الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن [ ص: 524 ] ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم

                                                                                                                                                                                                                                        يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام الفتح وبايعه الرجال جاءت النساء بعدهم للبيعة فبايعهن. واختلف في بيعته لهن على ثلاثة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه جلس على الصفا [ومعه عمر أسفل منه] فأمره أن يبايع النساء ، قاله مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه أمر أميمة أخت خديجة خالة فاطمة بنت رسول الله بعد أن بايعته ، أن تبايع النساء عنه، قاله محمد بن المنكدر عن أميمة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه بايعهن بنفسه وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه ، قاله عامر الشعبي. وقيل بل وضع قعبا فيه ماء وغمس فيه يده وأمرهن فغمسن أيديهن ، فكانت هذه بيعة النساء. فإن قيل فما معنى بيعتهن ولسن من أهل الجهاد فتؤخذ عليهن البيعة كالرجال؟ قيل: كانت بيعته لهن تعريفا لهن بما عليهن من حقوق الله تعالى وحقوق أزواجهن لأنهن دخلن في الشرع ولم يعرفن حكمه فبينه لهن ، وكان أول ما أخذه عليهن أن لا يشركن بالله شيئا توحيدا له ومنعا لعبادة غيره. ولا يسرقن فروى أن هند بنت عتبة كانت متنكرة عند أخذ البيعة على [ ص: 525 ] النساء خيفة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صنعته بحمزة وأكلها كبده ، فقالت حين سمعته في أخذ البيعة عليهن يقول " لا يسرقن " والله إني لا أصيب من أبي سفيان إلا قوتنا ما أدري أيحل لي أم لا ، فقال أبو سفيان: ما أصبت مما مضى أو قد بقي فهو لك حلال ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال: (أنت هند ؟ فقالت عفا الله عما سلف.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم قال ولا يزنين فقالت هند يا رسول الله أو تزني الحرة؟

                                                                                                                                                                                                                                        ثم قال ولا يقتلن أولادهن لأن العرب كانت تئد البنات ، فقالت هند: أنت قتلتهم يوم بدر ، وأنت وهم أبصر.


                                                                                                                                                                                                                                        وروى مقاتل أنها قالت: ربيناهم صغارا وقتلتوهم كبارا فأنتم وهم أعلم ، فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى. ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن فيه ثلاثة أقاويل:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أنه السحر ، قاله ابن بحر .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: المشي بالنميمة والسعي في الفساد.

                                                                                                                                                                                                                                        والثالث: وهو قول الجمهور ألا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن لأن الزوجة كانت تلتقط ولدا وتلحقه بزوجها ولدا ، ومعنى يفترينه بين أيديهن ما أخذته لقيطا ، وأرجلهن ما ولدته من زنى ، وروي أن هندا لما سمعت ذلك قالت: والله إن البهتان لأمر قبيح ، وما تأمر إلا بالأرشد ومكارم الأخلاق.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم قال ولا يعصينك في معروف فيه أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها: أن المعروف هاهنا الطاعة لله ولرسوله ، قاله ميمون بن مهران.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ما رواه شهر بن حوشب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعصينك في معروف قال: هو النوح.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أن من المعروف ألا تخمش وجهها ولا تنشر شعرها ولا تشق جيبا ولا تدعو ويلا، قاله أسيد بن أبي أسيد. [ ص: 526 ] الرابع: أنه عام في كل معروف أمر الله ورسوله به ، قاله الكلبي . فروي أن هندا قالت عند ذلك: ما جلسنا في مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعطيك من شيء وهذا دليل على أن طاعة الولاة إنما تلزم في المعروف المباح دون المنكر المحظور.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية