الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى منصوب على الاستثناء المنقطع من نعمة؛ لأن الابتغاء لا يندرج فيها فالمعنى: لكنه فعل ذلك لابتغاء وجه ربه سبحانه وطلب رضاه عز وجل لا لمكافأة نعمة. وقرأ يحيى بن وثاب: «ابتغاء» بالرفع على البدل من محل «من نعمة» فإنه الرفع إما على الفاعلية أو على الابتداء ومن مزيدة والرفع في مثل ذلك لغة تميم وعليها قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس



                                                                                                                                                                                                                                      وروي بالرفع والنصب على ما في البحر قول بشر بن أبي حازم:


                                                                                                                                                                                                                                      أضحت خلاء قفارا لا أنيس بها     إلا الجآذر والظلمان تختلف



                                                                                                                                                                                                                                      وجوز أن يكون نصبه على أنه مفعول له على المعنى؛ لأن معنى الكلام لا يؤتي ما له لأجل شيء من الأشياء إلا لأجل طلب رضا ربه عز وجل لا لمكافأة نعمة فهو استثناء مفرغ من أعم العلل والأسباب، وإنما أول لأن الكلام أعني يؤتي ماله موجب، والاستثناء المفرغ يختص بالنفي عند الجمهور لكنه لما عقب بقوله تعالى: وما لأحد وقد قال سبحانه: أولا يتزكى؟ متضمنا نفي الرياء والسمعة دل على المعنى المذكور. وقرأ ابن أبي عبلة: «إلا ابتغا» مقصور وفيه احتمال النصب والرفع. وهذه الآيات على ما سمعت نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه لما أنه كان يعتق رقابا ضعافا فقال له أبوه ما قال وأجابه هو بما أجاب، وقد أوضحت ما أبهمه رضي الله تعالى عنه في قوله فيه: إنما أريد ما أريد. وفي رواية ابن جرير وابن عساكر أنه قال: أي أبه، إنما أريد ما عند الله تعالى. وفي رواية عطاء والضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه اشترى بلالا وكان رقيقا لأمية بن خلف يعذبه لإسلامه برطل من ذهب فأعتقه فقال المشركون: ما أعتقه أبو بكر إلا ليد كانت له عنده، فنزلت وهو رضي الله تعالى عنه أحد الذين عذبوا لإسلامهم فاشتراهم الصديق وأعتقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      فقد أخرج ابن أبي حاتم عن عروة أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أعتق سبعة كلهم يعذب في الله عز وجل: بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنيرة وأم عبيس وأمة بني المؤمل وفيه نزلت: وسيجنبها الأتقى [ ص: 153 ] إلى آخر السورة، واستدل بذلك الإمام على أنه رضي الله تعالى عنه أفضل الأمة، وذكر أن في الآيات ما يأبى قول الشيعة أنها في علي كرم الله تعالى وجهه وأطال الكلام في ذلك وأتى بما لا يخلو عن قيل، وقال:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية