الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: لكم دينكم هو عند الأكثرين تقرير لقوله تعالى: لا أعبد ما تعبدون وقوله تعالى: ولا أنا عابد ما عبدتم كما أن قوله تعالى: ولي دين عندهم تقرير لقوله تعالى: ولا أنتم عابدون ما أعبد والمعنى: أن دينكم وهو الإشراك مقصور على الحصول لكم لا يتجاوزه إلى الحصول كما تطمعون فيه فلا تعلقوا به أمانيكم الفارغة؛ فإن ذلك من المحالات، وأن ديني الذي هو التوحيد مقصور على الحصول لي لا يتجاوزه إلى الحصول لكم أيضا؛ لأن الله تعالى قد ختم على قلوبكم لسوء استعدادكم أو لأنكم علقتموه بالمحال الذي هو عبادتي لآلهتكم أو استلامي لها، أو لأن ما وعدتموه عين الإشراك، وحيث إن مقصودهم شركة الفريقين في كلتا العبادتين كان القصر المستفاد من تقديم المسند قصر إفراد حتما. وجوز أن يكون هذا تقريرا لقوله تعالى: ولا أنا عابد ما عبدتم والآية على ما ذكر محكمة غير منسوخة كما لا يخفى، أو المراد المتاركة على معنى: إني نبي مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة، فإذا لم تقبلوا مني ولم تتبعوني فدعوني كفافا ولا تدعوني إلى الشرك فهي على هذا كما قال غير واحد منسوخة بآية السيف. وفسر الدين بالحساب؛ أي: لكم حسابكم ولي حسابي لا يرجع إلى كل منا من عمل صاحبه أثر. وبالجزاء أي: لكم جزاؤكم ولي جزائي. قيل: والكلام على الوجهين استئناف بياني كأنه قيل: فما يكون إذا بقينا على عبادة آلهتنا وإذا بقيت على عبادة إلهك؟ فقيل: ( لكم ) إلخ. والمراد: يكون لهم الشر ويكون له عليه الصلاة والسلام الخير، لكن أتى باللام في ( لكم ) للمشاكلة وعليه لا نسخ أيضا، ويحتمل أن يكون المراد غير ذلك مما تكون عليه الآية منسوخة، ولعله لا يخفى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد يفسر الدين بالحال كما هو أحد معانيه حسبما ذكره القالي في أماليه وغيره؛ أي: لكم حالكم اللائق بكم الذي يقتضيه سوء استعدادكم، ولي حالي اللائق بي الذي يقتضيه حسن استعدادي، والجملة عليه كالتعليل لما تضمنه الكلام السابق فلا نسخ. والأولى أن تفسر بما لا تكون عليه منسوخة؛ لأن النسخ خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا عند الضرورة، وللإمام الرازي أوجه في تفسيرها لا يخلو بعضها عن نظر.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر عليه الرحمة أنه جرت العادة بأن الناس يتمثلون بهذه الآية عند المتاركة؛ وذلك لا يجوز لأن القرآن ما أنزل ليتمثل به، بل ليهتدى به، وفيه ميل إلى سد باب الاقتباس، والصحيح جوازه؛ فقد وقع في كلامه عليه الصلاة والسلام وكلام كثير من الصحابة والأئمة والتابعين، وللجلال السيوطي رسالة وافية كافية في إزالة الالتباس عن وجه جواز الاقتباس وما ذكر من الدليل فأظهر من أن ينبه على ضعفه. وقرأ سلام ويعقوب: «ديني» بياء وصلا ووقفا، وحذفها القراء السبعة. والله تعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية