الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن ينصركم الله فلا غالب لكم جملة مستأنفة سيقت بطريق تلوين الخطاب تشريفا للمؤمنين لإيجاب التوكل عليه والترغيب في طاعته التي يستحق بها النصرة ، والتحذير عن معصيته التي يستحق بها الخذلان ، أي إن يرد نصركم كما أراده يوم بدر فلا أحد يغلبكم على طريق نفي الجنس المنتظم بجميع أفراد الغالب ذاتا وصفة ، فهو أبلغ من لا يغلبكم أحد ؛ لدلالته على نفي الصفة فقط .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم المفهوم من ظاهر النظم الكريم كما قال شيخ الإسلام ، وإن كان نفي مغلوبيتهم من غير تعرض لنفي المساواة أيضا وهو الذي يقتضيه المقام ، لكن المفهوم منه فهما قطعيا هو نفي المساواة وإثبات الغالبية للمخاطبين ، فإذا قلت : لا أكرم من فلان ولا أفضل منه ، فالمفهوم منه حتما أنه أكرم من كل كريم وأفضل من كل فاضل ، وهذا أمر مطرد في جميع اللغات ، ولا اختصاص بالنفي الصريح بل هو مطرد فيما ورد على طريق الاستفهام الإنكاري كما في قوله تعالى : ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) في مواقع كثيرة من التنزيل ، وقد أشرنا إلى هذا المبحث فيما تقدم . وإن يخذلكم أي وإن يرد خذلانكم ويمنعكم معونته كما فعل يوم أحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ ( يخذلكم ) من أخذله إذا جعله مخذولا . فمن ذا الذي ينصركم استفهام إنكاري مفيد لانتفاء الناصر على نحو انتفاء الغالب ، وقيل : وجاء جواب الشرط في الأول صريح النفي ، ولم يجئ في الثاني كذلك تلطفا بالمؤمنين حيث صرح لهم بعدم الغلبة ، ولم يصرح بأنه لا ناصر لهم ، وإن كان الكلام مفيدا له . من بعده أي من بعد خذلانه أو من بعد الله تعالى على معنى إذا جاوزتموه فعلى الأول – بعد - ظرف زمان وهو الأصل فيها ، وعلى الثاني مستعار للمكان وعلى الله لا على غيره كما يؤذن بذلك تقديم المعمول .

                                                                                                                                                                                                                                      فليتوكل المؤمنون (160) المراد بهم إما جنس المؤمنين ، والمخاطبون داخلون فيه دخولا أوليا ، وإما المخاطبون خاصة بطريق الالتفات ، وعلى التقديرين لا يخفى ما في ذلك من تشريف المخاطبين مع الإيماء إلى تعليل تحتم التوكل عليه تعالى ، والفاء كما قالوا : لترتيب ما بعدها أو الأمر به على ما مر من غلبة المؤمنين ومغلوبيتهم على تقدير نصر الله تعالى لهم وخذلانه إياهم ، فإن العلم بذلك مما يستدعي قصر التوكل عليه سبحانه لا محالة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية