الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فيه تأويلان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : يعني أنه إذا حدث نفسه ألقى الشيطان في نفسه ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : إذا قرأ ألقى الشيطان في قراءته ، قاله قتادة ومجاهد ، قال الشاعر

                                                                                                                                                                                                                                        :

                                                                                                                                                                                                                                        تمنى كتاب الله أول ليله وآخره لاقى حمام المقادر



                                                                                                                                                                                                                                        من رسول ولا نبي فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن الرسول والنبي واحد، ولا فرق بين الرسول والنبي، وإنما [ ص: 35 ] جمع بينهما لأن الأنبياء تخص البشر، والرسل تعم الملائكة والبشر .

                                                                                                                                                                                                                                        والقول الثاني : أنهما مختلفان ، وأن الرسول أعلى منزلة من النبي .

                                                                                                                                                                                                                                        واختلف قائل هذا في الفرق بين الرسول والنبي على ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أن الرسول هو الذي تتنزل عليه الملائكة بالوحي ، والنبي يوحى إليه في نومه .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : أن الرسول هو المبعوث إلى أمة ، والنبي هو المحدث الذي لا يبعث إلى أمة ، قاله قطرب .

                                                                                                                                                                                                                                        والثالث : أن الرسول هو المبتدئ بوضع الشرائع والأحكام ، والنبي هو الذي يحفظ شريعة الله ، قاله الجاحظ .

                                                                                                                                                                                                                                        فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي يرفعه .

                                                                                                                                                                                                                                        ثم يحكم الله آياته أي يثبتها ، واختلف أهل التأويل فيما قرأه النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك على أربعة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنه ألقاه الشيطان على لسانه فقرأه ساهيا .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه كان ناعسا فألقاه الشيطان على لسانه فقرأه في نعاسه قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أن بعض المنافقين تلاه عن إغواء الشيطان فخيل للناس أنه من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حكاه ابن عيسى .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : إنما قال : هي كالغرانيق العلا - يعني الملائكة - وأن شفاعتهم لترتجى ، أي في قولكم ، قاله الحسن .

                                                                                                                                                                                                                                        سبب نزول هذه الآية ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه سورة النجم [ ص: 36 ] قرأها في المسجد الحرام حتى بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى [النجم : 19 - 20] ألقى الشيطان على لسانه (أولئك الغرانيق العلا . وأن شفاعتهن لترتجى، ثم ختم السورة وسجد . وسجد معه المسلمون والمشركون ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه ، وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود ، ورضي بذلك كفار قريش ، وسمع بذلك من هاجر لأرض الحبشة . فأنكر جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ما قرأه ، وشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة فيه وجهان : أولهما : محنة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : اختبارا .

                                                                                                                                                                                                                                        للذين في قلوبهم مرض أي نفاق .

                                                                                                                                                                                                                                        والقاسية قلوبهم يعني المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                        وإن الظالمين لفي شقاق بعيد فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لفي ضلال طويل ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لفي فراق للحق بعيد إلى يوم القيامة ، قاله يحيى بن سلام .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية