الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إنما ذلكم الإشارة إلى المثبط بالذات أو بالواسطة ، والخطاب للمؤمنين وهو مبتدأ ، وقوله : الشيطان بمعنى إبليس لأنه علم له بالغلبة خبره على التشبيه البليغ ، وقوله تعالى : يخوف أولياءه جملة مستأنفة مبينة لشيطنته ، أو حال كما في قوله تعالى : فتلك بيوتهم خاوية .

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون الشيطان صفة لاسم الإشارة على التشبيه أيضا ، ويحتمل أن يكون مجازا حيث جعله هو ويخوف هو الخبر ، وجوز أن يكون ذا إشارة إلى قول المثبط فلا بد حينئذ من تقدير مضاف أي قول الشيطان ، والمراد به إبليس أيضا ، ولا تجوز فيه على الصحيح ، وإنما التجوز في الإضافة إليه ؛ لأنه لما كان القول بوسوسته وسببه جعل كأنه قوله ، والمستكن في (يخوف) إما للمقدر وإما للشيطان بحذف الراجع إلى المقدر أي يخوف به ، والمراد بأوليائه إما أبو سفيان وأصحابه ، فالمفعول الأول ليخوف محذوف أي يخوفكم أولياءه بأن يعظمهم في قلوبكم ، ونظير ذلك قوله تعالى : لينذر بأسا شديدا وبذكر هذا المفعول قرأ ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ بعضهم يخوفكم بأوليائه ، وعلى هذا المعنى أكثر المفسرين ، وإليه ذهب الزجاج وأبو علي الفارسي وغيرهما ، ويؤيده قوله تعالى : فلا تخافوهم أي فلا تخافوا أولياءه الذين خوفكم إياهم وخافون في مخالفة أمري ، وإما المتخلفون عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، فأولياءه هو المفعول الأول ، والمفعول الثاني إما متروك أو محذوف للعلم به أي يوقعهم في الخوف ، أو يخوفهم من أبي سفيان وأصحابه ، وعلى هذا لا يصح عود ضمير تخافوهم إلى الأولياء بل هو راجع إلى الناس . الثاني كضمير –اخشوهم - فهو رد له أي فلا تخافوا الناس وتقعدوا عن القتال وتجبنوا وخافون فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى امتثال ما يأمركم به ، وإلى هذا الوجه ذهب الحسن والسدي ، وادعى الطيبي أن النظم يساعد عليه ، والخطاب حينئذ لفريقي الخارجين [ ص: 130 ] والمتخلفين ، والقصد التعريض بالطائفة الأخيرة ، وقيل : الخطاب لها ، و أولياءه إذ ذاك من وضع الظاهر موضع المضمر نعيا عليهم بأنهم أولياء الشيطان ، واستظهر بعضهم هذا القيل مطلقا معللا له بأن الخارجين لم يخافوا إلا الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقالوا حسبنا الله وأنت تعلم أن قيام احتمال التعريض يمرض هذا التعليل ، والفاء لترتيب النهي أو الانتهاء على ما قبلها ، فإن كون المخوف شيطانا أو قولا له مما يوجب عدم الخوف والنهي عنه ، وأثبت أبو عمرو ياء (وخافون) وصلا ، وحذفها وقفا ، والباقون يحذفونها مطلقا وهي ضمير المفعول .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : إن كنتم مؤمنين (175) إن كان الخطاب للمتخلفين فالأمر فيه واضح ، وإن كان للخارجين كان مساقا للإلهاب والتهييج لهم لتحقق إيمانهم ، وإن كان للجميع ففيه تغليب ، وأيا ما كان فالجزاء محذوف ، وقيل : إن كان الخطاب فيما تقدم للمؤمنين الخلص لم يفتقر إلى الجزاء لكونه في معنى التعليل ، وإن كان للآخرين افتقر إليه ، وكأن المعنى إن كنتم مؤمنين فخافوني وجاهدوا مع رسولي ؛ لأن الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله تعالى على خوف الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية