الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون

                                                                                                                                                                                                                                        فمال الذين كفروا قبلك مهطعين فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : مسرعين ، قاله الأخفش ، قال الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        بمكة دارهم ولقد أراهم بمكة مهطعين إلى السماع



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : معرضين ، قاله عطية العوفي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ناظرين إليك تعجبا ، قاله الكلبي . عن اليمين وعن الشمال عزين فيه خمسة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : متفرقين ، قاله الحسن ، قال الراعي


                                                                                                                                                                                                                                        أخليفة الرحمن إن عشيرتي     أمسى سراتهم إليك عزينا .



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : محتبين ، قال مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنهم الرفقاء والخلطاء ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أنهم الجماعة القليلة ، قاله ابن أسلم .

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس : أن يكونوا حلقا وفرقا . روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال : (ما لي أراكم عزين) قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 97 ]


                                                                                                                                                                                                                                        ترانا عنده والليل داج     على أبوابه حلقا عزينا .



                                                                                                                                                                                                                                        يوم يخرجون من الأجداث سراعا يعني من القبور . كأنهم إلى نصب يوفضون في (نصب) قراءتان : إحداهما بتسكين الصاد ، والأخرى بضمها . وفي اختلافهما وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : معناهما واحد ، قاله المفضل وطائفة ، فعلى هذا في تأويله أربعة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : معناه إلى علم يستبقون ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : إلى غايات يستبقون ، قاله أبو العالية .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : إلى أصنامهم يسرعون ، قاله ابن زيد ، وقيل إنها حجارة طوال كانوا يعبدونها .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : إلى صخرة بيت المقدس يسرعون . والوجه الثاني من الأصل أن معنى القراءتين مختلف ، فعلى هذا في اختلافهما وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أن النصب بالتسكين الغاية التي تنصب إليها بصرك ، والنصب بالضم واحد الأنصاب ، وهي الأصنام ، قاله أبو عبيدة ومعنى ( يوفضون ) يسرعون ، والإيفاض الإسراع ، ومنه قول رؤبة


                                                                                                                                                                                                                                        يمشين بنا الجد على الإيفاض     بقطع أجواز الفلا انفضاض .



                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية