الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا عطف على نظيره السابق وقوله تعالى مما خطيئاتهم إلخ اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام للإيذان من أول الأمر بأن ما أصابهم من الإغراق والإحراق لم يصبهم إلا لأجل خطيئاتهم التي عدها نوح عليه السلام وأشار إلى استحقاقهم للهلاك لأجلها لا أنه حكاية لنفس الإغراق والإحراق على طريقة حكاية ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الأحوال والأقوال وإلا لأخر عن حكاية دعائه هذا قاله مفتي الديار الرومية عليه الرحمة . .

                                                                                                                                                                                                                                      وما قيل إنه عطف على لم يجدوا أو على جملة مما خطيئاتهم إلخ وليس المراد حقيقة الدعاء بل التشفي وإظهار الرضا بما كان من هلاكهم بعيد غاية البعد والمعروف أن هذا الدعاء كان قبل هلاكهم والديار من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي العام يقال: ما بالدار ديار أو ديور كقيام وقيوم أي ما بها أحد وهو فيعال من الدار أو من الدور كأنه قيل لا تذر على الأرض من الكافرين من يسكن دارا أو لا تذر عليها منهم من يدور ويتحرك وأصله ديوار اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وليس بفعال وإلا لكان دوارا إذ لا داعي للقلب حينئذ ( ومن الكافرين ) حال منه ولو أخر كان صفة له والمراد بالكافرين قومه الذين دعاهم إلى الإيمان والطاعة فلم يجيبوا فإن [ ص: 80 ] كان الناس منتشرين في مشارق الأرض ومغاربها نحو انتشارهم اليوم وكانت بعثته لبعض منهم كسكان جزيرة العرب ومن يقرب منهم فذاك وإن كانوا غير منتشرين كذلك بل كانوا في الجزيرة وقريبا منها فإن كانت البعثة لبعضهم أيضا فكذلك وإن كانت لكلهم فقد استشكل بأنه يلزم عموم البعثة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قالوا بأنه مخصوص بنبينا صلى الله عليه وسلم وأجيب بأن ذلك العموم ليس كعموم بعثته صلى الله عليه وسلم بل لانحصار أهل الأرض في قطعة منها فهو انحصار ضروري وليس عموما من كل وجه، وهذا نحو ما يقال في بعثة آدم عليه السلام إلى زوجته وأولاده فإنهم حينئذ ليسوا إلا كأهل بيت واحد على أنه قيل لا إشكال ولو قلنا بانتشار الناس إذ ذاك كانتشارهم اليوم وإرساله إليهم جميعا لأن العموم المخصوص بنبينا عليه الصلاة والسلام هو العموم المندرج فيه الإنس والجن إلى يوم القيامة بل الملائكة عليهم السلام بل وبل والمشهور أنه عليه السلام كان مبعوثا لجميع أهل الأرض وأنه ما آمن منهم إلا قليل واستدل عليه بهذا الدعاء وعموم الطوفان وتعقب بأن الأرض كثيرا ما تطلق على قطعة منها فيحتمل أن تكون هنا كذلك سلمنا إرادة الجميع لكن الدعاء على الكافرين وهم من بعث إليهم فدعاهم ولم يجيبوه وكونهم من عدا أهل السفينة أول المسألة والطوفان لا نسلم عمومه وإن سلم لا يقتضي أن يكون كل من غرق به مكلفا بالإيمان به عليه السلام عاصيا بتركه، فالبلاء قد يعم الصالح والطالح لكن يصدرون مصادر شتى كما ورد في حديث خسف البيداء ويرشد إلى هذا أن أولادهم قد أغرقوا على ما قيل معهم . .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد سئل الحسن عن ذلك فقال: علم الله تعالى براءتهم فأهلكهم بغير عذاب . نعم الحكمة في إهلاك هؤلاء زيادة عذاب في آبائهم وأمهاتهم إذا أبصروا أطفالهم يغرقون وزعم بعضهم أن الله تعالى أعقم أرحام نسائهم وأيبس أصلاب رجالهم قبل الطوفان بأربعين أو سبعين سنة فلم يكن معهم صبي حين أغرقوا ويحتاج إلى نقل صحيح وحكم الله عز وجل لا تحصى فافهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية