيد وصاحبك جاز وإن قلت مررت بزيد فصاحبك بالفاء لم يجز كما جاز بالواو لأن الفاء تقتضي التعقب وتأخير الاسم عن المعطوف عليه بخلاف الواو ، وأما قول القائل :


                                                                                                                                                                                                                                      يا لهف زيابة للحارث الصا     بح فالغانم فالآيب



                                                                                                                                                                                                                                      فإنما ذكر بالفاء وجاد لأنه ليس بصفة على ذلك الحد لأن أل بمعنى الذي أي فالذي صبح فالذي غنم فالذي آب ، وأبو الحسن يجيز المسألة بالفاء كما يجيزها بالواو انتهى ، والمعنى وبالله لقد آتيناهما كتابا جامعا بين كونه فارقا بين الحق والباطل وضياء يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية وذكرا يتعظ به الناس ويتذكرون ، وتخصيص المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به أو ذكر ما يحتاجون به من الشرائع والأحكام أو شرف لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : الفرقان النصر كما في قوله تعالى : يوم الفرقان [الأنفال : 41] وأطلق عليه لفرقه بين الولي والعدو وجاء ذلك في رواية عن ابن عباس ، والضياء حينئذ إما التوراة أو الشريعة أو اليد البيضاء . والذكر بأحد المعاني المذكورة .

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الضحاك أن الفرقان فلق البحر والفرق والفلق أخوان ، وإلى الأول ذهب مجاهد وقتادة وهو اللائق بمساق النظم الكريم فإنه لتحقيق أمر القرآن المشارك لسائر الكتب الإلهية لا سيما التوراة فيما ذكر من الصفات ولأن فلق البحر هو الذي اقترح الكفرة مثله بقولهم : فليأتنا بآية كما أرسل الأولون [الأنبياء : 5] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس وعكرمة والضحاك (ضياء ) بغير واو على أنه حال من (الفرقان ) وهذه القراءة تؤيد أيضا التفسير الأول ،

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية