الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز

                                                                                                                                                                                                                                        قوله تعالى : يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له لأن حجج الله عليهم بضرب الأمثال لهم أقرب لأفهامهم : فإن قيل فأين المثل المضروب؟ ففيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه ليس هنا مثل ومعنى الكلام أنهم ضربوا لله مثلا في عبادته غيره ، قاله الأخفش .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه ضرب مثلهم كمن عبد من لا يخلق ذبابا ، قاله ابن قتيبة .

                                                                                                                                                                                                                                        إن الذين تدعون من دون الله يحتمل ثلاثة أوجه : [ ص: 40 ] أحدها : أنهم الأوثان الذين عبدوهم من دون الله .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنهم السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنهم الشياطين الذين حملوهم على معصية الله .

                                                                                                                                                                                                                                        لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ليعلمهم أن العبادة إنما تكون للخالق المنشئ دون المخلوق المنشأ ، وخص الذباب لأربعة أمور تخصه : لمهانته وضعفه واستقذاره وكثرته ، وسمي ذبابا لأنه يذب احتقارا واستقذارا .

                                                                                                                                                                                                                                        وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : إفساده لثمارهم وطعامهم حتى يسلبهم إياها .

                                                                                                                                                                                                                                        والثاني : ألمه في قرض أبدانهم ، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يكونون آلهة معبودين وأربابا مطاعين وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان .

                                                                                                                                                                                                                                        ثم قال : ضعف الطالب والمطلوب يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يكون عائدا إلى العابد والمعبود ، فيكون في معناه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يكون عائدا إلى العابد والمعبود .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : قهر العابد والمعبود .

                                                                                                                                                                                                                                        والاحتمال الثاني : أن يكون عائدا للسالب فيكون في معناه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : ضعف للسالب عن القدرة والمسلوب عن النصرة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ضعف السالب بالمهانة والمسلوب بالاستكانة .

                                                                                                                                                                                                                                        ما قدروا الله حق قدره فيه ثلاث تأويلات :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : ما عظموه حق عظمته ، قاله الفراء .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ما عرفوه حق معرفته ، قاله الأخفش .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ما وصفوه حق صفته ، قاله قطرب .

                                                                                                                                                                                                                                        قال ابن عباس : نزلت في يهود المدينة حين قالوا استراح الله في يوم السبت .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 41 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية