الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: اهدنا الصراط المستقيم إلى آخرها.

                                                                                                                                                                                                                                        أما قوله: اهدنا الصراط المستقيم ففيه تأويلان: أحدهما: معناه أرشدنا ودلنا. والثاني: معناه وفقنا، وهذا قول ابن عباس . وأما الصراط ففيه تأويلان: أحدهما: أنه السبيل المستقيم، ومنه قول جرير:


                                                                                                                                                                                                                                        أمير المؤمنين على صراط إذا اعوج الموارد مستقيم



                                                                                                                                                                                                                                        والثاني: أنه الطريق الواضح ومنه قوله تعالى: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون [الأعراف: 86] وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        ... ... ...     فصد عن نهج الصراط القاصد



                                                                                                                                                                                                                                        وهو مشتق من مسترط الطعام، وهو ممره في الحلق. وفي الدعاء بهذه الهداية، ثلاثة تأويلات: أحدها: أنهم دعوا باستدامة الهداية، وإن كانوا قد هدوا. والثاني: معناه زدنا هداية. [ ص: 59 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والثالث: أنهم دعوا بها إخلاصا للرغبة، ورجاء لثواب الدعاء. واختلفوا في المراد بالصراط المستقيم، على أربعة أقاويل: أحدها: أنه كتاب الله تعالى، وهو قول علي وعبد الله، ويروى نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنه الإسلام، وهو قول جابر بن عبد الله، ومحمد بن الحنفية. والثالث: أنه الطريق الهادي إلى دين الله تعالى، الذي لا عوج فيه، وهو قول ابن عباس . والرابع: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخيار أهل بيته وأصحابه، وهو قول الحسن البصري وأبي العالية الرياحي. وفي قوله تعالى: الذين أنعمت عليهم خمسة أقاويل: أحدها: أنهم الملائكة. والثاني: أنهم الأنبياء. [ ص: 60 ]

                                                                                                                                                                                                                                        والثالث: أنهم المؤمنون بالكتب السالفة. والرابع: أنهم المسلمون وهو قول وكيع. والخامس: هم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه من أصحابه، وهذا قول عبد الرحمن بن زيد. وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير: (صراط من أنعمت عليهم) وأما قوله: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقد روي عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن المغضوب عليهم، فقال: (هم اليهود وعن الضالين فقال: (هم النصارى) . [ ص: 61 ]

                                                                                                                                                                                                                                        وهو قول جميع المفسرين. وفي غضب الله عليهم، أربعة أقاويل: أحدها: الغضب المعروف من العباد. والثاني: أنه إرادة الانتقام، لأن أصل الغضب في اللغة هو الغلظة، وهذه الصفة لا تجوز على الله تعالى. والثالث: أن غضبه عليهم هو ذمه لهم. والرابع: أنه نوع من العقوبة سمي غضبا، كما سميت نعمه رحمة. والضلال ضد الهدى، وخص الله تعالى اليهود بالغضب، لأنهم أشد عداوة. وقرأ عمر بن الخطاب (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية