الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقال الذين كفروا يقتضي الحمل على المؤمنين ويهدي إلى صراط العزيز الذي يقهر ولا يقهر الحميد المحمود في جميع شؤونه عز وجل، والمراد بصراطه تعالى التوحيد والتقوى، وفاعل يهدي إما ضمير الذي أنزل أو ضمير الله تعالى ففي العزيز الحميد التفات، والجملة على الأول إما مستأنفة أو في موضع الحال من ( الذي ) على إضمار مبتدأ، أي وهو يهدي كما في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      نجوت وأرهنهم مالكا



                                                                                                                                                                                                                                      أو معطوفة على ( الحق ) بتقدير وإنه يهدي وجوز أن يكون يهدي [ ص: 109 ] معطوفا على ( الحق ) عطف الفعل على الاسم لأنه في تأويله كما في قوله تعالى: صافات ويقبضن [الملك: 19] أي قابضات وبعكسه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      وألفيته يوما يبير عدوه     وبحر عطاء يستحق المعابرا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الذين كفروا هم كفار قريش قالوا مخاطبا بعضهم لبعض على جهة التعجب والاستهزاء هل ندلكم على رجل يعنون به النبي صلى الله عليه وسلم، والتعبير عنه عليه الصلاة والسلام بذلك من باب التجاهل كأنهم لم يعرفوا منه صلى الله عليه وسلم إلا أنه رجل وهو عليه الصلاة والسلام عندهم أظهر من الشمس:


                                                                                                                                                                                                                                      وليس قولك من هذا بضائره     العرب تعرف من أنكرت والعجم



                                                                                                                                                                                                                                      ينبئكم يحدثكم بأمر مستغرب عجيب. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما «ينبيكم» بإبدال الهمزة ياء محضة وحكي عنه «ينبئكم» بالهمز من أنبأ إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد إذا شرطية وجوابها محذوف لدلالة ما بعده عليه أي تبعثون أو تحشرون وهو العامل في إذا على قول الجمهور، والجملة الشرطية بتمامها معمولة لينبئكم لأنه في معنى يقول لكم إذا مزقتم كل ممزق: تبعثون ثم أكد ذلك بقوله تعالى: إنكم لفي خلق جديد وجوز أن يكون إنكم لفي خلق جديد معمولا لينبئكم وهو معلق ولولا اللام في خبر إن لكانت مفتوحة والجملة سدت مسد المفعولين والشرطية على هذا اعتراض، وقد منع قوم التعليق في باب أعلم والصحيح جوازه وعليه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      حذار فقد نبئت أنك للذي     ستجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى



                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن تكون إذا لمحض الظرفية فعاملها الذي دل عليه ما بعد يقدر مقدما أي تبعثون أو تحشرون إذا مزقتم، ولا يجوز أن يكون العامل ندلكم أو ينبئكم لعدم المقارنة ولا مزقتم لأن إذا مضافة إليه والمضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا خلق ولا جديد لأن إن لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزجاج : إذا في موضع النصب ب مزقتم وهي بمنزلة من الشرطية يعمل فيها الذي يليها، وقال السجاوندي: العامل محذوف وما بعدها إنما يعمل فيها إذا كان مجزوما بها وهو مخصوص بالضرورة نحو:


                                                                                                                                                                                                                                      وإذا تصبك خصاصة فتجمل



                                                                                                                                                                                                                                      فلا يخرج عليه القرآن فإذا لم تجزم كانت مضافة إلى ما بعدها والمضاف إليه لا يعمل في المضاف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو حيان : الصحيح أن العامل فيها فعل الشرط كسائر أدوات الشرط، وتمام الكلام على ذلك في كتب النحو، و ممزق مصدر جاء على زنة اسم المفعول كمسرح في قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      ألم تعلم مسرحي القوافي     فلا عيا بهن ولا اجتلابا



                                                                                                                                                                                                                                      وتمزيق الشيء تخريقه وجعله قطعا قطعا، ومنه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      إذا كنت مأكولا فكن خير آكل     وإلا فأدركني ولما أمزق



                                                                                                                                                                                                                                      والمراد إذا متم وفرقت أجسادكم كل تفريق بحيث صرتم رفاتا وترابا.

                                                                                                                                                                                                                                      ونصب ( كل ) على المصدرية، وجوز أن يكون اسم مكان فنصب ( كل ) على الظرفية لأن لها حكم ما تضاف إليه، أي إذا فرقت أجسادكم في كل مكان من القبور وبطون الطير والسباع وما ذهبت به السيول كل مذهب وما نسفته الرياح فطرحته [ ص: 110 ] كل مطرح.

                                                                                                                                                                                                                                      وجديد فعيل بمعنى فاعل عند البصريين من جد الشيء إذا صار جديدا، وبمعنى مفعول عند الكوفيين من جده إذا قطعه، ثم شاع في كل جديد، وإن لم يكن مقطوعا كالبناء، والسبب في الخلاف أنهم رأوا العرب لا يؤنثونه ويقولون ملحفة جديد لا جديدة فذهب الكوفيون إلى أنه بمعنى مفعول والبصريون إلى خلافه، وقالوا ترك التأنيث لتأويله بشيء جديد أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول، كذا قيل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية