الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها [ ص: 33 ] أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فيه قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أنها نزلت في أبي بن خلف الجمحي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يجادله في بعث الموتى، قاله عكرمة ومجاهد والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها نزلت في العاص بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففته بيده ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيحيي الله هذا بعدما أرم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم ويميتك ثم يحييك ثم يدخلك نار جهنم فنزلت هذه الآيات فيه، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا هو خصيم مبين أي: مجادل في الخصومة مبين للحجة، يريد بذلك أنه صار بعد أن لم يكن شيئا خصيما مبينا ، فاحتمل ذلك أمرين: أحدهما: أن ينبهه بذلك على نعمه عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن يدله بذلك على إحياء الموتى كما ابتدأه بعد أن لم يكن شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وضرب لنا مثلا ونسي خلقه وهو من قدمنا ذكره ويحتمل وجهين:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أي ترك خلقه أن يستدل به.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: سها عن الاعتبار به.

                                                                                                                                                                                                                                        قال من يحيي العظام وهي رميم استبعادا أن يعود خلقا جديدا. فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبه بما فيه دليل لأولي الألباب.

                                                                                                                                                                                                                                        قل يحييها الذي أنشأها أول مرة أي من قدر على إنشائها أول مرة من غير شيء فهو قادر على إعادتها في النشأة الثانية من شيء.

                                                                                                                                                                                                                                        وهو بكل خلق عليم أي كيف يبدئ وكيف يعيد.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 34 ] قوله عز وجل: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا الآية أي الذي جعل النار المحرقة في الشجر الرطب المطفي وجمع بينهما مع ما فيهما من المضادة ، لأن النار تأكل الحطب ، وأقدركم على استخراجها هو القادر على إعادة الموتى وجمع الرفات.

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل ذلك منه وجهين:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما: أن ينبه الله تعالى بذلك على قدرته التي لا يعجزها شيء.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن يدل بها على إحياء الموتى كما أحييت النار بالإذكاء.

                                                                                                                                                                                                                                        قال الكلبي : كل الشجر يقدح منه النار إلا العناب.

                                                                                                                                                                                                                                        وحكى أبو جعفر السمرقندي عن أحمد بن معاذ النحوي في قوله تعالى الذي جعل لكم من الشجر الأخضر يعني به إبراهيم ، نارا أي نورا يعني محمدا صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا أنتم منه توقدون أي تقتبسون الدين.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية