الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 418 ] قوله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم سبب نزول هذه الآية ما رواه أبو نضرة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من نسائه وعندهن رجال يتحدثون ، فكره ذلك وكان إذا كره الشيء عرف من وجهه، فلما كان العشي خرج فصعد المنبر فتلا هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : إلى طعام غير ناظرين إناه فيه تأويلان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : غير منتظرين نضجه ، قاله الضحاك ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : غير متوقعين لحينه ووقته ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        ولكن إذا دعيتم فادخلوا فدل هذا على حظر الدخول بغير إذن .

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا طعمتم فانتشروا أي فاخرجوا ، فدل على أن الدخول للأكل يمنع من المقام بعد الفراغ من الأكل .

                                                                                                                                                                                                                                        ولا مستأنسين لحديث روى أبو قلابة عن أنس . قال : لما أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش وضع طعاما ودعا قوما فدخلوا وزينب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يتحدثون وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود فأنزل الله تعالى : فإذا طعمتم فانتشروا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل : فيستحيي منكم يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبركم .

                                                                                                                                                                                                                                        والله لا يستحيي من الحق أن يأمركم به .

                                                                                                                                                                                                                                        وإذا سألتموهن متاعا فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : حاجة ، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : صحف القرآن ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : عارية ، قاله مقاتل . ومعانيها متقاربة .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 419 ] فاسألوهن من وراء حجاب أمرن وسائر النساء بالحجاب عن أبصار الرجال وأمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء .

                                                                                                                                                                                                                                        وفي سبب الحجاب ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها ما رواه مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت : كنت آكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب ، فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت إصبعه إصبعي فقال عمر: لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ، فنزلت آيات الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ما رواه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إلى المباضع وهي صعيد أفيح يتبرزن فيه ، وكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : احجب نساءك يا رسول الله ، فلم يكن يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي ، وكانت امرأة طويلة فناداها بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة ، حرصا أن ينزل الحجاب قالت : فأنزل الله تعالى الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ما روى ابن مسعود أن عمر رضي الله عنه أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب فقالت زينب بنت جحش : يا ابن الخطاب إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا ، فأنزلت الآية : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب

                                                                                                                                                                                                                                        ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أطهر لها من الريبة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أطهر لها من الشهوة .

                                                                                                                                                                                                                                        وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا حكى السدي أن رجلا من قريش من بني تميم قال عند نزول الحجاب أيحجبنا رسول [ ص: 420 ] الله عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا، لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده ، فأنزلت هذه الآية . ولتحريمه تعديهن لزمت نفقاتهن من بيت المال .

                                                                                                                                                                                                                                        واختلف أهل العلم في وجوب العدة عليهن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن على وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لا تجب عليهن العدة لأنها مدة تربص ينتظر بها الإباحة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : تجب لأنها عبادة وإن لم تعقبها إباحة .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية