الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يسألونك عن الساعة أيان مرساها أي: متى إرساؤها؛ أي إقامتها يريدون متى يقيمها الله تعالى ويكونها ويثبتها، فالمرسى مصدر ميمي من سار بمعنى ثبت ومنه الجبال الرواسي، وحاصل الجملة الاستفهامية السؤال عن زمان ثبوتها ووجودها، وجوز أن يكون المرسى بمعنى المنتهى؛ أي: متى منتهاها ومستقرها كما أن مرسى السفينة تنتهي إليه وتستقر فيه كذا قيل. وتقدير الاستفهام بمتى يقتضي أن المرسى اسم زمان، وقوله: كما أن... إلخ ظاهر في أنه اسم مكان، ولذا قيل: الكلام على الاستعارة يجعل اليوم المتباعد فيه كشخص سائر لا يدرك ويوصل إليه ما لم يستقر في مكان فجعل الظاهر على ما قيل، وقوله تعالى: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها إما تقرير وتأكيد لما ينبئ عنه الإنذار من سرعة مجيء المنذر به لا سيما على الوجه الثاني، والمعنى: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الإنذار إلا قليلا، وإما رد لما أدمجوه في سؤالهم؛ فإنهم كانوا يسألون عنها بطريق الاستبطاء مستعجلين بها وإن كان على نهج الاستهزاء بها ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) والمعنى كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا بعد الوعيد بها إلا عشية إلخ. وهذا الكلام على ما نقل عن الزمخشري له أصل وهو لم يلبثوا إلا ساعة من نهار عشيته أو ضحاه، فوضع هذا المختصر موضعه، وإنما أفادت الإضافة ذلك كما في الكشف من حيث إنك إذا قلت: «لم يلبثوا إلا عشية أو ضحى» احتمل أن تكون العشية من يوم والضحى من آخر؛ فيتوهم الاستمرار من ذلك الزمان إلى مثله من اليوم الآخر، أما إذا قلت عشيته أو ضحاه لم يحتمل ذلك البتة وفي قولك: ضحى تلك العشية ما يغني عن قولك: عشية ذلك النهار أو ضحاه. وقال الطيبي: إنه من المحتمل أن يراد بالعشية أو الضحى كل اليوم مجازا، فلما أضيف أفاد التأكيد ونفي ذلك الاحتمال وجعله من باب: رأيته بعيني وهو حسن ولكن السابق أبعد من التكلف ولا منع من الجمع، وزاد الإضافة حسنا كون الكلمة فاصلة، واعتبر جمع كون اللبث في الدنيا وبعضهم كونه في القبور، وجوز كونه فيهما واختار في الإرشاد ما قدمنا وقال: إن الذي يقتضيه المقام اعتبار كونه بعد الإنذار أو بعد الوعيد تحقيقا للإنذار وردا لاستبطائهم، والجملة على الوجه الأول حال من الموصول كأنه قيل: تنذرهم مشبهين يوم يرونها في الاعتقاد بمن لم يلبث بعد الإنذار بها إلا تلك المدة اليسيرة، وعلى الثاني مستأنفة لا محل لها من الإعراب، هذا ولا يخفى عليك أن الوجه الثاني وإن كان حسنا في نفسه لكنه مما لا يتبادر إلى الفهم وعليه يحسن الوقف على.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية